recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

دكتور أحمد مصطفى يكتب: نبرة الحزنفي قصيدة الشاعر طارق عتريس أبوحطب ( أطلال قلب )

 


 كل نفس تؤمن بلحظات الحزن التي تعتريها بقدر إيمانها بلحظات السعادة التي تهز النفس وتعانق العاطفة ، ويبقى الإبداع سبيلها للخلاص من حيرتها بين الحزن والسعادة ،

فالحياة بدونه مضطربة والقلب منكسر والعقل مشوش ،ويصبح الجسم كأوراق الخريف ذابلا يائسا ، وكأنه في كهف مظلم ،لايفرق بين نظرات الرضى ونظرات السخط .

وحين يشعر بالطمانينة وخيرية الذات ، يؤنسه الإبداع بما حولنا ويجعله يذوق للحياة حلاوة بفكر سام وعاطفة رقيقة وحلم سعيد وروح مطمئنة فلا انكسار ولا اضطراب ولاتشوش بل قوة تملا القلب سرورا.

وفي قصيدته ، مازال (طارق) يبحث عن مدينته الفاضلة ، ويبث آهاته ، بمطلع يكشف عن حالته النفسية ، وعن شجونه وبحثه عن الذات ..يقول: 

باتت شموعي في سحيق غياهب 

و الفجر أطلال لحلم كاذب 

و القلب صب في دروبك هائم 

و العمرغيم في ظلال سحائب

و النفس تهفو  للسراب  و ليتها 

تحظى بلقيا  للحبيب الغائب 

والشعر يشدو  للأماني  لحنها 

و الصفو  يسلونا  فليس  بآيب

وهذا الإحساس  يحيط به عندما يأتي عليه  حين من الدهر ينسى أو يتناسى أشياءً - رغم أنفه – ولايبقى له إلا بقايا ذكريات ،فتتغير مهمته في الحياة ،ويظن أنه لايعيش لنفسه ، هنا يدرك أن شعورا ما يكتنفه فيكتشف ذاته من جديد

 لكنه في ظل هذه النظرة القاتمة للحياة ، يلجا للجمل القصيرة المعبرة (الفجر أطلال –القلب صب-العمر غيم ) ثم يحاول أن يتخطى أسواره ، فيعطي التجدد  والاستمرار للنفس  والشعر والصفو، وهو استمرار لصورته القاتمة ، البائسة اليائسة، الباحثة عن الود ، والحب، والسعادة .

 يحيا الفؤاد  على الوداد  و نبضه 

يرنو إلى اللقيا بلحظ خائب 

و الحب يشقى بالمواجع كلها 

و يتوق  شوقا للزمان الثاقب 

لا الفجر يأتي لا فؤادك راحمي 

لتعود روح للفؤاد الذائب

 ويبدو الشاعر  حلو اللفظ والمعنى ، حين يحاول أن يؤكد أن  حياة كل منا بها فراغ لايملؤه علم ولاثقافة ولاسياسة ولافلسفة ، وحدها المشاعر التي تسري من النفس إلى النفس وليست في حاجة إلى أفعال تظهرها.

وتتباين الرؤى عند استواء الفكرة فتمنح النفس قوة تتصل بالباطن وترتبط بأناشيد الحياة ،إلا أن الكلام في الحب لايحفظ ولايعاد ولايستعار فهو ابن حالته ولحظته ،والمرء لايرى الحب جميلا بقدر مايشعر أن في قلبه أشياء قد عرفها بهذا الحب وأن في حياته أوقاتا متوهجة فيقع له التجلي ليلا والإشراق نهارا..

رفقا بقلب تصطفيه مواجع

و رغم أوجاعي فلست بتائب

أيطول وجد كم غذته مدامع

و ينال مطلوب بلوعة طالب

لهفي على عمر تولى بائسا

يشقى بسهم من لحاظ الصائب

وحين يطرح الإنسان على نفسه سؤلا ولايجد جوابا حين تكون كلمته في ذهنه تحمل كلمات ويندرج تحتها رؤي ، تتغلغل الأشواق إلى جوف العقل والقلب والوجدان ،وتذوب في باطن الأشياء ممتزجة برؤيته،هنا تصبح الأحلام حقائق والخيال واقعا يثري الحياة بكل مايطويها ويتنامى معها الشعور وتلتقي المفاهيم وتختفي الأوهام.. 

الكون يزهو بالعبير و ينتشي

و أنا رهين للعذاب الدائب

فاضت همومي العاثرات و ليتها

تحظى بأنس من حبيب راغب

فأنير كهف الذكريات معطرا

بأريج شوق للفؤاد العاتب

هكذا كان الفنانون القدامى يضعون لوحاتهم بيضاء فارغة ثم يتاملون الطبيعة، ليسترقوا منظرا جميلا ممتعا يأخذ اللب ويريح البال .

وأرى أن القصيدة منظر مرسوم بريشة فنان بألوانه وظلاله وملامحه..لكن الفنان يرسم الآن لوحات فيها واقع الناس الذي لايرضي حاسته ،لوحات عبارة عن بشر تاهوا في زحام الحياة فهو يرسم ليقنع نفسه أنه فنان ليمنح قلبه نبضا جديدا برغم أنه لايستطيع أن ينسى صمت الناس، فيسقط قلبه ويخفي مشاعره ويحلل ويبدع ويكشف عما صار أثرا في ضمير العصور..

دكتور  أحمد مصطفى  يكتب: نبرة الحزنفي قصيدة  الشاعر طارق عتريس أبوحطب ( أطلال قلب )
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent