حق المرأة فى الإسلام
بقلم: د. عادل عامر
تختلف نظرة الإسلام إلى المرأة عن أى نظام سبقه ؛ حيث لم يعتبرها سبباً لوقوع ادم فى الخطيئة حتى تلعن كما فعل غيره ، ولكن إبليس قد وسوس لهما معاً . ولم يعتبرها جنساً أدنى من الرجال ، بل ردهما إلى أصل واحد ، ومزج بينهما مزجاً لا يستطيع احد فصله . فالمساواة قائمة بين الرجل والمرأة فى القيمة الإنسانية المشتركة ،
وفى القانون والتكليف وفى الحقوق العامة ، فلها حق التعليم وحق التملك والتصرف بما تملك دون حجر عليها من الرجال . قال تعالى فى سورة البقرة : (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً) الآية (229) . ولها حق اختيار الزوج ، ولها شخصيتها القانونية ، فالإسلام لا يسلبها حق انتسابها إلى أبيها حينما تتزوج وينسبها إلى زوجها، والقرآن الكريم يعبر عن المساواة القائمة بينهما . فى قوله تعالى فى سورة البقرة : (ولهن مثل الذين عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) الآية (228) .
ولقد منح الدستور القرآنى الحقوق للمرأة وحفظ لها مكانتها . قال تعالى فى سورة النساء : (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً) الآية (7) . وان من تكريم الإسلام للمرأة ورفع شانها فى المجتمع بما لم تبلغه أى حضارة فى عصرنا الحاضر ، إن جعل بر الأبناء للآباء وخاصة الأمهات ، فريضة دينية واجبة يثاب المرء عليها ، ويرفع بها إلى الدرجات العلا ، ويعتبر تركها من الكبائر التى لا تغفر ، ويهبط الإنسان بسبب التقصير فيها إلى الدرك الأسفل من النار .
وتوجد حقوق أخرى للمرأة فى الشريعة الإسلامية مثل حقها على أسرتها فى التربية وحقها فى اختيار الزوج وحقها فى حسن العشرة من الزوج ورعاية أبنائها والانفصال عن الزوج غير الكفء ، وفى ظل الشريعة على المرأة الوفاء بحقوق ، والإخلاص فى بناء الأسرة المسلمة على قواعد إيمانية راسخة ، ويعنى إشاعة العدل ، وإعطاء الزوج حقه من الطعام والاحترام ، فالزوج قائد لأسرته ، وفى تلك الخلية الحية تبنى كل أصول الفكر الإسلامى ، وأعطى الإسلام المرأة حق التصرف فى مالها ، فهى أهل للتملك المالى ، كما هى أهل للتكاليف الشرعية ، وهذا الحق ثابت بنصوص الكتاب والسنة ، ومن الحقوق المالية التى شرعها الإسلام للمرأة النفقة والمهر والميراث.
أ. المساواة بين الرجل والمرأة فى الثواب والعقاب :
إن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات مساواة نسبية ليست مطلقة ، وذلك مراعاة للفروق الخلقية وما ترتب عليها من وظائف ، هيأ الله كل من النوعين لأدائها ، وراعى توزيع الوظائف والمهام كل حسب خصائصه ومميزاته وتتجلى مساواة الشريعة فى هذا الثواب . ففى قوله تعالى فى سورة النحل : (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) الآية (97) . ومساواة الشريعة فى العقاب ، ففى قوله تعالى فى سورة المائدة: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبنا نكالاً من الله والله عزيز حكيم) الآية (38) .
وقد شرع الإسلام المساواة ما بين المرأة والرجل فى مباشرة المعاملات المختلفة كالبيع والشراء . إن تلك المساواة التى نادى بها الإسلام ، فقد سبقت تلك الدعوى كل دعاوى المساواة التى نادت بها البشرية . فقد جاء الإسلام ليقرر وحدة الجنس البشرى فى المنشأ والمصير ، وفى المحيى والممات ، وفى الحقوق والواجبات أمام القانون وأمام الله فى الدنيا والآخرة ، لا فضل إلا بالعمل الصالح ويهدم قواعد التفرقة الزائفة وليرد البشر إلى حقيقتهم الكبيرة وان يرجعهم إلى أصلهم الواحد من خلال القرآن الكريم، ففى سورة النساء : (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) الآية (1) .
فالبشر جميعاً جاءوا من نفس واحدة وزوجها ومنها بث الرجال والنساء ، فهم من أصل واحد وهم أخوة فى النسب وهم متساوون فى الأصل والمنشأ ، ولو أراد الله لخلق البشر من أنفس متعددة لا رحم بينهم ولا صلة ، وعليه فان اختلاف الأجناس ليس له علاقة بالتفاضل وإنما هو سبب ودعوة للالتقاء والتعارف . قال تعالى فى سورة الحجرات : (يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير) الآية (13) .
وهذه المساواة التى يردها الإسلام تقوم على نظرة إنسانية مبرأة من أى عصبية . وبذلك تخطى حواجز عالية فصلت طويلاً بين الأفراد وخلقت منهم مجموعات وطبقات أصبحوا على ضوء الإسلام فى وضع متساو بدون تفرقة من أى نوع .
دور المرأة المصرية فى الاستقرار السياسى والاقتصادى للدولة المصرية
إن تحسين وضع المرأة فى المجتمع وحصولها على جميع حقوقها ،يُعد أحد العوامل الأساسية التى من شأنها خلق مجتمع مستنير قائم على مبدأ الاحترام المتبادل للتعددية الثقافية والدينية .. مجتمع طارد للأيدولوجيات الظلامية الداعية للفكر المتطرف والعنف والإرهاب وكراهية الآخر وغيرها من الظواهر السلبية.
أن المرأة المصرية خرجت فى أكتوبر الماضى من كل محافظات مصر وفى احتفالات يوم السلام العالمى لتعلن فى بيانها “المرأة المصرية صانعة السلام “. “إن المرأة المصرية تساند بلادها ضد الإرهاب بعزيمة لا تلين وبإصرار لا تعرف فيه الخوف ولا ينال منه حزن على من ذهب من شهدائنا الأبرار، وأعلنت دعمها لجهود الدولة ورئيسها لبدء ثورة حقيقية ضد التطرف ، وتجديد الخطاب الدينى وإحلال السلام والاستقرار وتأكيد على أن الإرهاب لا ينتمى لدين أو جنسية أو حضارة بعينها .
ولا شك أن الخطط والسياسات التى تقوم مصر بتنفيذها على المستوى الوطنى للارتقاء بمكانة المرأة ودورها فى المجتمع على كافة الأصعدة ، لا تتم بمعزل عن محيطها الإقليمى العربى والمتوسط بل والدولى
وجاءت الاستراتيجية بخلق حوار مجتمعى واسع النطاق شارك فيها 750 من النخب المصرية ، 710 من المجتمع المدنى ، 152 ألف من الجمهور العام . وتشمل الاستراتيجية على أربعة محاور عمل متكاملة وهى التمكين السياسى وتعزيز الأدوار القيادية للمرأة ، والتمكين الاقتصادى والتمكين الاجتماعى والحماية فضلاً على العمل الجاد على تغيير ثقافة المجتمع نحو المرأة وتعزيز سبل حصولها على حقوقها القانونية
أنه «على مدى عام كامل تولدت طاقة مجتمعية ساهمت فى تحقيق ما تطمح إليه المرأة، فباتت لها مكانة مرموقة وامتلكت تأثيرا ونفوذا لا يمكن إنكاره اخترقت به أصعب المجالات التى استحوذ عليها الرجال وكانت حكرا عليهم، وسيظل التحدى الحقيقى الذى يواجه المرأة فى العام الجديد والأعوام المقبلة، هو الارتقاء بقدراتها فى ممارسة العمل والانتقال من عام المرأة إلى مرحلة التأثير الفاعل من خلال التعبير الحر الواعى عن قضايا الوطن».
أنه: «إيمانا من الدولة المصرية بأن الاستقرار والتقدم لن يتحققا إلا من خلال ضمان مشاركة فاعلة للمرأة فى جميع أوجه العمل الوطني، سعى المجلس القومى للمرأة لخلق حوار مجتمعى واسع النطاق من أجل تطوير الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية، تتوافق حولها كافة القوى الوطنية والأجهزة المعنية فى الدولة، فى ظل إدارة سياسة حاسمة فى دعمها للمرأة المصرية، وعازمة على المضى قدما بجدية فى تفعيل كل ما من شانه تمكينها وتأهيلها للعب دورها باستحقاق فى تنمية وإعلاء شأن الوطن».
«ترجمت الاستراتيجية على أرض الواقع دستورا توافق عليه المصريون، وحرص فى مواده على ترسيخ المساواة فى الحقوق والتكافؤ فى الفرص كأساس لبناء المجتمع، وعلى إلزام الدولة المصرية بالقضاء على كافة أشكال التمييز، وكفالة الحقوق الأساسية والحماية والرعاية للمرأة فى كافة ربوع الوطن، وشملت 4 محاور عمل متكاملة، هى التمكين السياسى وتعزيز الأدوار القيادية للمرأة، والتمكين الاقتصادي، والتمكين الاجتماعي، والحماية، فضلا عن العمل الجاد على تغيير ثقافة المجتمع تجاه المرأة، وتعزيز سبل حصولها على حقوقها القانونية، محددة مجموعة من التدخلات المفصلية التى من شأنها، إذا تضافرت الجهود من أجل نجاحها، أن تحدث النقلة النوعية المطلوبة لتحقيق الانطلاقة الكبرى التى يصبو إليها كل مصرى ومصرية».
«انطلاقا من مبدأ إرساء ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة وسد الفجوة النوعية بينهما، استمرت وحدات تكافؤ الفرص بالوزارات فى تفعيل وظيفتها الأساسية فى التأكيد على مبدأ المساواة الدستورية فى مجال العمل والتصدى لأى ممارسات تمييزية تتعرض لها بين الجنسين، وعلى ضوء الشكاوى الواردة لمكتب شكاوى المرأة وفروعه بالمحافظات يقوم المكتب برصد مشاكل واحتياجات المرأة وإلقاء الضوء على العقبات التى تواجهها وإعداد قاعدة بيانات معلوماتية عن أنواع الشكاوى وتصنيفها وتحديد مدى تكرارها».
«تأمل المرأة خلال هذه السنوات الفارقة فى بناء مستقبل الوطن أن تحظى الاستراتيجية الوطنية لتمكينها بدعم كامل فى كل طوائف المجتمع، ومن جميع قطاعات الدولة للتحقق مقصدها لنساء مصر فى كل ربوع الوطن لكى يعم الخير على الجميع ولا يتخلف أحد عن ركب التنمية، والواجب الوطنى والمسؤولية أمام التاريخ تحتم على الجميع مسارعة الخطى فـى تمكين المرأة، والحفاظ على حقوقها ووضعها فى المكانة التى تليق بقیمتھا وقدراتها وتضحياتها على مدار التاريخ،
التزاما بالدستور المصرى الذى يعبر عن إرادة الشعب، والذى رسخ قيم العدالة والمساواة، إعمالا لما جاء به من مبادئ، وما كفله للمرأة من حقوق».
إن الدولة المصرية ايضا تولى اهتماماً كبيراً للشباب وخاصة الفتيات ، وجاءت مبادرة السيد رئيس الجمهورية بعقد مؤتمر دورى للشباب وإطلاق برنامج لتأهيلهم للمناصب القيادية ثم الانتقال بتلك المبادرة إلى المستوى العالمى من خلال المنتدى العالمى للشباب الذى عقد مؤخراً فى شرم الشيخ والذى تقرر انعقاده بشكل سنوى ، وإشراك الشباب من كل دول العالم ،لينقل رسالة إلى العالم تؤكد مدى إيمان القيادة السياسية بقدرات وطاقات الشباب من كل أنحاء العالم .
ولا شك أن مثل هذا المحفل يولى اهتماما خاصا بمنطقة المتوسط باعتبارها احدى الركائز الأساسية للأولويات المصرية على الصعيد الخارجي. أن المرأة المصرية شقت طريقها بتمكن واقتدار مزودة بالمشاعر الفطرية لقيم الوطنية والأخلاق وحققت نتيجة مكتسبات ونجاحات ،توجت بالدعم الفعال والمؤثر لثورتى شعبها فى يناير 2011 ويونيو 2013 ، وتبنيها لطموحات فى بناء المستقبل المشرق . فقد تضمن الدستور الجديد 2014 عدة مواد منها مواد 11 ، 53 ،
والتى نصت على المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق والعمل على ضمان التمثيل المناسب لها فى المجالس النيابية وكفالة حقها فى تولى وظائف الإدارة العليا للدولة والتعيين بالجهات القضائية والتزام الدولة بحماية المرأة من كل أشكال العنف والقضاء على كل صور التمييز. كما حددت المادة 180 للمرأة نسبة الربع من المقاعد المجالس المحلية للمرأة وقد تحقق للمرأة المصرية مكتسبات عديدة وهامة على صعيد تمكينها من الوصول إلى مواقع صنع القرار و تمثلت أولويات الدولة للمرأة المصرية فى مشروعات متناهية الصغر ودعم أسر المرأة المعيلة والأسر الفقيرة، فقد بلغ عدد السيدات المستفيدات من التمويل المتناهى الصغر فى الربع الأول لعام المرأة 2017 1,33 مليون سيدة بأرصدة تمويل قدرها 2.55 مليار جنيه كما تتيح الدولة خدمات الطفولة المبكرة بما يسمح للأم المصرية بالخروج للعمل
نعم.. إن المرأة هى من تصنع المجتمع والحياة، فلذلك يجب أن تمكن من أداء دورها الاجتماعى والسياسى وبصورة صحيحة وبما يحقق الهدف الصحيح وهو إيجاد أسرة مترابطة مستقرة وإيجاد أبناء لهم بناء فكرى وروحى ونفسى وبدنى سليم ومجتمع آمن ودولة تسير باتجاه صحيح، فالمرأة إذا ما مكنت من أداء دورها الطبيعى ستساهم بقدر كبير فى صناعة وصياغة الإنسان صياغة تجعله أهلاً لأداء الأمانة التى حملها ودور الاستخلاص فى الأرض، بل فى صناعة وصياغة الحياة،
ولا يجب أن تنهك وتشتت جهودها وتهمش وتستغفل وتستغل. تعيش المرأة فى الوقت الحاضر وهى محرومة من أداء دورها الأساسى الفعال فى المجتمع، فلابد من إعادة ترتيب شبكة العلاقات الاجتماعية السياسية الإسلامية ترتيباً صحيحاً يحفظ للمرأة خصوصيتها ويضع كل جنس فى مكانه المناسب والصحيح، ومثلما يجب أن يوضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، كذلك يجب أن توضع المرأة المناسبة فى المكان المناسب،
وهكذا سيصلح المجتمع وستعدل الموازين المقلوبة وأولها ميزان العقل الذى اختل بسبب ذهاب الدين مروراً بالموازين الأخرى وانتهاءَّ بميزان القوة العالمى ليكون من صالح المسلمين والمستضعفين والإنسانية بشكل عام .