recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن بيعة الرضوان ( الجزء الثالث )


ماذا تعرف عن بيعة الرضوان ؟  ( الجزء الثالث )





إعداد / محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الثالث ومع بيعة الرضوان وقد وقفنا عندما أنكر سعيد بن المسيّب على من زعم أنه عرف الشجره التى تمت تحتها المبايعه، معتمدا على قول أبيه، إنهم لم يعرفوها في العام المقبل، لا يدل على رفع معرفتها أصلا، وقد وقع عند المصنف من حديث جابر الذي قبل هذا "لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة" فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها، لأن الظاهر أنها حين مقالته تلك كانت هلكت إما بجفاف أو بغيره، واستمر هو يعرف موضعها بعينه، وفي خلافة عمر بن الخطاب كان الناس يأتون شجرة الرضوان ويصلون عندها، فعلم بذلك عمر فأمر بقطعها، ويرى بعض العلماء أن الشجرة التي قطعها عمر ليست هي شجرة الحديبية الّتي تمت عندها البيعة، لأنه لم يعد يعرف مكانها أحد، ومن كان يعرف مكانها لم يقدر على بيانها للناس.

مثل جابر، ولكنه قطع شجرة أخرى كان الناس يظنون أنها هي الشجرة التى وقعت تحتها البيعة، ويستدلون على ذلك بالحديث الذي رواه البخاري أن طارق بن عبد الرحمن قال " انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون، قلت ما هذا المسجد؟ قالوا هذه الشجره جيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد، حدثنى أبى أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحت الشجره، قال، فلما خرجنا فى العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها، فقال سعيد بن المسيب، إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، لم يعلموها وعلمتموها أنتم؟ فأنتم أعلم، وممن ذكر أن الشجرة التي قطعها عمر بن الخطاب، ليست شجرة الرضوان هو ابن تيمية فيقول في كتابه إقتضاء الصراط المستقيم " أمر عمر رضي الله عنه بقطع الشجرة الّتي توهموا أنها الشجرة الّتي بايع الصحابة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تحتها بيعة الرضوان.

ولما رأى الناس ينتابونها ويصلون عندها كأنها المسجد الحرام أو مسجد المدينة، وأما عن موقف قريش من خروج المسلمين، فقد علمت قريش في تلك اللحظات بأخبار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والمسلمين بشأن خروجهم إلى مكة، فأعدت العدة وعقدت جلسة جماعيةً تقضي بدفع المسلمين عن مكة، وعدم السماح لهم بدخولها، وأرسلت مبعوثيها إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كي يتراجع عن قراره في دخول مكة، إلا أن بعض شباب قريش قرروا التهيؤ لقتال المسلمين، وإشعال الحرب، فما كان منهم إلا أن تسللوا بغتةً إلى مكان تجمع المسلمين، وأثاروا دوامة الشرار، فتم صدهم وأسرهم، حتى جاءهم عفو النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بإطلاق سراحهم، لأنه كان ينوي خيرا بالتفاوض مع قريش، والوصول إلى حل يرضي الطرفين، وقد اختار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أحد صحابته، ليكون سفيرا إلى قريش.

وذلك للتفاوض معهم وإقناعهم في أمر دخول بيت الله الحرام أداء للعمرة، فاختار ابتداء عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلا أنه اعتذر لافتقاره إلى من ينصره من أهله في مكة، فاختار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، لمكانته رضي الله عنه، عند قريش وأهلها، وبعثه إليهم سفيرا يخبرهم بنوايا المسلمين في أداء نسك العمرة، والطواف بالبيت، وأمره أن يدخل إلى رجال مؤمنين ونساء مؤمنات في مكة، ويبلغهم بنصرة الله تعالى لدينه، ولنبيه، وللمسلمين، فدعا رضي الله عنه، قريش إلى الإسلام كما أوصاه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم رفضوا، وسمحوا لعثمان أن يطوف بالكعبة وحده، فأبى إلا أن يطوف إلا مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فاحتجزوه أسيرا عندهم، إِمعانا منهم في الرفض، والصد، والمجابهة، وطالت غيبة عثمان رضي الله عنه، حتى أُشيع خبر مقتله، وقد وصل النبأ إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

فدعا صحابته رضي الله عنهم، وثار الكلام بينهم حتى تمت البيعة على الجهاد في سبيل الله، إعلاء لكلمة الحق والدين، فأخذ الصحابة رضي الله عنهم، يبايعون النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم واحدا تلو الآخر على الموت في سبيل الله تعالى، وقد أثنى الله عز وجل عليهم في كتابه، ورضي عنهم، وكان بسبب الثناء والرضا الواردين في القرآن الكريم للصحابة الكرام، تمت تسمية تلك البيعة ببيعة الرضوان، وكانت شروط بيعة الرضوان، هو أنه بايع المسلمون رسولهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على عدم التولي عند نداء الموت للجهاد في سبيل الله تعالى، مهيّئين أنفسهم للنصر المبين، أو الشهادة لله رب العالمين، وقد بلغ عدد المبايعين تحت الشجرة ما يقارب ألفا وأربعمائة، وقِيل ألفا وخمسمائة مبايعٍ، وأما الشجرة التي تمت تحتها بيعة الرضوان فقد اندثرت وزال أثرها، وقد تجلى دور الصحابة الكرام رضي الله عنهم،

في مجريات بيعة الرضوان المباركة بصورة جلية، فبعدما أشيع مقتل عثمان رضي الله عنه، دعا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام، آخذا منهم البيعة على قتال الشرك وأهله، ومن مواقف الصحابة التي تجلت في البيعة أن الصحابي، معقل بن يسار، ويروي هذا الصحابي أنه كان ممن قام فيهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، داعيا إلى البيعة تحت ظل الشجرة، في جمعٍ غفير من الناس بايعوا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على عدم الفرار، وموقفه المبارك يومئذ يتمثل برفعه لغصن من أغصان الشجرة عن رأس رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأيضا الصحابي أبو سنان الأسدي، ويروى أنه كان أول من بايع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قائلا " ابسط يدك أبايعك" فبايعه على نفسه في سبيل الله تعالى، وسار الناس بعده يبايعون النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

على بيعة أبي سنان الأسدي، وأيضا الصحابي سلمة بن الأكوع، وهو يروى عن هذا الصحابي أنه كان واقفا عند الشجرة حيث الناس يبايعون النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، واحدا واحدا، فبايع أول الناس، وأوسطهم، وآخرهم، وقال له النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في الآخرة " يا سلمة ألا تبايع" فرد قائلا "يا رسول الله لقد بايعت في أول الناس وأوسطهم" حتى بايعه البيعة الثالثة، وقد بايع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، نفسه بيده اليمنى عن عثمان ضاربا بيده الأخرى، ذلك أن عثمان لو كان فيهم تحت الشجرة، لبايع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولما تردد في ذلك، فتغيبه عن البيعة كان بسبب إشاعة مقتله، ولم يكن رجل في بطن مكة وشعابها يستطيع القيام بتلك المهمة إلا عثمان بن عفان، وقد بايع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما علم بأمر البيعة مباشرة.

فانطلق ذاهبا إلى البيعة على فرس أعاده إليه ابنه عبدالله بن عمر، بعدما أخبره أن الناس يبايعون النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عند الشجرة، فكان ممن بايع رضي الله عنه، وكان مما أظهرته بيعة الرضوان هو اتحاد المسلمين يدا بيد، وذلك نصرة للحق والإيمان، ورفعا لراية توحيد الله، ودرءا لأذى قريش ونواياها، فأبانت جميل إخلاص المسلمين فيما بينهم وقت الشدة، فكانوا على قلب رجل واحد، لإنقاذ عثمان بن عفان، وتقديم أرواحهم حباً لله عز وجل، وتأدية لواجب محبتهم لنبيهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأينعت قلوبهم بالإخاء والمعاضدة والموت في سبيل الله، ومن المعلوم أن قريشا كانت تهاب المسلمين، وتخشى من اتحادهم على الحق والخير، فاهتمت كل فئة منهم بعمل معيَّن، وافترقوا إلى عدة آراء، وهي أن ذهب أهل الرأي فيهم إلى إبرام عقد الصلح مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

ومع المسلمين، وقد رأت الفئة الثانية إشعال نار الفتنة والحرب بين الفريقَين، فهبطوا على المسلمين ليلا على حين غرّة وغفلة من المسلمين من فوق جبل التنعيم، وكانوا بحدود ثمانين رجلا، إلا أن قوة المسلمين بقائد حرسهم الصحابي محمد بن سلمة رضي الله عنه، أوقعت بهم جميعا، وأخلى الرسول صلى الله عليه وسلم، سبيلهم، فنزل قول الله تعالى ( وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكه من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ) ويتمثل فضل أهل بيعة الرضوان بثلاثة أمور، بيانها وهو ثناء الله تعالى، عليهم بحصولهم على رضاه، ودخولهم الجنان، وعتقهم من النيران، ثوابا لموقفهم مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لما أخبر به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من أنه لا يدخل أحد من أهل البيعة النار، فقد بلغوا أعظم الرضا من ربهم، واستحقوا هذه المكانة العلية التي خلدها القرآن الكريم.

بمن فيهم نبيهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نالوا هم وأصحاب غزوة بدر تلك السكينة والمغفرة من الله سبحانه وتعالى، ولقد برزت عِبر ودُرر بيعة الرضوان بمنتهى التميز والإجلال، فالمسلمون الذين بايعوا الله سبحانه وتعالى، على الموت في سبيله، قد رسّخوا مفاهيم الإخلاص، وتعاليم الثبات بأصدق مما قد يتخيله المسلم، فكانت موازين عدل ونور للبشرية جمعاء، ومما برز من تلك العبر والدروس هو أنه قد بينت البيعة أعظم مقصود في حياة المؤمن بأن تكون حياته خالصةً لله تعالى، بجميع الأفعال والأقوال، وقد أظهر أصحاب البيعة أجل معاني البِر، والتضحية، والبذل في سبيل رضا الله عز وجل، وهذا المقصود هو أصل إيمان المؤمن، وتنبني عليه جميع المعادلات الربانية الخالصة لله سبحانه وتعالى، فحياته، ومماته، وعبادته لله رب العالمين، فهو حين يقوم لله بقلبه يكسب العزيمة والثبات في شتى مواقف حياته

فيسمو قلبه لله تعالى، معلنا تماما عن غايته العظمى، تحقيقاً لقول الله سبحانه تعالى ( قا إن صلاتى ونسكى ومحياي ومماتى لله رب العالمين ) وذلك هو ما فعله أهل البيعة رضي الله عنهم أجمعين، إذ قاموا بقلوبهم لله رب العالمين، متناسين الحياة بما فيها من ملذات وشهوات، ولذلك كتب الله لهم الفتح، لصدقهم، وسمى صلح الحديبية بالفتح المبين، فقال الله تعالى ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) فقد كان قرار المسلمين في البيعة أكيدا لا رجعةَ عنه، واختاروا الموت في سبيل الله، وعلى الرغم من أنهم لا سلاح معهم للقتال إلا سلاح السفر المتواضع، إلا أنهم أحبوا الموت على أن يتراجعوا، فأي قومٍ يمكن مجابهتهم، وهم الذين أرادوا الموت لا الحياة، فكان حرصهم على الموت كحرص عدوهم على الحياة، وهو إبرام قرار الموت مع أنفسهم، فقد اختار المسلمون الموت ولم يموتوا، فكانت لهم الحياة دون الموت، ووُهبت لهم الحياة من جديد، وبنصرة وتمكين عظيمين.



 

google-playkhamsatmostaqltradent