أحداث عاشوراء 1/2
بقلم /رضا حليمه
يوم نجى الله فيه موسى من الغرق
موقف
لما انفلق البحر لموسى عليه السلام وعبر عليه هو من معه من المؤمنين ، خشى أن يتبعهم فرعون وجنوده ، فأراد أن يضرب بعصاه الجبال لتصير ماء.
فأوحى الله إليه " أترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون "
فإذا بفرعون وجنوده ينزلون إلى البحر ليعبروا من الطرق اليابسة التى عبر منها موسى عليه السلام ، وبينما هم فى أوساط البحر إذا بالجبال واليابسة تتحول بإذن الله سبحانه وتعالى إلى مياه لتغرق فرعون ومن معه وإذا بفرعون عند الغرق يستغيث بموسى مراراً وتكراراً فلم يغثه.
فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام
يا موسى لقد استغاث بك فرعون سيعين مرة فلم تغثه وعزتى وجلالى لو استغاث بى مرة واحدة لوجدنى قريباً مجيباً.
ما زال الكلام موصولا عن أحداث شهر الله المحرم وفى رحاب اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، اليوم الذى أعز الله فيه الإسلام ، وأذل الكفر وأهله ، ذلك اليوم الذى يعتبر غرة فى جبين الزمان ، إنه اليوم الذى نجى الله فيه نبيه موسى عليه السلام . وأهلك فرعون الذى طغى وتجبر.
وهذا اليوم من أيام الله عز وجل ما قصتة ؟ وماذا جرى لموسى وفرعون ؟ وكيف كانت النهاية ؟
وقصة الكليم عليه السلام مع فرعون هى من أكثر القصص ذكراً فى القرآن الكريم وقد أطال الله في قصته ما لم يطل فى قصص غيره من الأنبياء ، لما فى قصته من دروس وعبر عظيمة يستفيد منها العلماء الربانيون ، والدعاة المربون ، والأئمة المصلحون ، بل والناس أجمعون .
كثرة ذكر فرعون فى القرآن
القرآن الكريم يعطى كلل شخصية دورها المناسب فى القصة بالقدر الذى تلعبه فى القصة ، والذى لعبته فى الحياة ، وعلى ذلك تردد ذكر فرعون فى القرآن الكريم أربعاً وسبعين مرة .. بينما ذكر هارون عليه السلام عشرين مرة فقط مع أن هارون عاش مدة طويلة بعد غرق فرعون وشارك موسى عليه السلام فى قيادة بنى إسرائيل ..
وتلك الأهمية التى يضفيها القرآن على فرعون مرجعها لكونه رمزاً لكل حاكم مستبد يصل به استبداده إلى إدعاء الألوهية وإهلاك نفسه وتدمير شعبه .. والقرآن يؤكد على جانب العبرة والعظة فى قصة فرعون حين يقول سبحانه وتعالى " فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن فى ذلك لعبرة لمن يخشى "
ويوم عاشوراء يجد النهاية الحقيقية لفرعون والرمزية لكل الفراعين على مدار الزمن كله.
صفات فرعون كما وردت فى القرآن الكريم
إن فرعون فى القرآن الكريم ليس له ملامح شخصية ولا يعرف حتى اسمه الحقيقى باستثناء ذلك اللقب الموحى بالبطش الشديد والجبروت والاستبداد..
فتدور صفات فرعون كما ترسمها قصته فى القرآن الكريم حول ثلاث صفات رئيسية.
اولاً : الكفر بالله.
ثانياً : العلو والاستكبار.
ثالثاً : ممارسة الاضطهاد الطائفى.
ثم تأتى الآيات القرآنية لتوضح هذا الاجمال:
1- فرعون وقومه كذبوا بآيات الله واتبعوا الطغيان والفساد فى الأرض وسيلة للحكم .
قال تعالى " كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بايتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب " آل عمران
قال تعالى " ثم بعثنا من بعدهم موسى بأيتنا الي فرعون وملائه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين " الاعراف 103
قال تعالى " كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كفروا بايات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوى شديد العقاب " الأنفال 52
قال تعالى " اذهب إلى فرعون إنه طغى " طه 24 ، والنازعات 17
قال تعالى " وفرعون ذى الوتاد الذين طغوا فى البلاد فأكثروا فيها الفساد " الفجر 10 ، 11 ، 12
2- اضطهاد المستضعفين فى الأرض
قال تعالى " إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين " القصص 4
3- الاستكبار والعلو فى الأرض
قال تعالى "ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملائة بايتنا فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين " يونس 75
قال تعالى " ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بايتنا وسلكان مبين إلى فرعون وملائه فاستمبروا وكانوا قوماً عالين " المؤمنون 45 ، 47
قال تعالى " وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا فى الأرض وما كانوا سابقين " العنكبوت 39.
4- التقدم العلمى والترف
قال تعالى " وقال موسى ربنا إنك ءاتيت فرعون وملائة زينة وأموالاً فى الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا أطمس على أموالهم وأشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذال الأليم " يونس 88 .
قال تعالى " ونادى فرعون فى قومه قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون " الزخرف 51
5- النفوذ القوى والسيطرة
قال تعالى " وإن فرعون لعال فى الأرض وإنه لمن المسرفين "" يونس 83
قال تعالى " فأرسل فرعون فى المدائن حاشرين " الشعراء 53.
قال تعالى " كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذة الأوتاد " ص 12.
قال تعالى " يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض فمن ينصرنا من بأس الله اذ جاءنا قال فرعون ما اريكم إلا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد " غافر 29.
قال تعالى " من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين " الدخان 31.
مشهد النهاية
فى يوم عاشوراء كانت نهاية فرعون ومن معه. وما بين النهاية والبداية كانت الأحداث وكان الصراع بين الحق المتمثل فى موسى ومن معه وبين الباطل المتجسد فى فرعون ومن معه.
تصل المعركة بين موسى وفرعون إلى ذروتها ، فها هو موسى عليه السلام بوحى من الله عز وجل يأخذ معه من آمن ليفر من جبروت وسطوة فرعون
قال تعالى " فأسر بعبادى ليلاً إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون "
فسار موسى ومن معه كما أمره ربه ولكن فرعون لم يتركه سار وراءه بجنده وعدده وعتاده حتى وصل موسى عليه السلام إلى شاطىء البحر.
ماذا يفعل ؟ البحر من أمامه والعدو من خلفه.
أين يذهب ؟
عندها قال أصحاب موسى إنا لمدركون.
قال تعال " فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معى ربى سيهدين " .
إن البحار والمحيطات والسموات والأرضين والكون بما فيه وما عليه كلهم ملك لله يصرفهم كيف يشاء.
ثم ها هو طريق النجاة ينفتح من حيث لا يحتسبون.
قال تعالى " فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم " .
فسبحان أحكم الحاكمين ينشق طريق يابس وكأن لم تصبه قطرة ماء ، والبحر صار كالجبال العظيمة واقفاً ذات اليمين وذات الشمال ثم تسير الطائفة والله يرقبها ، وبالحفظ يكلؤها ، تسير واثقة بنصر الله مؤمنة بوعده ، فينجيهم الله فى يوم عاشوراء ، ويصومه موسى ومحمد والمؤمنون شكراً لله تعالى.
ولكن العناد والطغيان والتجبر المتأصل فى نفس فرعون ابى عليه إلا السير خلفهم ، فلما تكامل قوم موسى خارجين من البحر ، وتكامل قوم فرعون داخلين فى البحر حتى إذا اداركوا فى البحر جميعاً ، جاءهم الموج من كل مكان ، وجعل يرفعهم ويخفضهم وتراكمت الأمواج فوق فرعون ، وجاءته سكرة الموت فنادى ، لا إله إلا الذى أمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين. فقيل له : ءآلن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين.
عن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال : قال رسول الله « قال جبريل يا محمد لو رأيتنى وأنا أخذ من حال البحر يعنى التراب فأدسه فى فيه ، مخافة أن تدركه الرحمة » .
فأمر الله بحره أن أطبق عليهم وصدق الله " وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا بعد الباقين إن فى ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وان ربك لهو العزيز الرحيم " .
وهكذا انتهى المشهد وأسدل الستار على فرعون من فراعين الأرض ، وشاءت الإرادة الألهية أن يظل اجسد محفوظاً ليظل شاهداً على الظلم والطغيان والاستعلاء فى الأرض ، وعبرة لكل فرعون يأتى من بعده
قال تعالى " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آيه وإن كثيراً من الناس عن أياتنا لغافلون " .
بعض الدروس وعبر من قصة موسى وفرعون
الدرس الأول :
والله غلب على أمره
إن أمر الله غالب لا محالة مهما حاول المجرمون والكافرون طمس معالمه ، والوقوف أمامه ، وأن الطغاه مهما حاولوا أن يؤثروا فى عقول الدهماء وأن يستميلوهم بالمنح والعطايا ، فإن القلوب بين اصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ولنا فى موقف سحرة فرعون عبرة وعظة. عندما تنتصر العقيدة على الحياة ، والعزيمة على الألم ، والانسان على الشيطان . بدأوا يومهم ملحدين كفرة وانتهوا شهداء بررة.
قال تعالى " وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغلبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حلالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إن لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هى تلقف ما يأفكون فألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون " الشعراء 41 ، 48
الدرس الثانى :
ظروف وصعوبة المعاناة التى عاشها موسى عليه السلام ومن مع فى ظل حكم فرعون.
عاش المسلمون فى أيام فرعون ظروفاً عصية مليئة بالخون والأذى حتى وصل بهم الأمر أن يسروا بصلاتهم ويتخذوا المساجد فى بيوتهم.
قال تعالى " وأوحينا إلى موسى وأخية أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين " يونس 87.
والمعنى كما قال العوفى عن ابن عباس قالت بنو اسرائيل لموسى عليه السلام لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة وأذن الله لهم أن يصلوا فى بيوتهم
الدرس الثالث
الصبر والاستعانة بالله عز وجل.
فى ظل هذه الظروف العصيبة التى يمر بها المسلمون على عهد موسى عليه السلام أمر المسلمون بأمور عدة لتجاوز هذه المحنة .
أولاً الصبر والصلاة قال تعال " وأقيموا الصلاة " .
قال تعالى "قال موسى بقومه استعينوا بالله واصبروا " .
قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا استعينوا بالصبر والصلاة " .
فالصلاة سمة من سمات المسلم حين الرخاء ، وهى ملاذ حين الشدة والضراء.
ثانياً : الايمان بالله والتوكل عليه
وهما فى حال الشدة عدة قال تعالى " وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين " .
ثالثاً : الدعاء وصدق اللجوء إلى الله
ففيه الفرج والخلاص من فتنة الظلم ، والنجاة من المجرمين.
قال تعالى " فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنو للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين " .
وقال تعالى " وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً فى الحياة الجنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا أطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " .
رابعاً : لابد من الاستقامة على الخير وعدم الاستعجال فى الحصول على المطلوب فذلك أمره بقدره الله أنى شاء وكيف شاء.
قال تعالى : " قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون" .
الدرس الرابع :
الخداع والتدليس وقلب الحقائق واتهام الأبرياء هو سلاح المجرمين للسيطرة على عقول العوام والدهماء.
قا تعالى " قال فرعون آمنتم به قبل أن أذن لكم إن هذا لمكرمكرتموه بالمدينة لتخرجوا منها فسوف تعلمون " .
قال تعالى " فاستخف قومه فأطاعوه " .
قال تعالى " إن هؤلاء لشرذمة قليلون ".
قال تعالى " وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض ويذرك وآلهتك " .
إن تغير الألفاظ وقلب الحقائق والاتهامات الباطلة لن تغير من واقع الأمر شيئاً ، لكنها السنة فى الابتلاء تمضى فى الأولين والآخرين ومن العجب ان الكثيريين ليعجبون لهذه المقولة الكاذبة ويقول يا الله العجب صار هؤلاء الملأ يشفقون من إفساد موسى وقومه ، ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون ولكن لا يشعرون .
الدرس الخامس :
أن الصراع مهما امتد أجله ، والفتنه مهما استحكمت حلقاتها ، فإن العاقبة للمتقين / ولكن ذلك يحتاج إلى صبر ومصابرة واستعانة بالله صادقة.
قال تعالى " قا موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" .
الدرس السادس:
نماذج مؤمنة
1- السحرة : السحرة الذين أحضرهم فرعون لما ظهر لهم الحق ورأو أن ما جاء به موسى ليس سحراً بادروا مباشرة إلى الايمان بالله عز وجل قال تعالى " وألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون " وتوعدهم فرعون بالعذاب والنكال فقالوا " لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذى فطرنا فأقض ما انت قاض ... " وقالوا " قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بأيات ربنا لما جاءتنا" قال بن عباس كانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء بررة
2- امرأة فرعون : التى كفرت بفرعون وآمنت بالله رب العالمين ثم دعت قائلة " رب ابنى لى عندك بيتاً فى الجنة " قال بن كثير : حينما كان الفريقان مجتمعين كانت امرأة فرعون بارزة تدعوا الله بالنصر لموسى على فرعون أعتى أهل الأرض وأكفرهم فوالله ماضر امرأة كفر زوجها حين أطاعت ربها ليعلموا أن الله حكم عدل لا يؤاخذ أحداً إلا بذنبه.
3- ماشطة فرعون 4- الرجل المؤمن يكتم إيمانه
الدرس السابع :
شكر موسى لربه أن نجاه من فرعون وشكر النبى وأمته على نجاة موسى وغرق فرعون عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : لما قدم النبى صلي الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء ، فسألهم فقالوا هذا اليوم الذى أظفر الله فيه موسى على فرعون فقال صلي الله عليه وسلم نحن أولى بموسى فصوموه.
