recent
أخبار ساخنة

قتل النفس والأبناء.. جريمة ضد الفطرة

 

قتل النفس والأبناء.. جريمة ضد الفطرة

قتل النفس والأبناء.. جريمة ضد الفطرة


بقلم: د. خالد البليسي


لا يكاد يمر وقت حتى نصحو على حادثة مروعة تقشعر لها الأبدان؛ أب أو أم ينهون حياة أطفالهم قبل أن يضعوا حدًا لحياتهم، لتتحول منازلهم من بيوت آمنة إلى مسارح لمآسٍ تهز المجتمع. ورغم ندرة هذه الحوادث، إلا أنها تثير عاصفة من التساؤلات: ما الذي أوصل هؤلاء إلى هذه اللحظة القاتمة؟ وكيف انقلبت مشاعر الحنان إلى أفعال تنسف كل معنى للأسرة والأمان؟


التحليل الاجتماعي والنفسي لهذه الظاهرة يكشف أنها وليدة ضغوط متراكمة لم تجد متنفسًا، تبدأ من أمراض نفسية صامتة كالاكتئاب الحاد واضطرابات القلق التي تتحول إلى قنابل موقوتة في غياب العلاج والدعم. يضاف إلى ذلك الصراعات الزوجية والانفصال والعنف الأسري، التي تترك الأسر في حالة اضطراب دائم. كما يلعب الإحساس بالعار أو فقدان الكرامة دورًا خطيرًا، حيث يتوهم البعض أن إنهاء حياتهم وحياة أبنائهم نوع من الخلاص من الفشل أو العجز.


الإسلام شدد على قدسية النفس البشرية، فحرم قتلها أو قتل الأبناء لأي سبب، وجعل حفظ النفس من الضروريات الخمس، ودعا إلى الصبر والتوكل وانتظار الفرج، مؤكداً أن بعد العسر يسرا. هذا البعد الديني يجب أن يكون حجر الأساس في أي مواجهة لهذه الظاهرة، عبر تذكير الناس بحرمة هذه الجرائم وتغذية الأمل في النفوس.


الحل لا يكمن في الشجب فقط، بل في خطة شاملة تبدأ من تعزيز الوعي الديني على المنابر وفي وسائل الإعلام، وتمر بإعادة إحياء ثقافة الحوار داخل الأسرة لفتح مساحات آمنة للتعبير عن المخاوف والضغوط قبل انفجارها، وتوفير خدمات دعم نفسي يسهل الوصول إليها وكسر وصمة العلاج النفسي في المجتمع. كما يتطلب الأمر تفعيل التكافل الاجتماعي لمساندة الأسر الفقيرة، وتشجيع الإعلام على تناول هذه القضايا بعمق ومسؤولية بعيداً عن الإثارة.


 وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، وتوفير مراكز علاج نفسي بأسعار رمزية، وإطلاق خطوط ساخنة للتعامل مع الأزمات. كما أن للأزهر ودار الإفتاء دوراً كبيراً في التوعية بخطورة الانتحار وقتل النفس، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتأكيد أن الدين دين أمل ورجاء لا يأس وقنوط.


هذه الحوادث ليست حكايات مأساوية عابرة، ومواجهتها مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع والأسرة، وهي معركة وعي بقدر ما هي معركة دعم ورعاية. إن تفعيل هذا الدور المتكامل هو السبيل لتحويل اليأس إلى طاقة صبر وإيمان، وحماية الأسر من السقوط في هاوية لا عودة منها.


google-playkhamsatmostaqltradent