recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

•المغالاة في المهور مكمن المفاسد والشرور•

 المغالاة في المهور مكمن المفاسد والشرور


كتب د.طارق عتريس أبو حطب


"أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة" بهذا الهدي النبوي الكريم أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إلى تيسير الزواج للراغبين فيه من الشباب و الفتيات حرصا على الحد من الفاحشة و تجريما للرذيلة و محاولة لإيجاد حلول مستقبلية ناجحة لنفشي ظاهرة العنوسة ويعتبر هذاالحديث الشريف علاجا عمليا ناجحا لوأد الظاهرة في مهدها قبل أن تتوغل ويصعب حلها حيث تتباين الموروثات الحضارية و الأعراف و التقاليد في مجتمعاتنا العربيةبحسب للبعدالثقافي ،والاجتماعي  إلا أنها اتفقت في البذخ في مؤن النكاح والمفاجأة غير المبررة في المهور؛ منا أدى إلى الارتفاع المطرد في تأخر سن الزواج و زيادة معدلات العنوسة إلى الحد المخيف الذي يجعلنا ندق نواقيس الخطر و أجراس الإنذار قبل تفاقم الأمر و الوقوع في هاوية المحظور ،فمن سنن الله في خلقه أن شرع لهم الزواج( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا و جعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )وجعل الله هذا السبيل أصلا و طريقا لبقاء النوع الإنساني وحفظه،كما جاء التصريح النبوي الشريف مفتاحا للزواج الميمون " تناكحوا ،تناسلوا،فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة"فجعل الزواج و إنجاب الذرية اللينة الأولى لتكوين الأسر الصالحة التي تتكون منها المجتمعات المعمرة، كما أن الزواج هو الوسيلة الشرعيةلإشباع الرغبات الإنسانيةو تكوين العواطف النبيلة كالميل الفطري والأمومة والشعور بالانتماء و الاستقرار، حيثُ يؤدي  حرمان الإنسان منها إلى الكبت وحدوث نوع من الاضطراب النفسي والسلوكي ،و مخالفة ما أوصى به الشرع الحكيم من الترغيب في الزواج لحفظ النفس من أغوال رغباتها المكنونة وشهواتها المكبوتة على لسان أسعد الخلق و حبيب الحق رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم"يا معشر الشبابمن استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه لهوجاء).وتأكيدا على قاعدة  الحدمن المغالاة في المهور, وتيسير الزواج على الشباب جاء توجيه النبي صلى اللهُ عليه وسلم حينما قال لرجل أراد الزواج" التمس ولو خاتماً من حديد " فالتمس فلم يجد شيئاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم سورة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زوجتكما أو قال ملكتكها بما معك من القرآن "،وقال له رجل "يا رسول الله إني تزوجت امرأة على أربع أواق يعني مائةوستين درهماً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه "فهذا تشريع تتجلى فيه الحكمة النبوية السديدة  لأن تيسير أمرالزواج للشباب من شأنه صونهم من الزلل،والانحراف والوقوع في براثن المعصية ،ومخالب الرذيلة،لكن- رغم كل هذه التوجيهات النبوية- تتكسر أحلام الشباب على صخور  تلك الأعراف العاتية،والحجج الواهية،و التقاليد العمياء التي تفرض مهوراَ باهظة وتتّبع عادات مفزعة تأصلت ونمت منذ زمن سحيق وعلى فترات متباعدة و نحو تدرُّجي،فهي ليست مستحدثة، أوليدة عشيةٍ وضحاها؛ ذلك أن الإسراف والبذخ في الاحتفاء بالأعراس موجود منذ القدم ، لأدى لدفع العائلات دفعالطلب مهورخيالية من الراغبين في خطبة بناتهم بدعوى مجاراة العرف السائد مما يؤدي إلى مزيد من الضياع والانحراف والآثار النفسية التي يسببها الكبت ،حيث تستحيل أحلامهم رماداً تذروه الرياح, وخططهم التي لطالما رسموها و زينوها بالأطر الورديةسرعان ما تصيرُ مستنقعاتٍ من اليأس، وخيبات أملٍ متلاحقة،وتتحول عقولهم إلى معاول للهدم والتدمير ؛بسبب امتناع الأولياء من قبول الخطاب، فإن بعض الأولياء يمتنع من تزويج من له عليها ولاية، وهذا لا يجوز إذا كان الخاطب كفؤاً ورضيته المخطوبة لقوله تعالى في المطلقات إذا أراد زوجها نكاحها بعد تمام العدة (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه، قال: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ثلاث مرات. لأن منع المرأة من الزواج بكفئها يترتب عليه ثلاث جنايات، جناية الولي على نفسه بمعصية الله ورسوله، وجنايته على المرأة حيث منعها من كفئها الذي رضيته، وجناية على الخاطب حيث منعه من حق أمر الشارع بإعطائه إياه. وإذا امتنع الولي من تزويج موليته بكفء رضيته سقطت ولايته وصارت الولاية لمن بعده الأحق فالأحق وقد قرر فقهاؤنا أن الولي إذا تكرر ذلك منه صار فاسقاً ناقص الإيمان والدين، حتى جعلوه لا تقبل شهادته، ولا تصح إمامته، ولا ولايته ،ولا جميع أفعاله وتصرفاته فالعبرة إذن في النكاح ليست بنفاسة المهر و كثرته أو قلته ؛ بل الخير كل الخير في امتثال أمر الله جل وعلا

(وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) حتى لا تكون فتنا مهلكة ،لاسبيل للنجاة منها إلا بتطبيق ما قرره الشارع الحكيم على لسان النبي محمد صلى الله عليه وسلم "إذا أتاكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه "وأن نتخلص من تبعات الأعراف الواهية تحقيقا لمجتمع مثالي متكامل

•المغالاة في المهور مكمن المفاسد والشرور•
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent