recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن الصدق والصادقين؟ " الجزء الثانى عشر "

الصفحة الرئيسية

 

ماذا تعرف عن الصدق والصادقين؟ " الجزء الثانى عشر "




إعداد ـ محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الثانى عشر مع الصدق والصادقين، وقد توقفنا عند الحجاج بن يوسف الثقفى، ويروى أن الحجاج بن يوسف خطب يوما فأطال الخطبة، فقال أحد الحاضرين، الصلاة، فإن الوقت لا ينتظرك، والرب لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون، فقال الحجاج إن أقرّ بالجنون خلصته من سجنه، فقال الرجل لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله تعالى التي أنعم بها عليّ، وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله تعالى عنها، فلما رأى الحجاج بن يوسف صدقه، خلى سبيله، ونرى في سيرة السلف الصالح حرصهم الشديد على الصدق، فهذا الشيخ عبدالقادر الجيلاني يقول عقدت أمري منذ طفولتي على الصدق، فخرجت من مكة إلى بغداد لطلب العلم، فأعطتني أمي أربعين دينارا لأستعين بها على معيشتي، وعاهدتني على الصدق، فلما وصلنا أرض همدان، خرج علينا جماعة من اللصوص، فأخذوا القافلة كلها، وقال لي واحد منهم ما معك؟ قلت أربعون دينارا، فظن أني أهزأ، فتركني وسألني آخر، فقلت معى أربعين دينارا، فأخذهم مني كبيرهم، فقال لي ما حملك على الصدق؟ فقلت عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها، فأخذت الخشية رئيس اللصوص، فصاح وقال أنت تخاف أن تخون أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله؟ ثم أمر برد ما أخذوه من القافلة، وقال أنا تائب على يدك، فقال من معه أنت كبيرنا في قطع الطريق. 

وأنت اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعا بسبب الصدق، فما احوجنا فى هذه الايام الى الصدق مع الله ثم مع أنفسنا ومع الناس لان هذا مهم لنا فمن شاب على شئ شاب عليه ومن تربى على الصدق سيعيش على الصدق وسيموت عليه ومن نشأ وتربى على الكذب سيعيش عليه ويموت عليه، فلقد قال النبى صلى الله عليه وسلم " دع ما يريبك الى ما لايريبك فان الصدق طمأنينة وان الكذب ريبة " ان الصدق يجعلك فى ثقة فى نفسك وكذلك الناس يثقون فيك أما الكذب فسيجعلك فى ريبة اى فى شك مما يجعل الناس يبعدون عنك ولا يثقون فيك، فهذا منصور ابن عمار يقول كان لي صديق مسرفا على نفسه، ثم تاب، وكنت أراه كثير العبادة والتهجد، ففقدته أياما، فقيل لي هو مريض، فأتيت إلى داره، فخرجت إلي ابنته، فقالت من تريد؟ قلت قولي لأبيك فلان، فاستأذنت لي، ثم دخلت، فوجدته في وسط الدار وهو مضطجع على فراشه، وقد اسود وجهه، وذرفت عيناه، وغلظت شفتاه، فقلت له وأنا خائف منه يا أخي، أكثر من قول لا إله إلا الله، ففتح عينيه فنظر إلى بشدة ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فقلت له ثانية أكثر من قول لا إله إلا الله، ثم قلتها له ثالثة، ففتح عينيه وقال يا أخي منصور هذه كلمة قد حيل بيني وبينها، فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قلت يا أخي، أين تلك الصلاة؟ أين ذلك الصيام؟ أين التهجد والقيام؟ فقال كان كل ذلك لغير الله، وكانت توبتي كاذبة، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني، وأذكر به.

وكنت أفعل ذلك رياء للناس، فأبى الله إلا أن يطرحه، قال فكنت إذا خلوت بنفسي أغلقت الأبواب، وأسدلت الستور، وشربت الخمور، وبارزت ربي بالمعاصي، ودمت على تلك مدة من الزمان، فأصابني مرض، وأشرفت على الهلاك، فقلت لابنتي هذه ناوليني المصحف وأخرجوني إلى وسط الدار في الفناء، قال فأخذوني إلى وسط الدار في الفناء، ومعي المصحف، فنظرت فيه وقرأت فيه، فقلت اللهم بحق كلامك هذا في هذا القرآن العظيم إلا شفيتني، وأنا أعاهدك ألا أعود إلى الذنب مرة ثانية، ففرج الله عني، فلما شفيت عدت إلى ما كنت عليه من المعاصي والذنوب، وأنساني الشيطان العهد الذي بيني وبين ربي، فبقيت على ذلك مدة من الزمن، في شهوات ولذات ومعاصى، أحارب رب الأرض والسماوات، فمرضت مرة ثانية مرضا شديدا أشرفت فيه على الموت، فأمرت أهلي وقلت أخرجوني إلى فناء الدار، وجيئوني بالمصحف، أفعل كما فعلت في المرة الأولى، فقرأت القرآن ثم رفعته إلى صدري وقلت اللهم بحرمة هذا المصحف الكريم وكلامك إلا ما فرجت عني، قال فاستجاب الله، لي وفرج عني، وعاهدت الله ألا أرجع إلى الذنب والعصيان مرة ثانية، لكني عدت وتناسيت وتغافلت، فوقعت في هذا المرض الذي تراني فيه الآن، فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كعادتي وكما تراني، ثم قلت لهم ائتوني بالمصحف لأقرأ فيه، فلما فتحت المصحف في هذه المرة، لم أر حرفا واحدا من كلامه.

فعلمت أن جبار السماوات والأرضين قد غضب علي، كم عاهدته وكم تبت وكذبت في توبتي، وكم وكم أمهلني وأعطاني من الفرص الواحدة تلو الأخرى، فعلمت أنه سبحانه قد غضب علي، فرفعت رأسي إلى السماء، وقلت اللهم فرج عني، يا جبار الأرض والسماء، فسمعت كأن هاتفا يقول تتوب عن الذنوب إذا مرضت، وترجع للذنوب إذا برئت، فكم من كربة نجاك منها، وكم كشف البلاء إذا بليت، أما تخشى بأن تأتي المنايا، وأنت على الخطايا قد دهمت، فقال منصور بن عمار فو الله ما خرجت من عنده إلا وعيني تسكب العبرات، فما وصلت الباب إلا وقيل لي إنه قد مات، فان ازمتنا اليوم ليست ازمة مالية ولا اقتصادية ولا غيرها بل هى ازمة اخلاقية وهى اننا بحاجة الى الصدق لانه سبيل النجاة فى كل زمان ومكان واذا كنا نتحدث عن سيد الاخلاق فكان معروفا بين أهله وعشيرته بالصادق الامين فلابد ان نتأسى باخلاقه ونسير على نهجه حتى نحشر معه يوم القيامة، فلسان حال الصادق يقول فليتك تحلو والحياة مريرة، وليتك ترضى والأنام غضاب، وليت الذي بيني وبينك عامر، وبيني وبين العالمين خراب، إذا صح منك الود فالكل هين، وكل الذي فوق التراب تراب، وقال ابن القيم رحمه الله، من منازل " إياك نعبد وإياك نستعين " هى منزلة الصادقين، المنزلة التي فرقت بين المؤمنين وبين المنافقين، المنزلة التي فرقت بين أهل النيران وبين أهل الجنان. 

الصدق الذي صرع الباطل وطرحه، من صال به لم ترد صولته، ومن جال به لم ترد جولته، وهو باب الدخول على الرحمن، وإن الصدق هو أصل البر، والكذب أصل الفجور، كما في الصحيحين عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال " عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فان الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا "رواه البخاري ومسلم، وإن من ثمرات الصدق هو انتفاء صفة النفاق عن الصادقين ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه كان منافقا، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " رواه البخاري ومسلم، وكذلك تفريج الكربات، وإجابة الدعوات، والنجاة من المهلكات، وكذلك التوفيق لكل خير، وكذلك حسن العاقبة لأهله في الدنيا والآخرة، وأن الصادق يرزق صدق الفراسة، فمن صدقت لهجته، ظهرت حجته، وهذا من سنة الجزاء من جنس العمل فإن الله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، فيلهم الصادق حجته، ويسدد منطقه، حتى إنه لا يكاد ينطق بشيء يظنه إلا جاء على ما ظنه، كما قال عامر العدواني" إني وجدت صدق الحديث طرفا من الغيب، فاصدقوا" 

وكذلك ثقة الناس بالصادقين، وثناؤهم الحسن عليهم، كما ذكر الله عز وجل ذلك عن أنبيائه الكرام، والمراد باللسان الصدق هو الثناء الحسن، كما فسره ابن عباس رضى الله عنهما، ومن ثمرات الصدق أيضا هو  البركة في الكسب، والزيادة في الخير، واستجلاب مصالح الدنيا والآخرة، وكذلك راحة الضمير وطمأنينة النفس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصدق طمأنينة، والكذب ريبة " رواه الترمذي، وكذلك التوفيق للخاتمة الحسنة، وإن الصدق معناه مطابقة الخبر للواقع، هذا في الأصل، ويكون في الأخبار، فإذا أخبرت بشيء وكان خبرك مطابقا للواقع قيل أنه صدق، فالخبر إن طابق الواقع فهو صدق، وإن خالف الواقع فهو كذب، وكما يكون الصدق في الأقوال، يكون الصدق أيضا في الأفعال، فالصدق في الأفعال هو أن يكون الإنسان باطنه موافقا لظاهره، بحيث إذا عمل عملا يكون موافقا لما في قلبه، فالمرائي مثلا ليس بصادق لأنه يظهر للناس أنه من العابدين وليس كذلك، والمشرك مع الله ليس بصادق لأنه يظهر أنه موحد وليس كذلك، والمنافق ليس بصادق، لأنه يظهر الإيمان وليس بمؤمن، والمبتدع ليس بصادق لأنه يظهر الإتباع للرسول الكريم صلى الله عليه وعلى وسلم وليس بمتبع، فالمهم أن الصدق مطابقة الخبر للواقع وهو من سمات المؤمنين، ومن صفاتهم، وعكسه الكذب وهو من سمات المنافقين ومن خصالهم، فينبغي عليك أن لا تستحيي من الخلق.

وألا تبارز الخالق سبحانه وتعالى بالكذب، قل الصدق ولا تبالي بأحد، وأنت إذا عودت نفسك الصدق، فإنك في المستقبل سوف تصلح حالك، أما إذا أخبرت بالكذب وصِرت تكتم عن الناس وتكذب عليهم، فإنك سوف تستمر في غيك، ولكن إذا صدقت فإنك سوف تعدل مسيرك ومنهاجك، فعليك بالصدق فيما لك وفيما عليك، حتى تكون مع الصادقين الذين أمرك الله أن تكون معهم وإن أفضل الصديقين على الإطلاق أصدقهم، وهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه، عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة، الذي استجاب للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، حين دعاه إلى الإسلام ، ولم يحصل عنده أي تردد وأي توقف، فبمجرد ما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى الإسلام أسلم، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين كذبه قومه، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبر عن الإسراء والمعراج وكذبه الناس وقالوا كيف تذهب يا محمد من مكة إلى بيت المقدس وترجع في ليلة واحدة، ثم تقول إنك صعدت إلى السماء؟ فهذا لا يمكن، ثم ذهبوا إلى أبي بكر رضي الله عنه وقالوا له أما تسمع ما يقول صاحبك؟ قال أبى بكر وماذا قال؟ قالوا له إنه قال كذا وكذا، فقال أبى بكر الصديق رضي الله تعالى عنه " إن كان قال، فقد صدق" فمنذ ذلك اليوم سُمى بالصديق رضي الله عنه، وأما الكذب فإن النبي الكريم صلى الله عليه، وسلم، حذر منه، فقال " وإياكم والكذب " ومعنى إياكم هو  للتحذير، أي احذروا الكذب والكذب هو الإخبار بما يخالف الواقع. سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل.



ماذا تعرف عن الصدق والصادقين؟ " الجزء الثانى عشر "



google-playkhamsatmostaqltradent