كتب-طارق عتريس أبوحطب
القطار
استقل القطار على عجل، ليجد نفسه وسط كومة من البشر،حتى أنه لم يستطيع أن يلملم بقايا قميصه التي تاهت مع جسده وسط الزحام ،داخل عربة القطار تلاحمت الأجساد ، بشر في كل مكان فوق حاملات الحقائب،وفوق سقف العربة، وكأن تجمعهم بهذه الصورة يشعرك بأنهم مساقون لأمرعظيم.
إن هذا المجتمع بكل أطيافه وأماله وآلامه ورغبته في الرحيل جعله يتذكر أن أمرا هاما قد نسيه في جيب الجاكيت الأسود الذي كان يلبسه بالأمس،فاختل توازنه وصار يحرك جسده وكأنه يسبح في بحر لجي، راودته فكرة النزول من القطار، لكن أنى له ذلك وقد غادر إلى محطة أخرى..
بدأ يرتجف مع سرعة القطار وحركته المضربة صعودا وهبوطا، وصار لون قميصه الأبيض متلونا بلون بضاعة الباعة الجائلين الذين زاحموا ببضاعتهم الركاب ، وأقلقوا الناس بأصواتهم، وعرقوا السير بحركاتهم القوية السريعة التي تنم عن قدرة فائقة في تخطي الرقاب والمرور ولو على أكتاف العباد.
وهو -بالكاد - يُخرج نفسا عميقا، وفكره في الشيء الذي نسيه لايبارحه، حتى أنه فكر في النزول من القطار،عله يجد متنفسا له،لكن فكرة النزول باتت هي الأخرى حلما يراوده، وفجأة استبشر بتهدئة القطار للوقوف بالمحطة التي فيها حاجته، باءت همته بالفشل ، فالقادم أكثر من المغادر، لقد تحرك القطار مرة أخرى، وهو مازال في مكانه،يده ملتصقة بكتف رجل أمامه، وقدماه قدتخدرت، وكأنها أرجل كرسي خشبي.
تقدم نحوه بخطوات بطئية ثابتة رجل طويل القامة،يرتدي (بالطو) أزرق وفي رقبته حقيبة سوداء، وفي يده ماكينة الكترونية ، وقد ظهرت عيونه خلف نظارته السميكة، يخرج منها نظرات ترقب ، اقترب منه ، وقد اشتبك (البالطو) بأحد أعمدة كراسي العربة، فساعده أحدهم لتخليصه ، طلب منه أن يرى تذكرته!
لقد بحث في جيوب قميصه وبنطلونه ، لم يعثر على محفظته، ظن أن لصا قد نشله ،لكنه تذكر أن محفظته قد نسيها في جيب الجاكيت الأسود،فأوجس في نفسه خيفة من الكمسري،الذي شغله البحث عن راكب أخر متجاهلا أمره، خفف القطار من سرعته مرة أخرى ،استل جسمه النحيف من بين جثث البشر المتلاحمة،نجح في الخروج ،ليجد نفسه في مكان بعيد، فانصرف مذهولا وهو يضرب كفا بكف،لايدري ماذا يفعل؟!..