recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

أهوال يوم القيامة " الجزء الثالث" .. حال المؤمنين في يوم القيامة

الصفحة الرئيسية

أهوال يوم القيامة " الجزء الثالث" ..  حال المؤمنين في يوم القيامة  

 



كتبت ـ ســـوسن محمـــود


غير أن الله -تعالى يلطف- بعباده المؤمنين في ذلك اليوم، ولذلك هناك أناس في ظل العرش، وهناك أناس تضلل عليهم قراءتهم للبقرة وآل عمران؛ لأنه قال: تأتيان كغمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صواف، فتضللان على صاحبهما [رواه مسلم: 804].

القراءة التلاوة هذه تأتي كالغمامة تضلل على صاحبها، فالناس يحتاجون جداً إلى ظل من هذا الكرب، من هذا العرق، هذا اليوم الطويل خمسون ألف سنة فيه هذه المواقف العظيمة، ومشاهد الحساب، وتطاير الصحف.

هذا اليوم كم طوله على المؤمنين؟ هل هم فعلاً يكونون فيه كخمسين ألف سنة، أو أنه يختلف في الطول على حسب الإيمان والعمل الصالح؟

عن أبي هريرة  عن النبي ﷺ قال: يوم يقوم الناس لرب العالمين، قال: مقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة، فيهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس إلى أن تغرب، [رواه ابن حبان:  7333 ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 3589].

تدلي الشمس يعني ميلانها إلى الغروب إلى أن تغرب، وهذا زمن يسير، في رواية أخرى روى الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة  أن النبي ﷺ قال: يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر [رواه الحاكم في المستدرك: 284، وصححه الألباني صحيح الجامع: 8193].

تغيرات العالم السفلي

ومن الأهوال التي تكون أيضاً يوم القيامة دك الأرض، فإذا تشققت السماء، وتفطرت، ومارت، أي: دارت واضطربت، فلا عجب أن تضطرب أحوال الأرض وتتغير، فالأرض ثابتة وراسية بالجبال، 

وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا[النازعات:32] ، 

فهي أوتاد تثبت الأرض، فإذا زالت الجبال فماذا سيحدث للأرض؟ 

قال تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة: 1]، 

كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا[الفجر: 21]، 

والدك الكسر والدق، والزلزلة الحركة العظيمة التي تكسر كل شيء على ظهر الأرض، فدكت جبالها، وهضباتها، ومرتفعاتها حتى استوت، ودكت استوت في الانفراش فذهبت دورها وقصورها وجبالها وسائر أبنيتها، وسميت الدكان دكاناً لاستوائه في الانفراش، وهذا معنى قول ابن مسعود : "تمد الأرض مد الأديم". [تفسير القرطبي: 20/54].

كالبساط، وقد نص القرآن الكريم على أن الأرض بجبالها ستدك مرة واحدة، قال: 

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ۝ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ۝ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ

 [الحاقة: 13 - 15].

قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "أول ذلك أن ينفخ إسرافيل في الصور إذا تكاملت الأجساد نابتة نفخة واحدة، فخرجت الأرواح، فتدخل كل روح في جسدها". [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 1/883].

فإذاً بين النفختين   

 ينزل الله من السماء ماء كالطل، أو مطراً كالرش الخفيف، فينزل على الأرض وفيها عجب الذنب من كل إنسان موجود باق منه يركب الخلق فينبت كل جسد من هذا العظم الصغير المستدق، فإذا تكاملت الأجساد بين النفختين أمر الله إسرافيل بالنفخة الثانية، فتطير الأرواح وتدخل في الأجساد، وعند ذلك يقومون من قبورهم، قال: "فخرجت الأرواح فتدخل كل روح في جسدها فإذا الناس قياماً لرب العالمين". [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 1/883].

 وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، أي: فتتت الجبال بالأرض، ونسفت عليها فكان الجميع  قَاعًا صَفْصَفًا ۝ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا 

[طه: 106-107].

وقد بينت الآيات التحولات التي ستكون للجبال، قال : 

يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا [المزمل: 14]، أي: تصبح ككثبان الرمل بعد أن كانت صلبة صماء، والرمل المهيل: هو الرمل إذا أخذت منه شيئاً تبعك ما بعده، الرمل إذا أخذت منه شيئاً انحدر ما بعده، هذا الرمل المهيل.

فلله كم شدة الأهوال في ذلك اليوم! وما أعظم ما يقع فيه من الأمور الثقال! فهذه الجبال الراسيات العظيمة التي يُضرب بعظمها وثباتها الأمثال قد صارت في ذلك اليوم مهيلاً، وصارت أيضاً مثل العهن وهو الصوف 

يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ۝ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ [المعارج9]، 

فتغير كل شيء عن ما كان الناس يعرفونه، فلا الناس بالناس الذين تعرفهم، ولا الأرض بالأرض التي كنت تعرفها، يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ۝ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [القارعة: 5].

فيصبح الناس في تلك الأهوال كالفراش المنتشر، والجراد الذي يموج بعضه في بعض، ويا لضيعة هذا الفراش أين يذهب؟!، فإنه يرمي نفسه هاهنا وهاهنا، فإذا كان هذا حال الناس أهل العقول، فكيف بغيرهم؟

فهذه الجبال الصم الصلاب تكون كالعهن المنفوش، يعني: كالصوف المنفوش الذي بقي ضعيفاً جداً يتطاير من الرياح، ثم ينسفها الله فتكون هباءً منثوراً، وتضمحل لا يبقى منها شيء، ويبقى مكان هذه الجبال خاوياً خالياً قاعداً مستوياً وتصبح الأرض سطحاً واحداً ليس فيه ارتفاع، ولا انخفاض، فحينئذ تنصب الموازين، وينقسم الناس قسمين: سعداء وأشقياء، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فإذاً نسف مهيل، وكالعهن المنفوش،فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا 

۝ لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ۝ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ۝ يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ۝ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ۝ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه: 105-111].

والبحار تتفجر وتشتعل ناراً، 

قال ابن عباس : "فجر الله بعضها في بعض"، وقال الحسن: "فجر الله بعضها في بعض فذهب مائها"، وقال قتادة: "اختلط عذبها بمالحها". [تفسير ابن كثير: 8/341].

وهذا التفجير للبحار الهائلة الذي تسجر وتشتعل على إثره، وتنقلب جحيماً مضطرباً، وتزلزل الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة1] ، 

ولذلك يكون يوم الزلزلة، إنها ليست زلزلة بلدة، ولا قرية، ولا ناحية، ولا موضع، زلزلت الأرض جميعاً.

وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا [الزلزلة: 2]

فترجف وترتج حتى يسقط كل ما عليها، وأخرجت ما في بطنها من الأموات والكنوز، وَقَالَ الْإِنْسَانُ إذا رأى ذلك مستعظماً مما هاله مَا لَهَا أي: شيء عرض لها،  يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا فتشهد بما عمل عليها العاملون من خير أو شر، ويأمرها ربها أن تتكلم وتخبر بما حصل عليها فلا تعصي أمره، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ۝ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا[الزلزلة: 3 - 5] ، 

فـيَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة: 6] ويكون أهل السعادة أصحاب الموازين الثقيلة، وأهل الشقاوة الذي خفت موازينهم، ويكون الحساب والوزن دقيقاً حتى الذرة، لا يأخذ أحد شيئاً من الكنوز التي في الأرض.

يقول النبي ﷺ: تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الْأُسْطُوَانِ من الذهب والفضة.. [رواه مسلم: 1013].

ما معنى الْأُسْطُوَانِ؟ الْأُسْطُوَانِ القطع المدفونة فيها، الاسطوانة هي السارية أو العمود، شبه الكنوز التي في الأرض بالأسطوان لكثرته وعظمه، تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الْأُسْطُوَانِ من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت، قطع ماذا؟ قطع رحمه، هذه رواية مسلم.

عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله ﷺ: تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً[رواه مسلم: 1013].

إذاً: المال سبب الاختلاف والقتل والسرقة والاعتداء وقطع الرحم، فالأرض تقيء ما فيها تخرج كل ما فيها من الكنوز، كل الذهب والفضة أمثال الأسطوان، أسطوانات كالأعمدة تخرجها، كالسارية والعمود، وتشهد بما عُمل عليها

نتابع بإذن الله الجزء الرابع من سلسله أهوال يوم القيامة.


أهوال يوم القيامة " الجزء الثالث" ..  حال المؤمنين في يوم القيامة




google-playkhamsatmostaqltradent