recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

صلة الرحم بين الوحي الرباني والمنظور الإنساني




 صلة الرحم بين الوحي الرباني والمنظور الإنساني

بقلم د/ إيهاب العطار 

 إن صلة الرحم قربى عظيمة ، ومعراج جليل  يتوصل المرء من خلاله إلى خيري الدنيا والآخرة ؛ لذا نجد الوحي الشريف يمتدح صلة الرحم ويرفع قدرها ، ويعلي من شأنها .

فها هو القرآن الكريم يثني على واصلي الرحم ؛ فيقول :« والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل » (الرعد : ٢١)

وكذلك السنة المطهرة تجعل صلة الرحم من دلائل الإيمان بالله سبحانه وتعالى واليوم الآخر ؛ فتقول :« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه » 

وتجعل - كذلك- صلة الرحم سبيلًا ينتهي بالإنسان إلى ولوج الجنة ؛ فتقول  :« أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام » 

وتجعل - أيضًا- الصلة سببًا في سعة الرزق وحسن الذكر ؛ فتقول : « من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه»

وتجعل - أيضًا- أجر التصدق على ذي الرحم أجرين ؛ فتقول : « إن الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة » .

إن المتأمل في الجنى الداني والثمر الطيب الناضج  الذي يجني خيراته واصل الرحم ليفرض على المرء فرضًا التمسك بأهداب الصلة مهما كانت العوائق .

 ولكن هناك منظور إنساني هابط ينظر إلى صلة الرحم نظرة المنفعة المتبادلة؛  فيرفع هذا المنظور السطحي الذميم شعارات رخيصة رخص التراب من مثل « أصل من يصلني وأقطع من يقطعني » !

ومثل :« أنا لا أقطع الرحم ولكن أغلق بابًا للشر »!

وهي - كما هو واضح- شعارات باهتة تريد اللف والدوران على فضيلة كبرى امتدحها القرآن الكريم وكذا السنة النبوية المطهرة .

لذلك نجد الوحي الرباني يضرب هذه الشعارات الخبيثة ضربات قاضية ماحقة متلاحقة.

فمن هذه الضربات النفي القاطع لشعار «أصل من يصلني ...» في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:« ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها »

ومن هذه الضربات -كذلك - الدعاء على قاطع الرحم في قول الرسول صلى الله عليه وسلم «الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله » 

ومن هذه الضربات- أيضًا-  ضربتان مزدوجتان في الدنيا والآخرة لقاطع الرحم في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:« ما من ذنب أجدر أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره في الآخرة من : البغي ، وقطيعة الرحم »

ولعل أشد هذه الضربات وقعًا عل النفس أن قطع الرحم يستجلب لعن الله سبحانه وتعالى  يظهر ذلك جليًّا في قوله :«فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله...»( محمد : ٢٢) . 

ربما بعد كل ما سبق يقول قائل :إنني أعامل رحمي أحسن معاملة وهم يعاملونني- مع ذلك- أسوأ معاملة ..فعلام الاستمرار في صلة تجلب لي الشر والأذي ؟!!

فنقول لهذا القائل حادثة طريفة ذكرها لنا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه ؛ فيقول لنا: إن رجلًا قال : يا رسول الله، إن لي قرابةً أصلهم ويقطعونني ، وأُحسن إليهم ويسيئون إليّ ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ.

(لم يقل له الرسول صلى الله عليه وسلم اترك صلتهم ولم يقل له أغلق هذا الباب الذي يجر إليك المشكلات)  وإنما قال له :

« لئن كنتَ كما قلت فكأنما تسفهم المَلّ ، ولا يزال معك من الله تعالى ظهير عليهم ما دمت على ذلك » 

والمل هو الرماد الحار ، والمقصود أنك تؤلمهم بما تقوم به من صلة .

فهل تريد بعد هذا البيان الناصع أن تقطع رحمك ، وأن تصل من يصلك ، وتقطع من قطعك  ؟!

صلة الرحم بين الوحي الرباني والمنظور الإنساني

google-playkhamsatmostaqltradent