ليلة القدر
بقلم - إيهاب العطار
ليلة القدر ليلة عظيمة كافأ الله- سبحانه وتعالى- بها أمتنا الإسلامية .
ولمكانة هذه الليلة في الضمير الجمعي للأمة أردت أن تكون لي سهمة في الحديث عنها ؛ لأوضح للقارئ الكريم سر تسميتها بهذا الاسم ، وأبيّن له فضلها ومنزلتها ، وأكشف له علاماتها ، وأميط اللثام له عن تعيين وقتها ، وأخيرًا لأذكر له ما يقال فيها .
★ أولًا : سر تسمية هذه الليلة المباركة بليلة القدر:
هناك عدة أقوال في سر تسميتها بهذا الاسم
١- فقيل: سميت بذلك للتعظيم، كقوله تعالى: «وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓ » [الأنعام:٩١]، والمعنى: أنها ذات قدر؛ لنزول القرآن الكريم فيها، ولما يقع فيها من تنزل الملائكة ، والبركة والرحمة والمغفرة، أو أن الذي يحييها يصير ذا منزلة وقدر.
٢- وقيل:القدر بمعنى التضييق، كقوله تعالى: « وَمَنْ قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ» [الطلاق:٧]، ومعنى التضييق فيها: إخفاؤها عن العلم بتعيينها، أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة.
٣- وقيل: القدر بمعنى القَدَر، والمعنى: أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة؛ لقوله تعالى: « فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ » [الدخان:٤]، ينظر :فتح الباري (٤/٢٥٥)
★ثانيًا: فضل ليلة القدر ومكانتها :
لليلة القدر فضل عظيم ، ومكانة كبيرة ، والأدلة على ذلك :
١- أن القرآن الكريم أُنزل فيها :
قال تعالى : « إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ »[القدْر:١].
٢- وأنها خير من ألف شهر:
قال تعالى:«لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ»
[القدْر:٣].
أي: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة قدر.
٣- وأن الملائكة والروح تتنزل فيها:
قال تعالى: « تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ » [القدْر:٤]، والمقصود بالروح: جبريل عليه السلام.
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ السَّابِعَةِ أَوِ التَّاسِعَةِ وَالعِشْرِينَ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَكْثَرُ فِي الأَرْضِ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى » .
٤- وأنها سلام :
قال تعالى: «سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ »
[القدْر:٥]، أي: هي خير كلها، ليس فيها شرّ من أوّلها إلى طلوع الفجر.
٥- وأنها ليلة مباركة:
قال تعالى : « إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ » [الدخان:٣]، قال ابن عباس: « يعني: ليلة القدر ».
٦- وأن مقادير السنة تُقدّر فيها :
قال تعالى: « فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ »
[الدخان:٤].
٧- وأن من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه:
قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ قَام لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا واحْتِسَابًا غُفرَ لَهُ مَا تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِهِ » .
★ ثالثًا: علاماتها :
ذكر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - علامات لليلة القدر فقال : «ليلة القدر ليلة سمحة طلقة لاباردة ولا حارة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء».
★رابعًا: تعيين وقتها :
ورد في تعيين ليلة القدر وتحديدها روايات عديدة منها:
١-قوله -صلى الله عليه وسلم-:« التمسوها في العشر الأواخر »
٢- وقوله -صلى الله عليه وسلم -للصحابة الذين رأوها في منامهم:« أُرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر».
٣- وقوله -صلى الله عليه وسلم- :« التمسوها في العشر البواقي في الوتر منها ».
٤-وقوله -صلى الله عليه وسلم-:« التمسوها في السبع والتسع والخمس».
٥-ومذهب السادة الشافعية أن أرجى ليلة هي ليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين من شهر رمضان .
٦- وقوله- صلى الله عليه وسلم - :« أنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» ، أي أن القرآن نزل في ليلة الخامس والعشرين من رمضان ، ورمضان نزل في ليلة القدر كما هو معلوم .
٧- وقوله-صلى الله عليه وسلم- عن ليلة القدر :« ليلة سبع وعشرين » ، وهي أرجى ليلة عند جمهور العلماء .
من خلال الروايات السابقة يتضح لنا أن ليلة القدر قد تكون ليلة الحادي والعشرين أو الثالث والعشرين أو الخامس والعشرين أو السابع والعشرين أو التاسع والعشرين ؛ حيث إنها تتنقل بين ليالي الوتر ولا تثبت على ليلة معينة من هذه الليالي
★خامسًا: الذكر الذي يقال فيها :
الذكر الثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذه الليلة المباركة قوله :« اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني »
والله أعلم بالصواب .