recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

عند منتصف الليل

عند منتصف الليل 




بقلم  /داليا السبع 

يستنزفني الصمت، وتتثاقل بين الأضلاعِ الهمومُ ويكتظُ على ميناءِ أحزانيِ أرواحٌ عابرة ٌ ، هاربةٌ أنا ضالةٌ شريدةٌ ، ألوحُ لشعاعِ الأملِ هل سأستفيقُ يوماً على أرضٍ خضراء لأودعَ مااغتالتهُ الأقدارُ وحطمتهُ إرادةُ إنسانٍ تلبّسَ جسدَ شيطان ، أهرولُ في طرقاتِ الشوارعِ ، أتعثرُ وأقعُ ويتناثرُ ما بحقيبتيِ ، أنظرُ إلى ساقي الجريحةِ أحاولُ أن اتغلَّبَ على وجعي، فالجراحُ أعمقُ بكثيرٍ ب قلبِ الروحِ ، أتسألُ هل تراهُ يلاحقني ؟! أشعرُ بأنفاسهِ وهى تنفثُ كفحيحِ ثعبانٍ عملاقٍ سكنَ مدينةَ 


ما ، ابتلعَ جميعَ من فيها ، ولم يتبقى سواي ! إلى متى سيقَيدكِ المجهولُ 


إلى متى تحاولينَ الخلاصَ من شباكِ العنكبوتِ ؟! أتأبطُ حقيبتي وأقبضُ على قلبي هىَ مُحاولةٌ فاشلةٌ في السيطرةِ على نبضاتهِ المستنفرةُ فزعاً ، متىَ وكيفَ ستنقشعُ غيومَ واقعي أينَ نظارتي ؟ تُراهاَ بداخلِ الحقيبةِ قد لملمتهاَ مع ماكانَ متناثراً من أغراضي عندما وقعتُ ربما! الشوارعُ ضبابيةٌ الرؤيةُ لم تَعدْ واضحةٌ أستجمعُ قوتيِ أتحاملُ على نفسي المهترئةِ، نعم ها هى نظارتي أصابتها شروخٌ كثيرةٌ كما أصابَ نفسي صدعٌ لن يلتئمَ أصلُ بعدَ عناءٍ إلى الميناءِ أنتظرُ وأنظرُ في صمتٍ  بينَ الوجوهِ ، هذا عابسٌ فقدَ طعمَ الأفراحِ ، يجلسُ وتَتَسربُ مٓنْ بَينَ يديهِ رمالُ حياتهِ وهوَ ينظرُ فيِ صورةٍ باتتْ قديمةً طَرفها مطويٌ، وبحركةٍ حملتْ كلَ معانيِ الوهنِ يفتحُ ماكانَ مطوياً منهاَ وَسْطَ دَمعةٍ عَصيةٍ آبتْ إلا أنْ تَسقطَ عليهاَ وتتدحرجُ في شجنٍ، أنظرُ لهذاَ وهوَ يعانقُ محبوبتهُ بشغفٍ يستنفزُ لحظاتِ إنتظارهِ فيِ الوداعِ حتىَ أخرِ قطرةٍ ، كانتْ نظراتهُ صادقةً  وهىَ تعانقُ لهفتهاَ الحزينةَ وعينها الحالمةَ التي تَفَجَّرتْ منها ينابيعُ من دموعٍ ، أنظرُ بين كثيرينَ جالسينَ علىَ مقاعدِ الإنتظارِ منهمْ منْ يطالعُ الجريدة غير مبالً بأحد، ومنهم من إستسلمَ للنومِ لاَ تعنيهِ لحظاتُ الوداعِ أوُ ربَّما فَقدَوا لذةَ العاطفةِ ، أعبرُ بهدوء بينَ المارةِ حقاً لا َيشعرُ أحدٌ بأخر ، مازلتُ أنظرُ وأتلفَّت يميناً ويساراً هلْ مازالَ يلاحقني ؟! أسَتمرُ في قراءةِ وجوهِ الناسِ تُراهم عابرونَ أم هاربونَ أم هى أقدارهم تكتبِ مصائرهمْ دونَ علمٍ منهم ! صوتُ صافرةِ  السفينةِ يعلنُ قربَ موعدِ الإنطلاق ، تتقافزُ ب صدريِ فرحةٌ لا تزالُ مقيدةٌ هل سأتمكن حقاً من الرحيلِ ؟! هل سأغادرُ ذاكرةَ الهمومِ يتأهبُ الجميعُ وأناَ أيضاً أتمسكُ بحقيبتيِ ونظّارتيِ ونفسيِ أريدُ العبورَ والتَطّهُرِ  سأطالبُ بدماءً جديدة ً أستبدلُ ما لوثهُ هو ! دقتْ عقاربَ الساعةِ القديمةِ بالميناءِ إنها الثانيةَ عشر إلا ربع ،قبلَ منتصفِ الليلِ بقليلٍ، هل حانَ موعدُ الرحيلِ ؟ ولفظِ الأحزانِ ووئدِ جسدِ الخوف عند ميناء الخريف هنا !


 ذَكَّرتها الدقاتُ بتلكَ الساعةِ المشؤمةِ ، التي ُكلماَ يحينُ الوقتَ ليعلنَ عن قدومها تتوقفُ لديها أصواتُ الحياةِ وتتبدلُ النسماتِ بشظايا مشتعلةٍ وتضيقُ جدرانُ نفسها فجأة التي ينكتب عليها بداية نهايتها الليلة ،تحدثُ كيفَ كانتْ ترتعدُ نفسيِ وهىَ تسمعُ قرعَ طَرقَاتهِ علىَ البابِ ، تعلنُ بدأ ليلةٍ سيطولُ ظلامهاَ يموتُ علىَ أعتابهاَ القمرُ وتنطفئُ دُونَ إنذارٍ النجماتُ الحزينة ، أسمعُ الطَرقاتُ تتزايدُ على البابِ أهرعُ اختبئُ في زاويةِ غرفتيِ الضيقةِ وأضعُ يديِ على فميِ ، هلْ سيسمعُ صوتَ أنفاس خوفيِ المتصاعدةِ ، يرتجفُ جسديِ ويَقَْشَعرُ ، من وقعِ خَطواتهِ وضَحِكَاتهِ الشيطانيةِ العابثةِ ، يناديِ أينَ تختبئُ جميلتيِ ؟! ها ها ها يتحدثُ بصوتهِ الثملِ، قادمٌ أنا إليكِ ها قد انتصفَ الليلُ واتقدَ الشوقُ بجسديِ وأُضْرِمَتْ نيرانُ شغفيِ وَظمأُ أشواقيِ فأَيَنَ أنتِ؟!  أسمعهُ و تتسارعُ نبضاتُ قلبيِ لاَ أستطيعُ الرؤيةَ جَيداً نعَمْ أينَ نَظَّارَتيِ؟ هاَ هىَ ! وَبِلَحظةٍ تقعُ عَينيِ على زجاجةِ الماءِ بجوارهاَ تمُسِكهُا بيدٍ مُرتَعشةٍ بالخوفِ سوفَ أنهالُ بها عليهِ إنْ حاولَ الإقترابَ منيِ، يقتربُ وقعُ أقدامهِ التي تدعسُ ذيلَ قطتيِ الصغيرةِ كعادتهِ ،أصدرتْ المسكينةُ صوتَ مواءٍ كصراخٍ منْ شدة وجعها حتى هى لا تسلمُ من ساديتهِ وقساوةُ قلبهِ ، يفتحُ البابَ يقتربُ منيِ يعلمُ أينَ أنا، فصوتُ أنفاسيِ كصافرةِ قطارٍ يترددُ صداهاَ أرجاءَ غرفتيِ ،يتحسسُ شَعرِيِ ! وَجهي وشفتي! أصرخُ ابتعدْ عني! يلجمُ بقوةٍ فميِ بيدهِ ضاحكاً  أُظهرُ الزجاجةَ مُحَاوِلةً إصابتهُ بها ! عبثاً أحاولُ دُونَ جَدوىَ يُلقيِ بهاَ بعَيداً تَصتَدمُ بالجدارِ فتنكسرُ وَسطَ ضحكاتٍ شيطانيةٍ ،تنهار ُنفسيِ وتستسلمُ قهراً إرادتيِ ينظرُ في عينيِ للحظاتٍ، إنهُ الشيطانُ ذاتهُ يكشرُ عنْ رغبتهِ الوحشيةِ يفتحُ فمهُ كريهةُ رائحتهُ ولعابه المقزز الذي يسيلُ دونَ توقفٍ، لا أستطيعُ سوىَ الصراخُ المكتوم فقدْ كتمَ فميَ بيدهِ وَظَّلَ يتَحَسسُ جَسدي بالأخرى الخشنة الجائعة ..


 أخلعُ نظاراتيُ كي لا تراه عيني، كيفَ يعبثُ بجسدي ويقتلُ ألوانَ الحياةِ بروحيِ أفقدُ الإحساسَ بالأشياءِ والزمنِ، في حالة من الشرودِ لا أعلمُ شيئاً، يعود بعد فترةٍ  إلى صوابهِ باكياً نادماً يتوسلُ يرتجي أن أغفر له فعلتهُ ،  التي لا يمل تكرارها،  يقول نادماً :أعلم بأنني لا أستحقها لا أستحق المغفرة والعفو، وكلمة سامحتك! صدقيني أنا . أنا . لا أعلم كيف أصل إلى هذه الحالة المجنونة!  تقاطعهُ بحدةٍ أبتعدْ فقط  عني! أكرهكَ لا أريدُ أن أراك تحدثُ اتركني وَسطَ ضربات ٍمنهاَ هستيريةٍ مجنونةٍ بثورةِ غضبٍ على صدرهِ بكلتاَ يديها  كموج هائج يلفظ وحوشه لتلتهم الأتي.


 يشعر ُبضعفهِ ويتمسكُ بأنانيةٍ التي تَكلَّسَت بقلبهِ حتى أصبحتْ كخرسانةٍ لنْ تنفصلَ عنهُ ، مُردداً لن أطلقَ سراحكِ أتفهمين ؟  ستبقين هنا إلى الأبدْ حتى تتقبلين وجودي!  أو تتعفنين هنا هل سمعتي ؟! أتحسسُ بأناملي محاولةً أن لا أكترثُ لكلماتهِ حتىَ أمسكُ نظارتيِ أضعها ،فتتحسن الرؤية مع محاولةٍ بائسةٍ للبحثِ! تُرى ما الذي لم تهزمهُ نفسهُ البغيضةُ في كياني الهزيل؟! الدموعُ تنهمرُ تغرقُ ندمي أودُ أقتلاعَ روحي لأطفئ نيرانَ حقديِ التي لم أعد قادرةٌ على تحملها ، الهروبُ هو الحلُ الوحيد، نعم هذا هو الحل ! لكن متى؟ اليومَ قبل َ الغد سأنتظرُ حتى تغربَ شمسُ اليوم قبل منتصف الليل ، ياليتَ عقاربَ الساعةِ تركضُ مسرعةً تتخطىَ أرقامهاَ ساعةً أو أكثر ، لو أنَّ الزمنُ يحلقُ بدقائقهِ وثوانيهِ هذهِ المرةِ فقطْ من أجلي ، لأمسحَ عن ذاكرتي عفنَ الدنسِ ووحشةَ ذنبٍ لم تقترفهُ نفسيِ ، ولأعيدَ رسمَ خارطةَ أيامي، علِ أمطتيِ صهوةَ حلمي وألحقُ بقطارِ الأمنياتِ، وتعودُ من سردها لواقعها المريرِ مع َدقاتِ الساعةِ القديمة ب الميناء إنها الثانية عشر  عند منتصف الليل ، ترتجف كل ذرة بكيانها،  ولكن  لوهلة تنظر أمامها لترى الجميعَ يتجهون لركوب السفينة فيدبُ صوتاً لم تعهدهُ من قبلٍ بينَ ثنايا ضلوعها ، هل حقاً ما تسمعهُ صوتُ الحياةِ، صوتُ الأملِ ؟!  وتتحرك السفينة أخيراً؛  تاركةً رصيفَ الميناءِ وهى تضعُ يديهاَ على صدرها تَعُدُّ الدقائقَ وهى تنظر في تلك الساعةِ القديمةِ أمامها ، هيا إبتعدي أكثر! ثم فجأة وَمنْ وَسطِ الزحام ِيظهرُ وكأنهُ كانَ يركضُ باحثاً عنها ،إرتعبتْ إختبأتْ وظَّلت تراقبهُ دونَ أنْ يراها،  يخلعُ معطفهُ بغضبٍ ويرميهِ أرضاً يركل الرصيفَ عدةَ مراتٍ فيختلُ توازنهُ يقعُ على الأرضِ يعبرُ عن غضبهِ وحسرتهِ وسطَ بكاءٍ ودموعِ ندم لن تجدي ، فقد أدركَ ملياً،  بأنها رحلت ولن تعود .


عند منتصف الليل


google-playkhamsatmostaqltradent