recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

رحلة الحج "الجزء الأول"

الصفحة الرئيسية

 

رحلة الحج "الجزء الأول"











بقلم : محمـــد الدكـــرورى












إن الحج يشكل مؤتمرا حضاريا تجتمع له الملايين، فالحضارة إنما تتحقق باتصال الشعوب بعضها ببعض، فتقتبس من بعضها الرقي والنمو في المعرفة والسلوك والعلم والصناعة والتجارة وغيرها، وذاك ما يحدث أثناء تأدية فريضة الحج، فما هو المردود النفسي والاجتماعي والأثر الذي يحدثه هذا النسك العظيم على نفوسنا وسلوكنا وحياتنا؟ وهو إن الالتقاء الذي يحدث بين المسلمين على اختلاف مشاربهم وأجناسهم ولغاتهم أثناء تأدية شعيرة الحج كفيل بمعالجة مشاكل المسلمين وتدارس قضاياهم العظيمة من قبيل السلم الاجتماعي، وإرساء دعائم الأخوة الإيمانية، وتكريس مبدأ السلم العالمي، والتعاون الدولي، وحفظ الحقوق، وتنمية الروح الجماعية، وصفاء القلوب.
















وإبعاد كيد النفس الأمارة بين الناس، وكيد الشيطان في العلاقات داخل الأسر وفي المجتمعات، ومن تأمل الحج ومشاعره التي جعلها الله تعالى محلا لمناسكه وتعظيم شعائره، بان له أن رحلة الحج رحلة مصغرة لحياة الإنسان في الدنيا، وأن الإنسان في الحياة الدنيا يسير كما يسير الحاج منذ أن يتلبس بنسكه إلى أن ينتهي منه، وقد حذر الله عز وجل بني آدم من الدنيا، وبيّن أنها متاع الغرور، فقال تعالى "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" وهو متاع قليل زائل، فكذلك الحج يكون في أيام معدودة ثم تنتهي فقال تعالى "واذكروا الله فى أيام معدودات" لكن كثيرا من الناس ينسون ويغفلون ولا يشعرون بسرعة انتهاء الدنيا فأملهم فيها طويل، وإن للحج أيام.
















وفي أيامه أعمال، ففي أوله الإحرام، ثم الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ثم الانتقال في اليوم الثامن إلى مِنى، والمبيت بها ليلة التاسع، والمسير إلى عرفة في صُبحها، والوقوف بها إلى مغيب الشمس، ثم المبيت بمزدلفة ليلة النحر، والرمي والحلق والنحر، والتحلل والطواف بالبيت يوم العيد، ثم العودة إلى مِنى للمبيت بها ورمي الجمار، إلى أن يودع البيت بالطواف في آخر حجه، وكل هذه التنقلات الزمانية والمكانية في الحج تذكر المؤمن بانتقاله من زمن إلى زمن في مرضاة الله - تعالى - ومن طاعة إلى طاعة، فمن صابَر على الطاعات ومُجانبة المحرَّمات، فهو مرابط على عهده لله تعالى مُحقق لقوله سبحانه وتعالى "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".
















والحاج يعمل في منسكه عملا كثيرا، ويتحمل مشقة كبيرة، ومع ذلك يتم المناسك المأمور بها، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن على الدوام في إتمام الطاعات، ولا تقارن مشقة أعمال الحج، وهو سفر وترحال، وزحام وكثرة تنقل، لا تقارن بالعبادات الأخرى التي يقوم بها المؤمن حال إقامته، فكيف يقدر كثير من الناس على مناسك الحج، ولا يقدرون على الالتزام بالطاعة على الدوام وهي أهون من الحج؟ وكيف يحبسون أنفسهم عن محظورات الإحرام حال تلبُّسهم به وفي حبسهم لها من الرهق ما فيه، ولا يقدرون على ما هو أيسر من ذلك وهو مجانبة سائر المحرمات التي جعل الله تعالى في المباحات ما يغني عنها؟ فلقد جعل الله تعالى الكعبة قبلة للمسلمين، واختار الله لها البلد الأمين.
















وشرفه بأن أقسم به في كتابه، فقال تعالى "وهذا البلد الأمين" وقال "لا أقسم بهذا البلد" وجعله حرما آمنا لا يسفك فيه دم، ولا يروع فيه مسلم، ولا ينفر له صيد، ولا تلتقط لقطته إلا للتعريف، وجعل الحج المبرور ماحيا للذنوب والخطايا، موجبا لدخول الجنة بسلام، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف في غيره" وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
رحلة الحج "الجزء الأول"
google-playkhamsatmostaqltradent