recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن التعايش السلمى فى المدينة ( الجزء الثانى )

 

ماذا تعرف عن التعايش السلمى فى المدينة ( الجزء الثانى )


ماذا تعرف عن التعايش السلمى فى المدينة ( الجزء الثانى )


إعداد / محمــــد الدكـــــرورى


ونكمل الجزء الثانى ومع التعايش السلمى فى المدينه، وقد وقفنا مع أنه يستلزم أن نفرق هنا بين مفهومين مهمين، وهما مفهوم الجهاد والإرجاف، ومفاهيم أخرى كالبغى والحرابة، التى يخلطها بعضهم بالجهاد، فإن مصطلح الجهاد فى سبيل الله، هو مصطلح إسلامى نبيل له مفهومه الواسع فى الإسلام، فهو يطلق على مجاهدة النفس والهوى والشيطان، ويطلق على قتال العدو الذى يُراد به دفع العدوان وردع الطغيان، وهذا النوع من الجهاد له شروطه التى لا يصح إلا بها، من وجود الإمام المسلم الذى يستنفر المسلمين من رعيته للجهاد، ووجود راية إسلامية واضحة، وتوفر الشوكة والمنعة للمسلمين، فهو من فروض الكفايات التى يعود أمر تنظيمها إلى ولاة الأمور والساسة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد.

وجعلهم أقدر من غيرهم على معرفة مآلات هذه القرارات المصيرية، حيث ينظرون فى مدى الضرورة التى تدعو إليه من صد عدوان أو دفع طغيان، فيكون قرار الجهاد مدروسا من جميع جوانبه ومآلاته دراسة علمية وواقعية فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، بلا جبن أو خور أو ضعف، وبلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة خرقاء لا يحكمها خطام الحكمة أو زمام التعقل، وهم مثابون فيما يجتهدون فيه من ذلك على كل حال، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد، وإن قصروا فعليهم الإثم، وليس لأحد أن يتورك عليهم فى ذلك إلا بالنصيحة والمشورة إن كان من أهلها، فإن لم يكن من أهلها فليس له أن يتكلم فيما لا يحسن، ولا أن يبادر بالجهاد بنفسه وإلا عُدّ ذلك افتئاتا على الإمام.

وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد، ولو كلف مجموع الناس بالخروج فُرادى من غير استنفارهم من قبل ولى الأمر لتعطلت مصالح الخلق واضطربت معايشهم، وقد قال تعالى فى كتابه الكريم من سورة التوبه ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ومع ما فى هذا التصرف مِن الوقوع فى الهلكة، وإهمال العواقب والمآلات، والتسبب فى تكالب الأمم على المسلمين، وإبادة خضرائهم، والولوج فى الفتن العمياء والنزاعات المهلكة بين المسلمين التى تفرزها قرارات القتال الفردية الهوجائية هذه، ومن المعلوم شرعا وعقلا وواقعا أن التشتت وانعدام الراية يُفقد القتال نظامه من ناحية، ويُذهب قيمه ونبله ويشوش على شرف غايته من ناحية أخرى، وإن الجهاد له أربع مراتب.

وهما جهاد النفس، والشيطان، والكفار والمنافقين، وأصحاب الظلم والبِدع والمنكَرات، وأما عن جهاد النفس، فقد تكلم العلماء في نوعي الجهاد، الظاهر والباطن لأهمية النوعين خصوصا الباطن، وقد قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، لمن سأله عن الجهاد " ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها " وقال بقية بن الوليد " اخبرنا إبراهيم بن ادهم حدثنا الثقة عن علي بن أبي طالب قال " أول ما تنكرون من جهادكم جهادكم أنفسكم " وروى سعد بن سنان عن أنس عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال " ليس عدوك الذي إذا قتلته ادخلك الجنة، واذا قتلته كان لك نورا، اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك " وقال أبو بكر الصديق لعمر حين استخلف " إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك "

فهذا الجهاد يحتاج أيضا إلى صبر، فمن صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه غلبه وحصل له النصر والظفر، وملك نفسه، فصار عزيزا ملكا، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك، غلب وقهر وأسر، وصار عبدا ذليلا أسيرا في يدي شيطانه وهواه، ويقول أبو محمد عبد الله بن أبي مرة في بهجة النفوس " الجهاد الأصغر وهو جهاد العدو، وكذلك الأمر في الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس، وقد أشار الله عز وجل فى كتابه الكريم لذلك بقوله (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) فمهما كبر الأمر جعل الفرج فيه أكبر، لأن أمر الشيطان والنفس أكبر، فجعل في الشيطان والظفر به نفس الملجأ كما أخبر عز وجل، وجعل في النصرة على النفس الأخذ في مجاهدتها على لسان العلم، فقال عز وجل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)

وجعل سبب العون على مجاهدتها حقيقة الاستعانة به عز وجل بقوله تعالى (إياك نستعين) فجهاد النفس أربع مراتب أيضا إحداها، أن يجاهدها على تعلم الدين، وأن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وأن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله البينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله، وأن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله تعالى، وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله تعالى، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات، وأما عن جهاد الشيطان، فهو مرتبتان إحداهما، جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد.

من الشبهات والشك في الإيمان، وكذلك جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر وقد قال الله تعالى ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون ) فأخبر الله عز وجل، أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات، وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب الأولى، وهى باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه، فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله " الجهاد أقسام، بالنفس، والمال، والدعاء، والتوجيه والإرشاد.

والإعانة على الخير من أي طريق، وأعظم الجهاد هو الجهاد بالنفس، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه، والدعوة كذلك من الجهاد، فالجهاد بالنفس أعلاها، وقد قال ابن القيم في زاد المعاد، أن النبى صلى الله عليه وسلم، أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أول نبوته فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه (يا أيها المدثر قم فأنذر) فنبأه بقوله (اقرأ ) وأرسله بقول (يا أيها المدثر ) ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح، ثم أذن له في الهجرة، وأذن له في القتال، ثم أمره أن يقاتل من قاتله ويكف عمن اعتزله.

ولم يقاتله، ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله له سبحانه، ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، وهم أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة، يقول ابن قدامة في المغني، والجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به قوم، سقط عن الباقين، ومعنى فرض الكفاية الذي إن لم يقم به من يكفي أثم الناس كلهم وإن قام به من يكفي سقط عن سائر الناس، فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع كفرض الأعيان، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات، في قول عامة أهل العلم، ويقول بن باز في فتاوى ابن باز، أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين، وعلى جميع المسلمين أن يجاهدوا في نصر إخوانهم بالنفس والمال والسلاح والدعوة والمشورة، فإذا خرج منهم من يكفي، وسلم الجميع من الإثم، وإذا تركوه كلهم أثموا جميعا، فعلى المسلمين أن يبذلوا طاقتهم، والأقرب فالأقرب، فإذا حصلت الكفاية من البعض أو أكثر، فقد سقط عن الباقين.


ماذا تعرف عن التعايش السلمى فى المدينة ( الجزء الثانى )


google-playkhamsatmostaqltradent