recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن الخليفه عمر بن عبد العزيز ( الجزء السادس )

الصفحة الرئيسية
ماذا تعرف عن الخليفه عمر بن عبد العزيز ( الجزء السادس )



إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع الخليفه الراشد عمر بن عبد العزيز وقد وقفنا مع صفاته الجليله والتى كان منها هو تطبيق النظام على الجميع، ومنع الاستثناءات، وتشديد الرقابة على بيت الحكم، والافراج عن السجناء المظلومين، ومعاقبة المقصرين من الولاة والمسؤولين، كما اهتم اهتماماً شديداً بمال الدولة، فلم ينفقه إلا فيما فيه نفع الأمة، وكان يكره التصرف في المال العام بلا ضابط أو رقيب، ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، عمد إلى جميع الولاة والحكام الظالمين فعزلهم عن مناصبهم، ومنهم خالد بن الريان صاحب حرس سليمان بن عبد الملك الذي كان يضرب كل عنق أمره سليمان بضربها، وعين محله عمرو بن مهاجر الأنصاري، فقال عمر بن عبد العزيز: يا خالد، ضع هذا السيف عنك.

ثم قال اللهم إني قد وضعت لك خالد بن الريان، اللهم لا ترفعه أبداً، ثم قال لعمرو بن مهاجر: والله إنك لتعلم يا عمرو إنه ما بيني وبينك قرابة إلا قربة الإسلام، ولكني سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن ألا يراك أحد، فرأيتك حسن الصلاة، خذ هذا السيف قد وليتك حرسي، وقد رأى عمر رجلاً كثير الصلاة، فأراد أن يمتحنه ليوليه، فأرسل إليه رجلاً من خاصته فقال: يا فلان، إنك تعلم مقامي عند أمير المؤمنين، فمالي لو جعلته يوليك على أحد البلدان؟ فقال الرجل: لك عطاء سنة، فرجع الرجل إلى عمر وأخبره بما كان من هذا الرجل، فتركه لأنه سقط في الاختبار، وكان من ضمن من عزلهم عمر بن عبد العزيز: أسامة بن زيد التنوخي، وكان على خراج مصر.

وكان ذلك لأنه كان غاشماً ظلوماً يعتدي في العقوبات بغير ما أنزل الله عز وجل، فكان يقطع الأيدي في خلاف دون تحقق شروط القطع، فأمر به عمر بن عبد العزيز أن يحبس في كل جُنُد سنة، ويُقيّد ويُحلّ عنه القيد عند كل صلاة ثم يُرد في القيد، فحبس بمصر سنة، ثم بفلسطين سنة، ثم مات عمر وولي يزيد بن عبد الملك الخلافة، فردّ أسامة على مصر في عمله، وأيضا فقد اهتم عمر بن عبد العزيز بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: إن المشورة والمناظرة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معهما رأي، ولا يُفقد معهما حزم، وهكذا كان الخليفة عمر بن عبد العزيز في ولايته عادلًا، مُقسطا بين الناس، ورعًا، تقيا، لا يخشى في اللام لومة لائم.

حتى أن خلافته تميزت دون سائر فترات الدولة الأموية، حيث قام الخليفة عمر بن عبد العزيز بإصلاحات كثيرة في فترة خلافته، منها عزل الولاة الظالمين وتعيين من هم أكفأ منهم، عمل بنظام الشورى الذي قامت عليه الخلافة الراشدة، ورد المظالم وأقام العدل بين الناس جميعا، وكان لعمر اهتمام كبير بالعلوم الشرعية، فدُوِّنَ الحديث الشريف في عصره، ولكن فترة خلافته لم تدم طويلًا، فبعد سنتين وخمسة شهور وأربعة أيام فقط، انتهت خلافة عمر بن عبد العزيز بوفاته سنة مائه وواحد من الهجره، واستلم مكانه يزيد بن عبد الملك خلافة المسلمين، وقد تبين مبدأ الشورى في أول يوم من خلافته، حيث قال للناس: أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه.

ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فولّ أمرنا باليمن والبركة، وبذلك خرج عمر بن عبد العزيز من مبدأ توريث الولاية الذي تبناه معظم خلفاء بني أمية إلى مبدأ الشورى والانتخاب، ولم يكتف عمر باختياره ومبايعة الحاضرين، بل يهمه رأي المسلمين في الأمصار الأخرى ومشورتهم، فقال في خطبته الأولى: وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم، وإن هم أبوا فلست لكم بوالى، ثم نزل، وقد كتب إلى الأمصار الإسلامية فبايعت كلها، وممن كتب لهم يزيد بن المهلب يطلب إليه البيعة بعد أن أوضح له أنه في الخلافة ليس براغب، فدعا يزيد الناس إلى البيعة فبايعوا.

وبذلك يتضح أنه لم يكتف بمشورة من حوله، بل امتد الأمر إلى جميع أمصار المسلمين، وكان عمر يستشير العلماء ويطلب نصحهم في كثير من الأمور، أمثال سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرطبي، ورجاء بن حيوة، فقال: إني قد ابتليت بهذا الأمر فأشيروا عليّ، كما كان يستشير ذوي العقول الراجحة من الرجال، وقد حرص عمر على إصلاح بطانته لمّا تولّى الخلافة، فقرّب إلى مجلسه العلماء وأهل الصلاح، وأقصى عنه أهل المصالح الدنيوية والمنافع الخاصة، وكان يوصيهم ويحثهم على تقويمه، فقال لعمرو بن مهاجر: إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم هزني، ثم قل: يا عمر ما تصنع؟ وقد كان لهذا المسلك أثر في تصحيح سياسته التجديدية ونجاحها.

حيث كان لبطانته أثر في شد أزره، وسداد رأيه وصواب قراره، ولقد حرص عمر بن عبد العزيز على نشر العلم بين رعيته وتفقيههم في الدين وتعريفهم بالسنة، وقد ورد عنه أنه قال في إحدى خطبه: إن للإسلام حدوداً وشرائع وسنناً، فمن عمل بها استكمل الإيمان، ومن لم يعمل بها لم يستكمل الإيمان، فلأن أعِش أعلمكموها وأحملكم عليها، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص، وقال أيضاً: فلو كان كل بدعة يميتها الله على يدي وكل سنّة يُعيشها الله على يدي ببضعة من لحمي حتى يأتي آخر ذلك على نفسي كان في الله يسيراً، وفي موضع آخر قال: والله لولا أن أُنعش سُنّة أو أسير بحق ما أحببت أن أعيش فواقاً، ولهذا بعث عمر العلماء لتعليم الناس وتفقيههم إلى مختلف أقاليم الدولة وحواضرها وبواديها.

وقد أمر عماله على الأقاليم بحث العلماء على نشر العلم، فقد جاء في كتابه الذي بعث إلى عماله: أومُر أهل العلم والفقه من جندك فلينشروا ما علمهم الله من ذلك، وليتحدثوا به في مجالسهم، ومما كتب إلى بعض عماله: أما بعد، فأمر أهل العلم أن ينشروا العلم في مساجدهم، فإن السنة كانت قد أميتت، وكما أمر عماله أن يُجروا الرواتب على العلماء ليتفرغوا لنشر العلم، وانتدب العديد من العلماء لتفقيه الناس في الدين، فبعث يزيد بن أبي مالك الدمشقي والحارث بن يمجد الأشعري يفقهان الناس والبدو، وذكر الذهبي أن عمر ندب يزيد بن أبي مالك ليفقه بني نمير ويقرئهم، وبعث نافع مولى ابن عمر إلى أهل مصر ليعلمهم السنن، وكان قد بعث عشرة من الفقهاء إلى إفريقية يفقّهون أهلها.

وكان كل ذلك كما هو نشأ عمر بن عبدالعزيز عليه فكان محباً للعلم مقبلاً عليه، وعندما تولى والده ولاية مصر طلب منه أن ينتقل معه، ولكن عمر طلب أن يرتحل إلى المدينة لطلب العلم ومجالسة الفقهاء والعلماء، وكان له ما أراد، فاشتهر بعلمه وأدبه، فلما مات أبوه تولاه عمه أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان، مع أبنائه وقدمه على كثير منهم، وزوجه بابنته فاطمة، وكان من حسن أخلاقه عندما صار واليا على الحجاز كلها، فقد استقبله أهل المدينة استقبالا حسنا، لأنهم كانوا يعرفون خلقه وفضله منذ نشأ بينهم، وكان عمر بن عبدالعزيز من خيرة الولاة وأفضلهم وأكثرهم كفاءة، فحرص على حسن اختيار معاونيه، وكان من بينهم شيوخه، عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبدالله بن عمر.


وفى فترة ولايته للمدينة، ساد الأمن والعدل، وشعر أهلها بالهدوء والاستقرار، وجدد عمر بن عبدالعزيز المسجد النبوى، وعمل على تحسين عمارته، وبقى على ولاية المدينة ما يقرب من ستة سنوات وقد أكسبته خبرة واسعة فى شؤون الحكم والخلافة حتى عزله الخليفة الوليد عام ثلاثه وتسعين من الهجره، ولم يكن ذلك بسبب تقصير أوإهمال أوتقاعس، ولكن بسبب وشاية استجاب لها الوليد، فعاد عمر إلى الشام، ولم يتولى أى منصب حتى وفاة الوليد، وكان الخليفة عمر بن عبدالعزيز إداريًا عظيمًا، حيث يمتلك من الكفاءة ومن المواهب والصفات ما جعله من أعظم الحكام فى التاريخ، وحمل كثيرا من صفات جده عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، كحاكم وخليفة للمسلمين، فكان تقيا ورعا زاهدا، فجدد الأمل فى النفوس بإمكانية عودة حكم الخلفاء الراشدين.


google-playkhamsatmostaqltradent