recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

بين المتنبي و كافور الإخشيدي" قراءة في ديوان الشعر العربي

 "بين المتنبي و كافور الإخشيدي"

قراءة في ديوان الشعر العربي



بقلم دكتور.طارق عتريس أبوحطب


على سبيل التقديم:


لم يحفظ لنا سجل الشعر العربي اسما لشاعر،و سجله في ديوان الخلود العربي بحروف النور مثلما حفظ لن اسم شاعر العربية الأكبر، و الأشهر مثلما حفظ اسم المتنبي،هذا العالم العلم،و الشاعر الذي غرد منفردا وحده، و احتل صدارة ديوان شعر العربية الأكبر عن جدارة، و استحقاق، فلم يكن شاعرنا المتنبي مجرد شاعر مشهور،شغل الدنا، و ملأ الأسماع ضجيجا، و صخبا،بل هو أحد أكثر شعراء العرب شهرة إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق،- غير منازع-

فهو شاعر حكيم، يعدأفضل من استخدموا اللغة العربية وأعرفهم بها، ولا يزال حتى يومنا هذا مصدر إلهام للكثير من الأدباء والشعراء. وقد عُرف كذلك بحدة ذكائه، فهو من الشعراء الذين اكتسبوا أهمية تجاوزت زمانهم ومكانهم، فلم يكن المتنبّي مجردَ شاعرٍ يملك من الفصاحة والبلاغة ما لا يملكه غيره من الشعراء، بل كانَ ذا شخصيةٍ مميزة، يعتز بنفسه ويفخر بها في قصائده ومجالسه. وقد كتب المتنبي شعر الهجاء والمديح والرثاء في السلاطينِ وغيرهم من الشخصيات المهمّة في زمنه. وقد كانَ للمتنبي أثر كبير في الشعرِ العربيّ امتدّ من زمنه إلى يومنا هذا، فلم يكفّ الشعراء عن قراءته، ولم يتوقّف الدّارسون للأدب العربيّ عن شرحه وتحليله ودراسته،و كأن في ذلك تصديق لحدس المتنبي شاعر الأزمان، و شاغل الأكوان إذ يقول:


أنام ملء جفوني عن شواردها 

و يسهر الخلق جراها و يختصم


فمن هو المتنبي؟

 و ما قصته مع كافور الإخشيدي؟ 

و ما الملابساا التي جمعت بينهما؟

 وكيف بدأت؟ و إلى أين ألقت برحالها؟


 هذا ما سنحاول في سطورنا القليلة إماطة اللثام عنها


المتنبي نسب و تعريف:


هو شاعر العربيّة الأشهر  أحمد بن الحسين بن الحسن  مرّة بن عبد الجبّار الجعفيّ الكنديّ الكوفيّ، والده جعفيّ وأمه همدانيّة، ولد في كندة إحدى مناطق الكوفة في العراق سنة ٩١٥ من الهجرة، كنيته أبو الطيب، و لقبه المتنبي، وهو شاعر العصر العباسي، كما يعتبره الكثيرون أحد أعظم شعراء اللغة العربية على الإطلاق. تتميز أشعاره بالنمط المنمق والمعاني العميقة المؤثرةكان والد المتنبي يعمل كحامل خزانات مائية وكان والده يفتخر بأصوله العربية النبيلة والقديمة التي تعود إلى قبيلة كندة. وبسبب موهبة ابنه في الشعر، ساعده والداه على إستكمال تعليمه، وعندما طرد القرامطة جماعة الشيعة من الكوفة عام ٩٢٤م، التحقت عائلة المتنبي بهم وعاشوا بين البدو، وتعلم المتنبي مذاهبهم واتقن اللغة العربية. قاد المتنبي ثورةً قرمطيةً في سوريا عام ٩٣٢م. وبعد قمعه وسجنه لمدة عامين، خرج من السجن وبات شاعرًا متجولا،و هو شاعر العصر العباسي يعتبره الكثيرون أحد أعظم شعراء اللغة العربية على الإطلاق. تتميز أشعاره بالنمط المنمق والمعاني العميقة المؤثرةقيمة،و معنى.


نشأ المتنبي محباً للعلم والأدب وكان ذلك واضحاً من ملازمته للعلماء في مجالسهم، فكانَ غلاماً يتميز بالذكاء وقوّة الحفظ، وقد نظم أول قصائده وهو في العاشرة من عمره مثأثراً بقصائد الشعراء القدماء وبشعر المعاصرين، وعُرف المتنبي بأنه شاعر حكيم، كما أنّه من أفضل من استخدموا اللغة العربية وأعرفهم بها، ولا يزال حتى يومنا هذا مصدر إلهام للكثير من الأدباء والشعراء. وقد عُرف كذلك بحدة ذكائه.

و هو أحد أكثر شعراء العرب شهرةً، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق، وهو من الشعراء الذين اكتسبوا أهميةً تجاوزت زمانهم ومكانهم، فلم يكن المتنبّي مجردَ شاعرٍ يملك من الفصاحة والبلاغة ما لا يملكه غيره من الشعراء، بل كانَ ذا شخصيةٍ مميزة، يعتز بنفسه ويفخر بها في قصائده ومجالسه

وُصف المتنبي بأنه نادرة زمانه، وكتب المتنبي شعر الهجاء والمديح. أيامه الذهبية كانت في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب، وله ألّف أبلغ قصائد المديح.


لقد ترك المتنبي ثروة ضخمة طوَّفت في آفاق العالم، ولم تقتصر هذه الثروة على الفكر العربي بل ترجم بعدة لغات، وكتب عنه المستشرقون والغربيون كتابات إعجابية، وهذه الثروة التي تركها برغم قصر عمره الذي لم يتجاوز الخمسين عاما، ولكنه عاش في فكر الإنسانية، وسيعيش حتى يرث الله الأرض ومن عليها، برغم عمره المادي الذي هو عمر الورود. لم يعمر المتنبي في هذه الحياة بجسمه المادي، ولكنّ فكره عُمِّرَ، ولا يزال شابًّا في ربيع الحياة، يشارك الأحياء حياتهم، ويتنسم معهم هذا الأكسجين، ويعيش معهم في بيوتهم، وفي حركاتهم وسكناتهم، وكثر حاسدوه فأصلوه نقداً، ولكنَّ ذلك النقد لم يزده إلا رفعة،و خلودا


كافور بين الرق و الحكم: 


أبو المسك كافور ، هو أحد حكام الدولة الأخشيدية ، جاء كافور لمصر مع من جلبوا إليها من عبيد يباعون في أسواقها من السودان أو النوبة وهو بين العاشرة والرابعة عشرة. ولم يكن كافور علي سواده وسيماً بل كان دميماً قبيح الشكل مثقوب الشفة السفلي مشوه القدمين،وقاسي كافور الأمرين وهو يعاني من أحمال ناء بها كاهله ، فبين نير معصرة الزيت التي يديرها ، يدوس برجليه الكُسب ثم يقوم بحمل الأواني علي منكبيه ليجر بعدها العجلات بيديه في عمل يومي شاق ، يفترش الأرض بعدها لينام في النهاية كأنما قد كتب عليه أن يظل متمرغاً في الزيت بلا نهاية ، بل ولقي الكثير من العنت من سيده. كل هذا العناء جعل من كافور رجلاً قوياً وقادراً علي مواجهة الصعاب بل وشد من أزره حتي إذا خرج من تحت قبضة الزيات وقع في يد محمود بن وهب بن عباس الكاتب ، وهنا بدأ الحظ يبتسم له.


كانت تلك النقلة هي أول الطريق نحو المجد الذي أفضي به إلي الخير فعرف كافور السبيل نحو القراءة والكتابة فنفض يديه متاعب المعصرة وأدران الزيت فالسيد الجديد ابن عباس الكاتب هذا كان موصولاً بمحمد بن طغج ويعرفه منذ كان قائداً من قادة تكين أمير مصر وقتهاشاءت المقادير أن يحمل كافور هدية من مولاه إلي ابن طغج ، وحين رأه الإخشيد انفتح له قلبه من أول وهلة ، فسعي لشراء هذا الصبي الأسود مقابل ثمانية عشرة ديناراً دفعها ثمناً له، و تغيرت الظروف،وآلت الأمور لأبي المسك كافور الذي

وقد أصبح كافور سنة ٩٦٦م واليا من قبل العباسيين على مصر حيث حكمها ثم توسع إلى بلاد الشام دام حكمه لمدة ثلاثة و عشرين عاما فقد استطاع أن يدير دفة الدولة عقب وفاة محمد بن طغج الإخشيد، حيث إن أنوجور "محمود" بن محمد بن طغج كان لا يزال صبيًا في الخامسة عشرة من عمره، ويروي أن أبا المسك كافور لم يكن ليتيح لأونوجور هذا الفرصة كي يمرن نفسه علي الحكم فيفيد منه ولم يكن ليدعه يظهر للناس حتي لا يعرفونه ، أفل نجم أونوجور سريعاً ليسطع نجم كافور الذي دعا له الخطباء علي المنابر دون أونوجور ، في الوقت الذي كان ينال فيه أونوجور ما خصصه له كافور من مال بلغ أربعمائة ألف دينار في العام، هو صاحب الفضل في بقاء الدولة الإخشيدية في مصر. يذكر أنه كان عبدا وخصيا.


لقاء المتنبي بكافور:


انقطع المتنبي لمدح سيف الدولة علي بن حمدان، و كان أثيرا لديه، مقربا منه، حتى أوقع الوشاة بينهما، أفترك شاعرنا بلاط سيف الدولة بعد عتاب باعتزاز جاء فيه: 


يا أعدل الناس إلا في معاملتي

فيك الخصام و أنت الخصم و الحكم

أعيذها نظرات منك صادقة 

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم 

و ما انتفاع أخي الدنيا بناظره

إذا استوت عنده الأنوار و الظلم 


قدم أبو الطيب إلى مصر،بدعوة من أبي المسك كافور واقام بها  أربع سنين وستة أشهر، من جمادى الثانية سنة ست وأربعين، إلى تاسع ذي الحجة سنة خمسين وثلاثمائة. 


شعر المتنبي بين المدح لكافور و هجائه: 


وفدالمتنبي إلى مصر، و مدح كافور الإخشيدي وقد تعرض فى أول قصائده فى مدح كافور بصديقه القديم سيف الدولة ووصفه بالغَّدار.. رغم عمق محبته له، حيث بدأ قصيدته بقوله:


حببتك قلبى قبل حبك مــن نأى                        وقد كان غدارا فكن أنت وافيا


فإن دموع العين غدر بربها 

إذا كن إثر الغادرين جواريا


ثم يصفه بأبي المسك الذى كان ينتظر اليوم الذى يلقاه فيه، ولقبه بالأستاذ الكريم الشجاع ولماذا لا تبدل الملوك بياض وجهها بلونه كافور الأسود:


كرم فى شجاعة وذكاء                فى بهاء وقدرة فى وفاء


من لبيض الملوك أن تبدل اللون                      بلون الأستاذ والسحناء


وزاد المتنبي  فى مدح كافور، ووصفه بأبى كل طيب وليس المسك وحده، وأنه شمس منيرة سوداء، وأنه الأكثر تجربة بين الملوك.. ووصل إلى ما وصل إليه وهمته لم تكل، وهو يدير الملك من مصر إلى عدن إلى العراق إلى الروم والنوبة!


ثم يقول فى قصيدة أخرى:


ومن مثل كافور إذا الخيل أحجمت                    وكان قليلا من يقول لها أقدمى

شديد ثبات الطرف والنقع واصل                    إلى لهوات الفارس المتلثم

فلو لم تكن فى مصر ماسرت نحوها                  بقلب المشوق المستهام المتيم

رضيت بما ترضى لى محبة                       وقدت إليك النفس قود المـسلم

ومثلك من كان الوسيط فؤاده

فكلمة عنى ولم أتكلم


ولم يكتف أبو الطيب بذلك؛  ولكنه دخل فى الموضوع مباشرة.. حيث خاطبه:


وفى النفس حاجات وفيك فطانة                        سكوتى بيان عندها وخطاب

وما أنا الباغى على الحـب رشوة                     ضعيف هوى يبغى عليه ثواب

ومــا شئت إلا أن أدل عواذلى                      على أن رأيى فى هواك صواب

إذا نلت منك الود فالمال هين                      وكـــل الذى فوق التراب تراب


ولكن مشكلةأنه قارن كافور بصديقه سيف الدولة، وشتان بين الاثنين، فلما لم يمنحه كافور ما كان يتوقعه منه.. غادر مصر وهجاه بعدة قصائد مشهور أصبحت مضرب الأمثال منها تلك الأبيات التى يعايره فيها بشقوق فى كعب رجله، وكذلك شفتيه التى شبهها بشفتى البعير:


أريك الرضا لو أخفت النفس خافيا                     وما أنا عـن نفسى ولا عنك راضيا

وتعجبنى رجلاك فى النعل إننى                       رأيتك ذا نعل إذا كنت حافيا

ويذكرنى تخييط كعبك شقه                 ومشيك فى ثوب من الزيت عاريا

فإن كنت لا خير أفدت فإننى                            أفدت بلحظى مشرفيك الملاهيا

ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة               ليضحك ربات الحداد البواكيا


فشاعرنا ليس راضيا عنه لتقصيره معه، ولا عن نفسه لقصدها إياه، فهو العبد الذى يؤتى به من بلاد بعيدة لتضحك عليه الثكالى، فقد قيل إن كافور كان عبدا لحجام بمصر فلما باعه اشتراه الإخشيد.


يقول أبو الطيب فيه هاجيا:


صار الخصـى إمــــــام الأبقين بها                   فالحر مستعبد والعبد معبود

العبد ليس لحرصالح بأخ

لو أنـه فى ثياب الحر مولود

لا تشتر العبد إلا والعصا معه

إن العبيـد لأنجاس مناكيد

نامت نواطير مصر عن ثعالبها                    فقد بشمن وما تفنى العناقيد

ما كنت أحسبنى أحيا إلى زمـن                        يسىء بى فيه عبد وهو محمود


ولم يقتصر هجاء المتنبى لكافور حاكم مصر في قصيدة واحدة، وإنما طال في قصائد متعددة، فهويصف ولاية كافور على المصريين،وحكمه إياهم  بأنه عقاب من الله أن يوَّلى عليهم كلبا مثله.. عبد قزم، فيقول:


جاز  الأولى ملكت كفـاك قدرهم                       فعــــرفوا بك أن الكلب فوقهم

سادات كل أناس من نفوسه                       وسادة المسلمين الأعبد القزم


و همذا كانت رحلة المتنبي إلى مصر، و اللقيا بكافةر، و أمنيات النفس من الرجلين،  ذهب المتنبي،  كما ذهب كافور، و ظل الشعر باقيا.

بين المتنبي و كافور الإخشيدي"  قراءة في ديوان الشعر العربي
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent