recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن غزوة الطائف " الجزء الثامن

ماذا تعرف عن غزوة الطائف " الجزء الثامن "

إعداد ... محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع غزوة الطائف وقد توقفنا عندما قام النبى الكريم صلى الله عليه وسلم بتقسم الغنائم، والأصل أن الغنيمة يؤخذ منها الخمس يتصرف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وفقا للتوجيه القرآني، وأما الأربعة الأخماس الأخرى فهي حصة المقاتلين الذين شهدوا القتال، حيث توزع بينهم بالتساوي للرجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه، وهذا في غنيمة الأموال المنقولة، وأما الأموال غير المنقولة فالإمام مخير فيها بين قسمتها أو وقفها واعتبارها ملكا عاما للدولة، والأموال التي يحوزها المسلمون في القتال هي الغنيمة التي تقسم كما ذكرت، وأما الأموال التي يحوزونها دون قتال فتسمى بالفيء ويصرف في المصالح العامة وفقا لاجتهاد الحاكم، وقد يعطي الحاكم النفل لبعض المقاتلين المبرزين من الغنيمة قبل إخراج الخمس منها أو بعده، كما يجوز أن يعطيهم من الخمس، وكذلك يأذن لهم بأخذ سلب من قتلوه من المشركين.

وهكذا قال أنس بن مالك رضى الله عنه، إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها، وقد وضح بعض المؤلفة قلوبهم عن أثر ذلك فقال صفوان بن أمية، لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي، فما ربح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي، ولقد كان صفوان بن أمية من المؤلفة قلوبهم، وكان يحب أن يناله من أعطيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تأثر بعض المسلمين في بداية الأمر لعدم شمولهم بالأعطيات فكان لابد من بيان الحكمة لهم في ذلك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم موضحا " والله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إليّ من الذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير" وقال صلى الله عليه وسلم " إني لأعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتألفهم " 

وقال " إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار " وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأنصار وجدوا في أنفسهم لعدم أخذهم شيئا من الأعطيات، وأن بعض أحداثهم قالوا إذا كانت الشدة فنحن ندعي، وتعطى الغنائم غيرنا، وقالوا يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فجمعهم في قبة من أدم وقال صلى الله عليه وسلم " إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم، لو سلك الناس واديا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار" فلما وضحت لهم الحكمة من التوزيع، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلهم إلى إيمانهم، فهم مثال للتضحية والتجرد في سبيل العقيدة، يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع، ولم تكن الدنيا همهم ولا المال مقصدهم، فلما عرفوا سبب منع الأعطيات عنهم أعلنوا رضاهم بذلك.

ما دام فيه إعزاز الإسلام ومصلحة العقيدة التي يفتدونها بكل عزيز وغال من نفس ومال، وكيف لا يرضون وقد أدركوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، القائد قدمهم على سواهم، واعتمد على إخلاصهم للعقيدة ووكلهم إلى إيمانهم فكانوا عند حسن ظنه بهم، فقد بكوا بعد سماع كلامه وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا، وقد أظهر بعض الأعراب المشتركين في غزوة حنين جفاء وغلظة عند قسمة الغنائم بالجعرانة، فقال أحدهم مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم " اعدل، فقال صلى الله عليه وسلم " شقيت إن لم أعدل" وقد غضب عمر بن الخطاب من كلام الأعرابي فطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يأذن له بقتله، فأبى عليه وقال صلى الله عليه وسلم "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي" وقد خرج معظم الأعراب طلبا للغنائم، وقد ازدحموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم غنائم حنين حتى علق رداؤه بغصن شجرة. 

فقال صلى الله عليه وسلم "أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاة أى يقصد شجر الشوك وكان يملأ المكان، نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا" ثم أخذ وبرة من سنام بعير وقال "والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم " ثم ذكر لهم تحريم أخذ شيء من الغنائم قبل قسمتها فجاء رجل أنصاري بخيوط شعر مكببة كان قد أخذها من الغنائم فألقاها، ولما مات كركرة مولى الرسول صلى الله عليه وسلم قال "هو في النار" ففتشوا في متاعه فوجدوا عباءة قد غلها، وهكذا كانت تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة لحماية الأموال العامة، وموقف الأنصاري يدل على الورع والالتزام بأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى في المال اليسير الذي لا قيمة له مثل خيوط الشعر التي أعادها، وقد ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الكثير من الصبر على جفاء الأعراب وطمعهم في الأموال وحرصهم على المكاسب. 

فكان مثالا للمربي الذي يدرك أحوالهم وما جبلتهم عليه بيئتهم وطبيعة حياتهم من القساوة والفظاظة والروح الفردية، فكان يبين لهم خلقه ويطمئنهم على مصالحهم ويعاملهم على قدر عقولهم، فكان بهم رحيما، ولهم مربيا ومصلحا، فلم يسلك معهم مسلك ملوك عصره مع رعاياهم الذين كانوا ينحنون أمامهم أو يسجدون وكانوا دونهم محجوبين، وإذا خاطبوهم التزموا بعبارات التعظيم والإجلال كما يفعل العبد مع ربه، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان كأحدهم يخاطبونه ويعاتبونه، ولا يحتجب عنهم قط، وكان الصحابة، رضوان الله عليهم، يراعون التأدب بحضرته ويخاطبونه بصوت خفيض، ويكنون له في أنفسهم المحبة العظيمة، وأما جفاة الأعراب فقد عنفهم القرآن الكريم على سوء أدبهم وجفائهم وارتفاع أصواتهم وجرأتهم في طبيعة مخاطبتهم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبعد قسمة الغنائم، قدم وفد من هوازن يعلن إسلامها.

ويطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم رد الأموال والسبي عليهم، فخيّرهم بين السبي والمال، فاختاروا السبي، فخطب رسول صلى الله عليه وسلم، في المؤمنين فقال " إن إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين، وإني أردت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكون على حظه نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل" فقال الناس طيبنا يا رسول الله لهم، فقال لهم "إنا لا ندري من أذن منكم فيه ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم" فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم طيبوا وأذنوا، ويلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعود السبي إلى هوازن عن طيب نفس المقاتلين، لأن الغنيمة من حقهم، فلا بد أن يتنازلوا عنها برضاهم ووعد من لا يرضى بتعويضه عن السبي، وتأكد من ذلك عن طريق العرفاء المسئولين عن الجند.
google-playkhamsatmostaqltradent