recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

أثر الرشوة السياسية في الحياة البرلمانية

 أثر الرشوة السياسية في الحياة البرلمانية 


بقلم: الدكتور عادل عامر 


إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري مؤشر على ثقة الدولة بمسيرتها السياسية ومؤسساتها الدستورية بالرغم من الظروف الإقليمية المعقدة والأوضاع الصحية المرتبطة بجائحة كورونا والأوضاع الاقتصادية المرتبطة بها.  


إن إجراء الانتخابات هو رسالة للخارج والداخل على حد سواء بمدى النضوج السياسي الذي وصلت إليه البلاد واحترام الاستحقاقات الدستورية التي حرص جلالة الملك على المحافظة عليها. 


بالمقابل، فإن الانتخابات النيابية القادمة تبرز نفسها كتحد وفرصة للدولة. ولكن الانتخابات القادمة تشكل فرصة، إذا أحسن استغلالها، فقد تكون بداية لاستعادة الثقة بهذه المؤسسة العريقة والمهمة للحياة السياسية، وهي عملية ممكنة ولكنها ليست سهلة.  


إنه لمن المهم والضروري أن تكون الانتخابات القادمة مختلفة عن سابقاتها من حيث منسوب النزاهة المرتبطة باستخدام المال، والتي قد تشكل فرصة لتجديد النخبة السياسية في الجانب التشريعي، والذي سيكون له أثر كبير في استعادة الثقة بإحدى مؤسسات الدولة المهمة. 


إلا أن وضع الأحزاب السياسية في مصر لا يرقى أن يكون مثل مثيله في الدول الكبرى بل إن صفوة أعضائهم  من رجال الأعمال خلقوا لأنفسهم قوى احتكارية سيطرت وهيمنت على تلك الأحزاب، والحكمة من ذلك هو تحقيق أغراضهم للوصول إلى كرسي البرلمان والمشاركة في الحياة السياسية والنيابية بالشكل الذى يرضاه حتى لو غلبت مصلحته الخاصة على المصلحة العامة، فبالتالي لا تقوم للتعددية الحزبية قائمة  


ويبقى حزب واحد مسيطر على الحياة السياسية صاحب الآراء والأفكار والتشريعات، وخصوصاً إذا كان لا يوجد حزب آخر منافساً وندا له لكى يبصر المجتمع بالوجه الآخر لما يدعيه هذا الحزب، ويكشف زيفه، وسوء نيته مما يدعو إليه، لأن سيطرت الحزب الواحد على الحياة السياسية والبرلمانية في مصر هو تأثير سيئ على الحياة الحزبية كلها،  


لأن سيطرة رأس المال البشرى من فرد واحد أو أسرة واحدة أو شخصية بعينها على الأحزاب في مصر، تكون هذه أحزاب تضليل محتكرة يقودها أصحاب الاحتكارات من الرأسماليين لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية لهم، لأن أحزاب رجال الأعمال لها مخاطر عديدة على سلامة المجتمع وهذا يؤدى إلى الاضمحلال والهزال وفساد الحياة الحزبية، 


 خصوصاً أن كوادر هذه الأحزاب تتعالى في الكبر والغطرسة، عندما يعاملون فقراء الشعب بكل مهانة عندما يقومون بدورهم الاجتماعي نحو أفراد الشعب من تقديم المساعدات الإنسانية لهم سواءً كانت في صورة عبوات غذائية، أو منسوجات قطنية وخلافه، ويكون هذا تحت بصر وسمع العامة من خلال نشر هذه الأعمال الإنسانية في صورة إعلانات مدفوعة الأجر فى الإعلام المسموع أو المقروء أو المرئي أو النشر عبر وسائل التواصل  الاجتماعي الفيسبوك. فهل أغراض هذه الأحزاب التخفيف عن الفقراء بهذا التعالي واللامبالاة من إحراج الطبقات الفقيرة من هذا الشعب؟. علماً أن هذا الدور تستطيع القيام به أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني أو أي جمعية من الجمعيات الأهلية،  


لأن هدف الحزب أرقى وأسمى من ذلك وهو المشاركة في الحياة السياسية من إصلاح التعليم والمساعدة في الحصول على الخدمات الصحية الجيدة بسعر عادل والقضاء على البطالة وخلق سياسات اقتصادية واجتماعية تراعى في مصالح الجماهير واذابة الفوارق بين طبقات الشعب المختلفة، ومع كثرة الأحزاب في مصر إلا أننا لم نجد لهذه الأحزاب أي فكر سياسي إلى الآن رغم أن قانون الأحزاب السياسية الذى تحدثنا عنه يشترط لتكوين الحزب السياسي أن يكون له مبادئ وأفكار سياسية، 


 إلا أن اقتران الأحزاب أصبح يعود إلى الشخصيات العامة من رجال الأعمال الذين يملكون الصحف والمحطات الفضائية من قنوات تليفزيونية فضائية ومواقع إلكترونية صحفية فيكون هو صاحب الفكر والرأي الواحد وعدم تنوع الآراء ويكون هذا الرأي مسيطرا سيطرة كاملة على عقول الجماهير ومسخرها لمصلحته وأفكاره، لأنه يملك الصحف ومواقعها الإلكترونية وقنواته الفضائية  


وهذا له تأثير سيئ على حرية الرأي والتعبير، وتنهار حرية الصحافة كما تنهار الأحزاب السياسية لسيطرة رأس المال عليها لأن هذا العضو يستطيع الوصول إلى دهماء الشعب وأصحاب الفكر المحدود من السيطرة على عقولهم وتجنيدهم لمصالحة الانتخابية للوصول إلى كرسي البرلمان، سواء كان عن طريق المساعدات أو شراء الذمم بالمال، وهذا يعتبر أشد أنواع الفساد لخلق جيل فاسد ينتشر  في الرشوة والفساد  


ويظهر هذا في القرى والنجوع والمناطق الشعبية في الحضر والمدن وللأسف الشديد هذه الفئات الفاسدة  منتشرة جداً في مجتمعنا في مختلف طبقاته، للسيطرة على إرادة وعقول الناخبين لكى ينتخبوا شخصية بعينها للوصول إلى كرسي البرلمان فيضمن العضو نجاحه بسهولة فتتبلد الأفكار  


ولا يحقق مطالب وطموحات شعبه ولا حتى أفكار حزبه السياسية.     أن هناك دورا آخر وهو دور المواطن والذى سوف يتحسن من وقت لآخر عندما يدرك أن استغلال حالة عوز المواطن البسيط من خلال المال السياسي حالة مؤقتة ويعطى فرصة لوصول أشخاص لأماكن لا يستحقونها، فوعى المواطن يزداد من وقت لآخر وهذا دور الإعلام والمجتمع المدني والأحزاب لتوعية المواطن، أن صوته أمانة، لو أن الانتخابات المقبلة أتت بنسبة 60% دون مال سياسي فهو أمر جيد للغاية، لان هناك فرقا بين المال السياسي والدعاية الانتخابية لأن كل مرشح يحتاج إلى تمويل لعمل بنرات وسرادقات حتى يستطيع أن يشرح برنامجه الانتخابي وهو أمر مطلوب أما استغلال حالة العوز فهو أمر مرفوض شكلا وموضوعا ومجرم.         أن المال السياسي في الانتخابات موجود في جميع دول العالم وليس مصر فقط، لأن الأوضاع الاقتصادية في الدول غير مستقرة ويوجد نسب كبيرة من البطالة والفقر فيظهر فيها المال السياسي. 


 قضية المال السياسي ودوره في الانتخابات قضية مثارة في كل دول العالم. وقد اثيرت القضية مؤخرا في البحرين في أعقاب الإعلان عن القبض على شخصين تلقيا أموالا من قطر بهدف التأثير في الانتخابات القادمة، ثم الإعلان عن تخصيص خط ساخن للإبلاغ عن أي تجاوزات بهذا الشأن. 


المبدأ الأساسي في أي انتخابات نزيهة هو انها يجب أن تكون معبرة عن الناخبين، وان تأتي نتائجها تعبيرا صادقا عن الإرادة الحرة لهم، من دون أي إكراه، وأي ضغوط مباشرة أو غير مباشرة من أي جهة يمكن ان تزيف هذه الإرادة. 


وليس من الغريب أن تحاول دول أو جهات خارجية، مثل قطر أو إيران أو غيرهما، التدخل في الانتخابات ومحاولة التأثير عليها. أصبح معروفا بالتفصيل تاريخ التدخلات الإيرانية والقطرية في شؤون البحرين الداخلية. ومحاولة التأثير في الانتخابات تأتي في اطار هذه التدخلات، وفي اطار الأجندات التخريبية المعروفة التي تستهدف البلاد. 


بالطبع، من الجيد ان تكون الأجهزة المعنية في الدولة، الأمنية وغير الأمنية، متيقظة لهذه المحاولات الخارجية للتأثير في الانتخابات وأن تتخذ الإجراءات اللازمة لإحباطها. 


لكن المشكلة ان استخدام المال السياسي في الانتخابات ليس قصرا على الدول والجهات الأجنبية بأجنداتها المعروفة. القضية أبعد من هذا، وتأخذ صورا وأشكالا شتى. 


المرشحون أنفسهم الذين لديهم قدرات مالية كبيرة قد يلجئون إلى تقديم رشاوى مادية للناخبين بأي شكل من الأشكال سعيا لكسب أصواتهم. 


هذا استخدام فاسد للمال سياسيا، ويمكن ان يؤثر بشدة على اختيارات الناخبين على أسس ليست موضوعية ولا نزيهة. 


أيضا، فإن بعض الجهات في الدولة، أو بعض القوى في المجتمع، أو بعض رجال الأعمال القادرين، قد يلجئون إلى تقديم أموال لبعض المرشحين الذين يريدون لهم ان يفوزوا في الانتخابات لهذا السبب أو ذاك. 


هذا أيضا استخدام فاسد للمال السياسي بما لا يمكن ان يخدم المصلحة العامة. 


المهم انه في كل الأحوال فإن استخدام المال السياسي في الانتخابات تكون نتائجه مدمرة بالنسبة للعملية الانتخابية وبالنسبة للمصالح الوطنية العامة. 


هذا الاستخدام يدمر أولا نزاهة العملية الانتخابية وعدالة المنافسة بين المرشحين. المرشح الذي لا يملك قدرة مالية، أو لا يريد استخدام المال لاعتبارات مبدئية، قد لا يستطيع الصمود في المنافسة رغم انه قد يكون هو الأكثر كفاءة والأصلح لأن يصبح نائبا يمثل الشعب. واستخدام المال السياسي يمكن ان يقود إلى تزييف إرادة الناخبين، وبحيث يكون الفائز ليس معبرا حقا عن الإرادة الشعبية. وفي المحصلة النهائية يمكن ان يقود استخدام المال السياسي إلى اختيار نواب لا يتمتعون بالكفاءة والمقدرة، وبالتالي إلى برلمان ضعيف لا يستطيع التعبير عن الطموحات الشعبية ولا خدمة المصالح الوطنية. 

google-playkhamsatmostaqltradent