recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن غزوة بنى المصطلق (الجزء الثالث)

 ماذا تعرف عن غزوة بنى المصطلق (الجزء الثالث)



إعداد - محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الثالث مع غزوة بنى المصطلق وقد توقفنا مع السيدة جويريه بنت الحارث، وكانت رضي الله عنها تروي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناقلة لحقائق الدين من خزائنها عند من تنزلت عليه صلى الله عليه وسلم، ويرويه عنها سدنة العلم من علماء الصحابة رضي الله عنهم، لينشروه في المجتمع المسلم، وهكذا غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع تعد من الغزوات المهمة في حياة المسلمين في عهدهم الأول، لأنها كانت مرتعا خصبا للمنافقين، حيث اتخذوا فيها صنوفا من الكيد للإسلام والمسلمين، ولنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، فقد حاولوا تمزيق وحدة المسلمين بإيجاد الشقاق بين المهاجرين والأنصار، وإعادة النعرة الجاهلية، كما وقعت فيها حادثة الإفك، وغزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع وإن لم تكن كبيرة من الناحية العسكرية، إلا أنها اشتملت على أحداث جسام، وافتضح فيها المنافقون.


وتسمى هذه الغزوة بغزوة المريسيع وهو ماء لبني خزاعة، أو غزوة بني المصطلق وهم من بطن خزاعة، وقد ساهموا مع قوات قريش في غزوة أحد، وكان سببها أنه لما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن أبي ضرار وهو رأس وسيِد بني المصطلق، سار في قومه، وبعض من حالفه من العرب، يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ابتاعوا خيلا وسلاحا، واستعدوا للهجوم على المدينة، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الأسلمي، ليستطلع له خبر القوم، فرجع بريدة وأكد للنبي صلى الله عليه وسلم صحة هذه الأخبار، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم، في الخروج إليهم في سبعمائة مقاتل وثلاثين فرسا، وحيث إنهم كانوا ممن بلغتهم دعوة الإسلام، وكانوا قد شاركوا في غزوة أحد ضمن جيش المشركين، وقد أغار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم غارون أى وهم غافلون، فعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما.


قال "أغار النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث" رواه البخاري، وفي هذه الغزوة كشف المنافقون عن مدى حقدهم على الإسلام وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ازدادوا غيظا بالنصر الذي تحقق للمسلمين، وسعوا إلى إثارة العصبية بين المهاجرين والأنصار، فلما فشلت محاولتهم، سعى عبد الله بن أبي بن سلول، وهو رأس المنافقين، إلى عرقلة جهود الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الدعوة، ومنع الأموال من أن تدفع لذلك، وتوعد بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة عند العودة إليها، وقال " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" وحين علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، استدعاه هو وأصحابه من المنافقين، فأنكروا ذلك، وحلفوا بأنهم لم يقولوا شيئا، فأنزل الله سورة المنافقين. 


وفيها تكذيب لهم ولأيمانهم الكاذبة، وتأكيد وتصديق لما نقله عنهم الصحابي زيد بن أرقم، وذلك في قول الله تعالى فى سورة المنافقون ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون، يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز الأزل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) ولقد استأذن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول في قتل أبيه، لما قاله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمره بحسن صحبته، ومن خلال أحداث هذه الغزوة، يمكن استخلاص العديد من الدلالات والدروس المهمة، وهي كثيرة، ومنها فضل السيدة جويرية بنت الحارث والتى كانت من بين الأسرى الذين أسرهم المسلمون وهى بنت الحارث بن ضرار سيِد قومه، وكانت بركة على قومها، فلقد أعتق تزويجه صلى الله عليه وسلم. 


إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، وكانت السيدة جويرية رضي الله عنها مع عبادتها وصلاحها، تروي من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد حدَّث عنها عبد الله بن عباس، وكريب ومجاهد ويحيى بن مالك الأزدي، وبلغت أحاديثها سبعة، وقد أضافت بها إلى شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وأمومتها للمسلمين، وتبليغها للأمة ما تيسر لها من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم، فبعد انتهاء الغزوة كما يقول جابر بن عبد الله "ضرب رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري، يا للأنصار، وقال المهاجري، يا للمهاجرين، فاستثمر المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول هذا الموقف، وحرضوا الأنصار على المهاجرين، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم "ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا يا رسول الله، ضرب رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار.


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعوها فإنها منتنة " رواه البخارى، فمع أن اسم المهاجرين والأنصار من الأسماء الشريفة التي تدل على شرف أصحابها، وقد سماهم الله بها على سبيل المدح لهم، فقال تعالى فى كتابة الكريم فى سورة التوبة ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه ) إلا أن هذه الأسماء لما استعملت الاستعمال الخاطئ لتفريق المسلمين وإحياء للعصبية الجاهلية، أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكارا شديدا، وقال قولته الشديدة " دعوها فإنها منتنة " وذلك حفاظا على وحدة الصف للمسلمين، فالإسلام ينبذ العصبية بجميع ألوانها، سواء كانت عصبية تقوم على القبلية، أو الجنس، أو اللون أو غير ذلل، وكذلك أظهرت هذه الغزوة عزة الإيمان وذل النفاق وقد ظهر ذلك في موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، لما سمع بما قاله أبوه " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" 


فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم "بلغني أنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمُرني به، وإني لأخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي على الأرض فأقتله، فأقتل رجلا مؤمنا بكافر فأدخل النار" فنهاه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقال له " بر أباك، وأحسن صحبته "رواه ابن حبان، فلما وصل المسلمون مشارف المدينة، تصدى عبد الله لأبيه، وقال له قف، والله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظهر بذلك مَنِ العزيز ومَنِ الذليل، ولقد ضرب عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول رضي الله عنه، بهذا الموقف مثالا عمليا للإيمان في أوثق عُراه، وهو الولاء والبراء، وأيضا ظهرت حكمة وصبر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قابل النبي صلى الله عليه وسلم ما فعله عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، بمثال رفيع في الحكمة والصبر.



google-playkhamsatmostaqltradent