recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

نافع بن عبد قييس .. بقلم: محمد الدكرورى

 

 

 

 

 

 


نافع بن عبد قيس (الجزء الثانى)


إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع نافع بن عبد قيس وقد توقفنا عندما قرر عقبة بن نافع إلغاء كل ما حققه أبو المهاجر الذي وضعه في الأسر وبالغ في إهانته والتحقير من شأنه أمام جنوده، ولم يكتف بهذا بل عمد إلى أسر الأمير البربري صاحب السمعة والنفوذ الكبير في أوساط البربر فأسر كسيلة وعمل على المبالغة في إهانته والإساءات إليه دون مبرر ولم تجد توسلات أبي المهاجر لصالح الأمير كسيلة عند عقبة بن نافع أي صدى وربما كانت هي التي زادت من إهانة الأمير كسيلة وحرض قومه على الانتقام له، واستعدادهم لتخليصه من الأسر والاستجابة لأوامره وقيادته، وإخلاص قومه قد يكون وراء تخليصه وفراره من الأسر وسرعة التحاقهم به في جيش كبير استطاع أن ينتقم من عقبة والانتصار لشرفه وكرامته في معركة تهوذة، وبعدها بسط سيطرته على كامل المنطقة، وليس هناك دليل تاريخي محترم على سلوكات قام بها كسيلة ضد الدين الإسلامي.

سواء بالإلغاء أم التغيير بل كانت حربه من أجل كرامته وشرفه حتى قتل، وقتله أيضا كان مدعاة لثورة كبيرة أخرى انتقاما لقتله، واستجاب البربر لهذا النداء، الذي أطلقته الكاهنة انتقاما للشرف والكرامة البربرية، واستطاعت هذه الثورة بقيادة الكاهنة أن تبسط سيطرتها على كامل المنطقة، وكذلك فإن ثورة الكاهنة كانت من أجل الشرف والكرامة وليست ثورة ضد الدين ولم تعمل على إلغاء ومحاربة الدين الإسلامي ولم تسع إلى تبديله بديانة أخرى وقد تعرضت الكاهنة وكسيلة إلى حروب إيديولوجية أخرى كانت أشد من الأولى فالعسكرية قادها سادة التاريخ المؤرخون الذين عملوا بكل جهودهم على تشويه وتحطيم الرؤية التاريخية لها، وأيضا فقد تعرض قائد آخر للتصفية بين اليمنية والمصرية خاصة عندما أصبحت الغنائم تفد على العاصمة دمشق، فأصبحت الشخصيات النافذة في البلاط الأموي تفرض وتمارس ضغوطات كبيرة.

على القادة الفاتحين والتحكم في المناصب، فأصبح القادة يعملون على إرضاء هذه الشخصيات النافذة في السلطة عن طريق جلب المزيد من الغنائم المتنوعة، وكل ذلك للحصول على رضاهم وضمان البقاء في المنصب وهذه السياسة والذى قيل أنها كانت متبعة حتى في زمن والي مصر الأول عمرو بن العاص الذي فرض على القبائل الشرقية لإفريقيا بيع أطفالهم من أجل دفع الجزية والأتاوات التي كان يفرضها عليهم، وازدادت وتيرة هذه الغنائم بعد ذلك خاصة في زمن طارق بن زياد وموسى بن نصير الذي بلغ في الإمكانيات والغنائم التي أبهر بها قادة البلاط الأموي وجعلهم يتسابقون للحصول على هذه الغنائم المتجهة إلى العاصمة الأموية، وكوّن ثروة كبيرة له ولعائلته، ولكن يظهر أن بعض الأطراف لم تنل من هذه الغنائم مما أدى بها إلى جعل هذا القائد محل انتقاد شديد حتى إذا تغيرت موازين القوى وضع هذا القائد وعائلته.

هدفا للسيوف وثروته للمصادرة وأصبحت هذه العائلة مطاردة في كل الأماكن واشتدت عليهم الحملة التي لم ترحمهم حتى كادت تقضي عليهم وتبيدهم عن آخرهم، ولقد كان عقبة بن نافع رضي الله عنه مثالا في العبادة والأخلاق والورع والشجاعة والحزم، والعقلية العسكرية الاستراتيجية الفذّة، والقدرة الفائقة على القيادة بورع وإيمان وتقوى وتوكّل تام على الله عز وجل فأحبّه رجاله وأحبّه أمراء المؤمنين، وكان مستجاب الدعوة، مظفر الراية، فلم يُهزم في معركة قط، وقد طبّق في حروبه أحدث الأساليب العسكرية والجديدة في تكتيكات القتال، مثل مبدأ المباغتة، وتحشيد القوّات، وإقامة الحاميات، وتأمين خطوط المواصلات، واستخدام سلاح الاستطلاع، وكان عقبة بن نافع يعرف المنطقة معرفة جيدة، فقد عاش وقاتل وتنقل وقاد البعوث، واتصل بالناس، الأصدقاء منهم والخصوم، كان يدرك أن القتال في شمال إفريقية.

لا يمكن أن يعتمد على قاعدة أساسها مصر أو حتى برقة، إذ تصبح عندها خطوط المواصلات طويلة، ويتعذر على عقبة أو غيره من القواد أن يزودوا بحاجاتهم من الرجال والمال والمؤن، وأدرك عقبة بثاقب نظره أن قاعدة القتال يجب أن تنقل إلى الأراضي الإفريقية، لكن عقبة كان يعرف أن الدولة الإسلامية الجديدة لم تكن دولة بحرية بالدرجة الأولى مع أن المسلمين هزموا الروم بحريا في موقعة ذات الصواري قبل بناء القيروان، لكن مع ذلك كان الروم وهم أصحاب أسطول كبير يستطيعون دوما إزعاج البحرية الإسلامية، ومن هنا نجد عقبة بن نافع يختار مدينة القيروان ليقيم فيه قاعدة حربية وفق الشروط التخطيطية التي ذكرناها، ثم يقوم عقبة بتمصير هذه المدينة العظيمة التي لا تزال قائمة إلى الآن، وهكذا كانت مرحلة الفتح صراعا كبيرا بين الأنا المحلي والآخر الوافد، وكذلك بين التيارات النافذة في البلاد الأموية.

ونعود إلى عقبه وهو في طريق العودة عندما وصل إلى طنجة، أمر الجيش أن يفترق، وبقي معه ثلاثمئة رجل من جنوده، فمال بهم إلى مدينة تهوذة، وكانت هناك مكيدة لعقبة وأصحابه، حيث تمت مهاجمتهم، فاقتتل الفريقان إلى أن استشهِد عقبة وكل من كانوا معه، وذلك في العام الثالث والستين من الهجرة، وقد سمي المكان الذي استشهد فيه باسمه وهو إلى الآن يُعرف بسيدي عقبة، وقد ترك لنا عقبه بن نافع مدينته، والتى تعرف باسم رابعة الثلاث، أي المدينة الرابعة بالأهمية الإسلامية بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف، وهي إحدى المدن التونسية وقد استمدت المدينة أهميتها الكبيرة من الدور الاستراتيجي الذي أدته في الفتوحات الإسلامية، حيث كانت نقطة انطلاق للحملات المتوجهة للفتح باتجاه الجزائر والمغرب وإسبانيا وأفريقيا، كما أنها تحتضن أجساد عدد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفاتهم في ثراها.

 

google-playkhamsatmostaqltradent