recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن التكرار فى القرآن الكريم (الجزء الأول)

الصفحة الرئيسية

ماذا تعرف عن التكرار فى القرآن الكريم (الجزء الأول)

بقلم - محمـــد الدكـــرورى

إن في اعتصامنا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، نجاة لنا وثباتا في هذه الحياة، والتي تموج فيها الفتن والشهوات، فالقرآن الكريم، يرفع أقواما ويضع آخرين، ويأتي شفيعا لصاحبه يوم القيامة، ويجعله مع السفرة الكرام البررة، فمن شغله القرآن عن الدنيا عوضه الله خيرا مما ترك، ومن ليس في قلبه شيء من القرآن كالبيت الخرب، وأما عن الأجر والثواب للقارئ ففي كل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، وأما الوالدان، فإن الله لا يضيع أجرهما، فمن قرأ القرآن وعمل به ألبس والداه تاجا من نور يوم القيامة، ضوؤه مثل الشمس، وهذا الكتاب هو أعظم معجزة أعطيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتلون كتاب الله ويتأثرون به فتلين جلودهم، وتدمع عيونهم، وتخشع قلوبهم، فيرفعون أكفهم إلى ربهم ضارعين يسألونه قبول الأعمال، ويرجونه غفران الزلات.

وإن التكرار هو أسلوب عربى معروف عند العرب في العهد الأول، وإن التكرار من الفصاحة، ولقد اعترض بعض من لا يفقه لغة العرب، فراح يطعن بالتكرار الوارد في القرآن الكريم، وظن هؤلاء أن هذا ليس من أساليب الفصاحة، وكان هذا من جهلهم، فالتكرار الوارد في القرآن الكريم ليس من التكرار المذموم الذي لا قيمة له، ويصدر هذا الكلام من الذي لا يحسن اللغة أو لا يحسن التعبير، ولقد قيض الله عز وجل، لدينه ولكتابه من يبرزهما ويظهر حقيقتهما مصداقا لقوله تعالى فى كتابه الكريم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ولقد حظى القرآن الكريم باهتمام العلماء فى كل عصر وفى كل مصر، أى فى كل البلدان، ولم يخل عصر من علماء، ولقد حظى القرآن الكريم بدراسات لم يحظ بها كتاب سماوي سبقه، وذلك نوع من الحفظ الذى تكفل الله سبحانه وتعالى به، وقد التف العلماء حول القرآن الكريم.

يفصلونه تفصيلا ولم يتركوا فيه شاردة ولا واردة إلا تناولوها بالدراسة والبحث وهو مع كل هذه الدراسات ما زال بكرا، فهو كلما شاب شب، ولا ينضب معينه أبدا، ومن الموضوعات التى طرقها العلماء فى سبيل المحافظة على كتاب الله عز وجل، هو موضوع التكرار فى القرآن الكريم، فكان المفسرون فى هذا المقام أكثر عناية من غيرهم لأنه موضوع شديد الصلة بالتفسير فاجتهدوا فى إبراز الحكمة من وراء التكرار فى كل موطن وظهرت لديهم هذه الدراسة فى وقت مبكر، فيطالعنا الفراء وهو من علماء القرن الثالث الهجري فى تفسيره المسمى معاني القرآن بالعديد من مواطن التكرار فى القرآن والحكمة وراء كل موطن، وبالطبع لابد أن تتفاوت عناية المفسرين بهذا المقام فمنهم المكثر ومنهم المقل، وممن عُنى بهذه الظاهرة بشكل ملاحظ هو الإمام البغوى وذلك فى تفسيره معالم التنزيل.

والإمام الزمخشرى فى كشافه، والإمام القرطبى من أعلام القرن السابع وتفسيره الجامع لأحكام القرآن الكريم، وهؤلاء الذين ألفوا فى متشابه القرآن الكريم، ومصطلح المتشابه فى القرآن الكريم له دلالتان إحداهما هو أن المتشابه هو قسيم المحكم أى الذى لا يستقل بنفسه ويحتاج إلى بيان برده إلى غيره والدلالة الثانية هى التماثل فى المبنى أى الحروف التى تتكون منها الكلمة، وإن التكرار في الاصطلاح هو تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعاني متعددة كالتوكيد، والتهويل، والتعظيم، وغيرها، وكل ما جاء في القرآن الكريم، منه له فائدة، وقد رد علي هذه الشبهة جمع من المعاصرين، وقد قسَّم العلماء التكرار الوارد في القرآن الكريم إلى نوعين أحدهما هو تكرار اللفظ والمعنى، وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى، وقد جاء على وجهين هو موصول، ومفصول، أما الموصول فقد جاء على وجوه متعددة.

إما تكرار كلمات في سياق الآية، مثل قوله تعالى (هيهات هيهات لما توعدون) وإما تكرر الآية بعد الآية مباشرة ، مثل قوله تعالى (فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا) وأما المفصول فهو يأتي على صورتين، إما تكرار في السورة نفسها، وإما تكرار في القرآن الكريم كله، ومن أحسن ما كتب فيها ما جاء في كتاب، شبهات المشككين، وهو كتاب قام بتأليفه مجموعة من العلماء، فقد جاء في هذا الكتاب في معرض الكلام على الرد على شبهة التكرار، أنه يقع التكرار في القرآن الكريم على وجوه متعدده، فهو مرة يكون المكرر أداة تؤدي وظيفة في الجملة بعد أن تستوفي ركنيها الأساسيين، وأخرى تتكرر كلمة مع أختها لداع، بحيث تفيد معنى لا يمكن الحصول عليه بدونها، وهى فاصلة تكرر في سورة واحدة على نمط واحد، وقصة تتكرر في مواضع متعددة مع اختلاف في طرق الصياغة.

وعرض الفكرة، بعض الأوامر، والنواهي، والإرشادات، والنصح مما يقرر حكما شرعيا، أو يحث على فضيلة، أو ينهى عن رذيلة، أو يرغب في خير، أو ينفر من شر، وتكرار القرآن في جميع المواضع التي يلحظ عليها سمة التكرار، في هذا كله يباين التكرار في القرآن ما يقع في غيره من الأساليب، لأن التكرار، وهو فن قولي معروف، قد لا يسلم الأسلوب معه من القلق والاضطراب، فيكون هدفا للنقد والطعن، لأن التكرار رخصة في الأسلوب إذا صح هذا التعبير، والرخص يجب أن تؤتى في حذر ويقظة، ومع هذه المزالق كلها جاء التكرار في القرآن الكريم محكما، وقد ورد فيه كثيرا، فليس فيه موضع قد أخذ عليه دع، دعاوى المغالين، فإن بينهم وبين القرآن الكريم تارات، فهم له أعداء وإذا أحسنا الفهم لكتاب الله فإن التكرار فيه مع سلامته من المآخذ والعيوب يؤدي وظيفتين، أولاهما وهى من الناحية الدينية.

وثانيهما وهى من الناحية الأدبية، فالناحية الدينية باعتبار أن القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد وتشريع لا يخلو منها فن من فنونه، وأهم ما يؤديه التكرار من الناحية الدينية هو تقرير المكرر وتوكيده وإظهار العناية به ليكون في السلوك أمثل وللاعتقاد أبين، وأما عن الناحية الأدبية، فإن دور التكرار فيها متعدد، وإن كان الهدف منه في جميع مواضعه يؤدي إلى تأكيد المعاني وإبرازها في معرض الوضوح والبيان، وإن من هذا التكرار هو تكرار الأداة، ومن أمثلتها قوله تعالى (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعدما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحِيِم) وقوله تعالى (ثم إن ربك للذيِن عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) وإن الظاهر من النظر في الآيتين تكرار، وهو قول إن، فيهما، وهذا الظاهر يقتضي الاكتفاء ب، إن الأولى، ولم يطلب إلا خبرها.

وهو في الموضعين أعني الخبر، لغفور رحيم، ولكن هذا الظاهر خولف وأعيدت إن، مرة أخرى، ولهذه المخالفة سبب، وهذا السبب هو طول الفصل بين، إن، الأولى وخبرها، وهذا أمر يُشعر بتنافيه مع الغرض المسوقة من أجله، وإن، وهو التوكيد، لهذا اقتضت البلاغة إعادتها لتلحظ النسبة بين الركنين على ما حقها أن تكون عليه من التوكيد، على أن هناك وظيفة أخرى هي، لو أن قارئا تلا هاتين الآيتين دون أن يكرر فيهما، إن، ثم تلاهما بتكرارها مرة أخرى لظهر له الفرق بين الحالتين، وهو قلق وضعف في الأولى، وتناسق وقوة في الثانية، ويقول ابن الأثير رائيا هذا الرأي، فيقول إذا وردت، إن، وكان بين اسمها وخبرها فسحة طويلة من الكلام، فإعادة، إن، أحسن في حكم البلاغة والفصاحة كالذي تقدم من الآيات، وأما عن تكرار الكلمة مع أختها، ومن أمثلتها قوله تعالى (أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون).

فقد تكررت، هم، مرتين، فالأولى مبتدأ وخبرها الأخسرون، والثانية ضمير فصل جيء به لتأكيد النسبة بين الطرفين وهي، هُم الأولى بالأخسرية، وكذلك قوله تعالى( أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال فِي أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) فتكررت هنا، أولئك، ثلاث مرات، ولم تجد لهذه الكلمة المكررة مع ما جاورها إلا حسنا وروعة، فالأولى والثانية، تسجلان حكما عاما على منكري البعث، وهو كفرهم بربهم، وكون الأغلال في أعناقهم، والثالثة، هو بيان لمصيرهم المهين، ودخولهم النار، ومصاحبتهم لها على وجه الخلود الذي لا يعقبه خروج منها، ولو أسقطت، كلمة أَولئك، من الموضعين الثاني والثالث لرك المعنى، واضطرب، فتصبح الواو الداخلة على (الأغلال في أعناقهم) واو حال، وتصبح الواو الداخلة على (أَصحاب النار هم فيها خالدون) عاطفة عطفا يرك معه المعنى.
ماذا تعرف عن التكرار فى القرآن الكريم (الجزء الأول)
google-playkhamsatmostaqltradent