ماذا تعرف عن معركة الخازر (الجزء الرابع)
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع معركة الخازر، وقد توقفنا عندما سرح عبد الله بن زهير السلولي وهو على فرس له يتأكل تأكلا، فقال قرب على فرسك حتى تأتيني بخبر هولاء، فانطلق، فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء، فقال قد خرج القوم على دهش وفشل، لقيني رجل منهم فما كان له هجيري إلا يا شيعة أبي تراب، يا شيعة المختار الكذاب، فقلت ما بيننا وبينكم أجل من الشتم، فقال لي يا عدو الله، إلام تدعوننا، أنتم تقاتلون مع غير إمام، فقلت له بل يالثارات الحسين، ابن رسول الله، ادفعوا إلينا عبيد الله بن زياد، فإنه قتل ابن رسول الله وسيد شباب أهل الجنه حتى نقتله ببعض موالينا الذين قتلهم مع الحسين، فإنا لانراه لحسين ندا فنرضى أن يكون منه قودا، وإذا دفعتموه إلينا فقتلناه ببعض موالينا الذين قتلهم جعلنا بيننا وبينكم كتاب الله، أو أي صالح من المسلمين شتم حكما، فقال لي، قد جربناكم مرة أخرى في مثل هذا ويعني الحكمين، فغدرتم، فقلت له وما هو؟
فقال قد جعلنا بيننا وبينكم حكمين فلم ترضوا بحكمهما، فقلت له ما جئت بحجة، إنه كان صلحنا على أنهما إذا اجتمعنا على رجل تبعنا حكمهما، ورضينا به وبايعناه، فلم يجتمعا على واحد، وتفرقا، فكلاهما لم يوفقه الله لخير ولم يسدده، فقال من أنت؟ فأخبرته، فقلت له من أنت؟ فقال عدس، لبغلته يزجرها، فقلت له ما أنصفتني، هذا أول غدرك، قال، ودعا ابن الأشتر بفرس له فركبه، ثم أمر بِأصحاب الرايات كلها، فكلما مر على راية وقف عليها، ثم قال يا أنصار الدين، وشيعة الحق، وشرطة الله، هذا عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين بن علي، ابن فاطمة بنت رسول الله، حال بينه وبين بناته ونسائه وشيعته وبين ماء الفرات أن يشربوا منه، وهم ينظرون إليه، ومنعه أن يأتي ابن عمه فيصالحه، ومنعه أن ينصرف إلى رحله وأهله، ومنعه الذهاب في الأرض العريضة حتى قتله وقتل أهل بيته، فوالله ما عمل فرعون بنجباء بني إسرائيل ما عمل ابن مرجانة.
بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قد جائكم الله به، وجاءه بكم، فوالله إني لأرجو ألا يكون الله جمع بينكم في هذا الموطن وبينه إلا ليشفي صدوركم بسفك دمه على أيديكم، فقد علم الله أنكم خرجتم غضبا لأهل بيت نبيكم، فسار فيما بين الميمنة والميسرة، وسار في الناس كلهم فرغبهم في الجهاد، وحرضهم على القتال، ثم رجع حتى نزل تحت رايته، وزحف لقوم إليه، وقد جعل ابن زياد على ميمنته الحصين بن نمير السكوني، وأما عن الحصين بن النمير فهو الحصين بن نمير بن نائل السكوني الكندي، وكان قائدا عسكريا في الدولة الأموية وأما عن تفاصيل حياته فهى غير معروفة إلا أنه قاتل في موقعة صفين وكان قائد قسم من جيش مسلم بن عقبة الذي استباح المدينة المنورة ثم قاد بقية الجيش عقب وفاة ابن عقبة المري وفق رغبة يزيد بن معاوية وحاصر عبد الله بن الزبير.
وضرب الكعبة بالمنجنيق، وقاتل في ثورة التوابين وقتل حبيب بن مظاهر الأسدي وعلق رأسه على رقبه حصانه، وكان له دور كبير في جمع القبائل اليمانية في الشام لنصرة مروان بن الحكم وله أثر بارز في معركة مرج راهط، وقد أختلفت المصادر في وفاته فمن الإخباريين من قال أنه قُتل من قبل إبراهيم بن الأشتر النخعي متأثرا بجراح أصابته ومنهم قال أنه قُتل خلال ثورة المختار الثقفي، وونعود إلى ميدان المعركة فكان الحصين على ميسرتة عمير بن الحباب السلمى، وشرحبيل بن ذي الكلاع على الخيل وهو يمشي في الرجال، فلما تدانى الصفان حمل الحصين بن نمير في ميمنة أهل الشام على ميسرة أهل الكوفة، وعليها علي بن مالك الجشمي، فثبت له هو بنفسه فقتل، ثم أخذ رايته قرة بن علي، فقتل أيضا في رجال من أهل الحفاظ قتلوا وانهزمت الميسرة، فأخذ راية علي بن مالك الجشمي عبد الله بن ورقاء بن جنادة السلولي ابن أخا حبشى بن جنادة.
وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبل أهل الميسرة حين انهزموا، فقال إلي يا شرطة الله، فأقبل إليه جلهم، فقال هذا أميركم يقاتل، سيروا بنا إليه، فأقبل حتى أتاه وإذا هو كاشف عن رأسه ينادي، يا شرطة الله، إلي أنا ابن الأشتر، إن خير فراركم كراركم، ليس مسيئا من أعتب، فثاب إليه أصحابه، وأرسل إلي صاحب الميمنة، احمل على مسيرتهم، وهو يرجو أن ينهزم لهم عمير ابن الحباب كما زعم، فحمل عليهم صاحب الميمنة، وهو سفيان بن يزيد ابن المغفل، فثبت له عمير بن الحباب وقاتله قتالا شديدا، فلما رأى إبراهيم ذلك قال لأصحابه، أموا هذا السواد الأعظم، فوالله لو قد فضضناه لانجفل من ترون منهم يمنة ويسرة انجفال طير ذعرتها فطارت، وقال ورقاء ابن عازب، مشينا إليهم حتى إذا دنونا منهم أطلعنا بالرماح قليلا ثم صرنا إلى السيوف والعمد فاضطربنا بها مليا من النهار فوالله ما شبهت ما سمعت.
بيننا وبينهم من وقع الحديد، إلا مياجن قصارى دار الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وقال فكان ذلك كذلك، ثم إن الله هزمهم، ومنحنا أكتافهم، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وقيل أن اسم أبي معيط هو أبان بن أبي عمرو، وقد اسم أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، وقد قيل إن ذكوان كان عبدا لأمية فاستلحقه، وكانت أمه هى أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهى أم عثمان بن عفان، فالوليد أخو عثمان لأمه، وقد أسلم يوم الفتح الأعظم وهو فتح مكة هو وأخوه خالد بن عقبة، وكان يكنى الوليد أبا وهب، وقد قال أبو مخنف وحدثني الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق أن إبراهيم بن الأشتر كان يقول لصاحب رايته انغمس برايتك فيهم، فيقول له إنه جعلت فداك، ليس لي متقدم، فيقول بلى، فإن أصحابك يقاتلون وإن هؤلاء لا يهربون إن شاء الله، فإذا تقدم صاحب الراية برايته شد إبراهيم بسيفه فلا يضرب به رجلا إلا صرعه.
وكرد إبراهيم الرجال من بين يديه كأنهم الحملان، وإذا حمل برايته شد أصحابه شدة رجل واحد، وقال أبو مخنف، حدثني المشرقي أنه كان مع عبيد الله بن زياد يومئذ حديدة لا تليق شيئا مرت به، وأنه لما هزم أصابه حمل عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري أختة هند بنت أسماء بن خارجة الفزارية وكانت امرأة عبيد الله بن زياد فذهب بها وأخذ يرتجز ويقول إن تصرمى حبالنا فربما، أرديت في الهيجاء الكمى المعلما، وأما عن أسماء فهو، أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وكنيته أبو حسان الكوفي، وكان من أشراف العرب وسادتهم، وقد عرف عنه الجود والسخاء وله قصص كثيرة بالكرم، وكانت بنته هند زوجة للحجاج بن يوسف، وابنه مالك بن أسماء من ولاة الحجاج بن يوسف، وعماله، وقد عرف أسماء واشتهر لدى أصحاب المصادر وكتب التراجم، بكونه من كرماء العرب وحلمائهم في الإسلام، وقد ُعنيت المصادر بأخباره.

