recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

من كتاب الحياة بقلم: هبة المنزلاوي

 من كتاب الحياة


بقلم: هبة المنزلاوي


رسمتُ حروفي وعلقتها بالقلوب ,فذهبت؛  لتبحث عن أصحابها في الفضاء ،وهي تتأرجح بين العواصف و تشاهد قاع هذا العالم ، جالسةً على السحاب، فرأت رجلاً عجوزاً يجلس في شرفة إحدى العمارات و يبكي وهو ينظر إلى السماء ويناجي ربّه بكلمات  على عزف الآهات، يعصرها الحزن كان يتمنى أن يشعر به الزمن ويعطي له فرصة كي يحقق نصرا في معيشته ويهدي فرحة لأبنائه، فتتلون وجوههم بابتسامة صادقة ويرون الحياة بعين الأمل فتأتي أيامٌ مبهجة و تغسل معها آلام المعاناة وكل الأحزان ،وفي شرفة العمارة المجاورة رأيت طفلا يجلس وحيداً ويتأمل في النجوم، يفكر في حاله بعدما تُوفِّي والداه ،وأصبح العمود الذي يستند إليه إخوته الصغار، يستقيظ مبكراً و يذهب للعمل ويظل يكافح بكل أنفاسه حتى يبلل عرقه الأرض من حوله إلى أن  ينتهي من عمله ،ويعود إلى المنزل مصطحبا  الخبز والجبن، فعندما يراه إخوته يملأون البيت صياحاً ؛ لفرحتهم بعد الانتظار  وتهدأ نار بطونهم، فهو لا يكافح كي يحيا فقط ،بل يكافح لتحيا معه أرواح تولَّى أمرها، وأخذ عهداً على نفسه أن كل ذكرى لعيد ميلاده سيكبر ألف سنة وسينضج عقله حتى يكتشف هذا العالم الواسع ويحفظ طرقاته خوفاً من أن يضيع فيها، لو غفلت عيناه أو ترك نفسه لجنايات الأيام التي تحاول أن تكسر أعناق الرجال ،وفي شرفة منزل آخر رأيت 

أُمًّـا تحمل بين يديها مصحفا،  ترتل القرآن بصوت متقطع وتسقط دموعها على صفحاته ،فهي حزينة على بناتها فلقد تركها زوجها من عدة أعوام بعدما أنجبت أربع بنات وانقطعت أخباره وتحملت مسؤوليتهن في كل شىء بمفردها ،

 وأخذت تتمعن في كلمات الرحمن و كأنها تنتظر أن يبعث  إليها رسالة تشفي جراحَها ويطمئن قلبها، فحياتنا جميعاً مليئة بالمعضلات وقلوبنا لا تخلو من الجراح وإن اختلفت أنواعها، ولكننا نتفق في السعي من أجل البقاء دون انحناء حتى اللحظة الأخيرة  مهما كانت مصيبتنا كبيرة، فما الذي تفعليه يا حروفي في الفضاء هل أنت سئمت الحياة؟! فمهما طالت رحلتك بعيداً عن قهر هذا الزمان فاهبطي بين هذه القلوب المكسورة وقفي في وجه زلزال المصائب ، وتغلبي على كل الأسلاك الشائكة حتى تعبري الطريق بأمان  وأعطي لكل منهم زهرة أمل ، فهذه الأرواح هي من تستحق أن تشاركك الحياة!!

google-playkhamsatmostaqltradent