recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

د. ممدوح سالم يكتب: العربية لغة فكر وأدب وحضارة

 د. ممدوح سالم يكتب: العربية لغة فكر وأدب وحضارة  

من منطلق المفهوم العام للتفكير بأنه "إعادة تنظيم ما يعرفه الفرد في أنماط جديدة؛ وذلك بإيجاد علاقات جديدة لم تكن معروفة من قبل، إثر اكتساب مدخلات جديدة" يؤكد العلماء على أن هناك علاقة كبيرة بين اللغة والتفكير، فنحن إذ نفكر باللغة، ونترجم تفكيرنا وننقله إلى الآخرين عن طريق اللغة.. ومن ثم، استوجب ذلك فهم دور اللغة بوصفها من أهم وسائل تطوير الفكر وصناعته؛ الأمر الذي يمكن معه أن يترتب عليه مصير حياة الأفراد، بل الدول...

إذن، أدعوكم إلى قراءة هذا التحليل اللغوي لمعنى (العربية) التي جاءت وصفًا للغة التي اختار الله أن تكون ألفاظها الشريفة وعاء لكلامه عز وجل، فكانت لغة القرآن الكريم.

كنت قد تحدثت قبل أعوام في ملتقي اللغة العربية، وقدمت له  خاصة في الملتقي السادس العام الماضي؛ عن أن العربية تعني القوة والتمام والكمال والخلو من النقص والعيب..؛

 إذن العربية ليست مجرد نسبة إلى (العرب) الذين يسكنون البادية أو شبه الجزيرة يومئذ؛ بل هي وصف راقٍ للغة تتصف بالفصاحة والبيان والتمام، وتلك حالها مما يعرفه أهل العربية من الثقات والباحثين.

ولما كثر الحديث مؤخرًا عن معنى (العربية) و (الأعراب) في ملتقيات عدة، طلب مني الزملاء توثيق رؤيتي التي تذهب إلى أن وصف اللغة بالعربية يعني القوة والتمام والكمال وهذا هو المراد من نعت القرآن بالعربي.. لذا كانت تلك الجولة التي أصطحبكم فيها  في ساحة ذلك المعنى؛ لنرى ماذا تعني كلمة عرب؟

ذكر ابن فارس الرازي (ت395هـ) في (مقاييس اللغة) قوله: "فأمّا الأمَّة التي تسمَّى العربَ فليس ببعيدٍ أن يكون سمِّيت عَرَبا من هذا القياس لأنَّ لسانَها أعْرَبُ الألسنة، وبيانَها أجودُ البيان.

وممّا يوضِّح هذا الحديثُ الذي جاء: "إنَّ العربيَّة ليست بابًا واحدًا، لكنّها لسانٌ ناطق". 

وممّا يدل على هذا أيضاً قولُ العرب: ما بها عَرِيبٌ، أي ما بها أحدٌ، كأنَّهم يريدون، ما بها أنيس يُعرِب عن نفسه. قال الخليل: العَرَب العاربة هم الصَّريح.

والأعاريب: جماعة الأعراب.

ورجلٌ عربيّ. قال: وأعرب الرّجُل، إذا أفَصَح القَولَ، وهو عَرَبانيُّ اللِّسان : فصيح.

وأعرب الفرس: خَلَصت* عربيّتُه وفاتَته القِرْفة .

والإبل العِرابُ، هي العربية.  

إذًا كلمة (عربي) تعني: التمام والكمال والخلو من النقص والعيب.

والسؤال: أليست لها علاقة بالعرب بوصفها قومية ونسبًا؟

والجواب بالنفي، ولنتأمل قوله تعالي (قرآنا عربيًا) في قوله تعالى {إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون}    (2)يوسف؛  أي قرآنًا تامًا كاملًا فصيحًا بيّنًا؛ ووصفه بالعربية يعني إذًا: قرآنا تامًّا خاليًا من النقص والعيب. 

  ويؤكد ابن كثير هذا المعنى في وقوفه على تلك الآية "وذلك لأنه لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب، بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان‏"‏فكمل من كل الوجوه". تفسير ابن كثير.

أمّا تفسير كلمة (عُرُبَاً) - بضم العين والراء وفتح الباء - والتي وردت وصفًا للحور العين في قوله تعالى:{فجعلناهنَّ أبكارا، عُربًا أترابًا لأصحاب اليمين} ؛ (35) الواقعة..  قال أهلُ التَّفسير: هنَّ المتحبِّبات إلى أزواجهنّ.والعَرْب، بسكون الراء: النَّشاط  معجم مقاييس اللغة؛ وهو ما يعني وصف الحور بالجلاء ولتمام والخلو من العيب والنقص.

والسؤال هنا، وماذا عن  (الأعراب)؟

أقول: إن (الأعراب) الذين ورد ذكرهم في القرآن في قوله تعالي {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} . (14) الحجرات

هم أولئك النفر الذين يوصفون، في الغالب، بعدم اللطف في السلوك قولًا وفعلًا، وهم أسرع حُكمًا على الأمر دون تروٍّ ولطف وتدقيق، وليسوا هم كل سكان البادية على إطلاقهم، وإن كانوا من سكانها؛ وفي العموم، لا يمكن تصور أن القرآن الكريم يذمهم من منطلق عرقي أو عصبي؛ لأن القرآن أرفع وأسمى من هذا السياق. 

 قال البعض من الباحثين معززًا ذلك الاتجاه، ولو كان المقصود بالأعراب سكان البادية لوصفهم الله تعالى بالبدو كما جاء على لسان يوسف: {وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي}  (100) يوسف.

 يذهب البعض إلى أن اللغة العربية التي هي لغة القرآن ليست لغة بشرية أصلًا بل هي لغة السماء التي علَّم الله بها آدم الأسماء كلها ثم هبط بها الأرض وكانت هي لغة التواصل بين البشر؛ وهي عندي لغة فوق اللغة التداولية لفظًا ومعنى ودلالة وغاية؛ وفي الأخير، تلك هي هندسة اللغة الربانية على حد وصف شيخنا الجليل محمد الغزالي رحمه الله.

google-playkhamsatmostaqltradent