recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

"لوعة الرحيل"

"لوعة الرحيل"

بقلم : سناء سعد

فِي قَديِمُ الأَذَل؛ صُنعَ للحُبِ مَجدٌ مُبتر النسْيَان، مُبرَح الشُحُوظ، فَتَشَمَخَت فِيهِ لَوعَة الرَحِيلِ المُكَفَن بِشمطَاء القُلوب
فَكَانَ هُنَاكَ رَجلٌ يُدعَىٰ؛ "ماركلين" فَأَصبَحَ مُتَيَمٌ، ومُستَهَام ومُدْنَف، بِإمرَأة بِجِوارِ مَنزِلَهِ تُدعَىٰ "مارلين"..

يَهيمُ بِها مُنذُ الصِغَر، حَيثُ يَقوُل كَانت تَمتَلِكُ وَجهًا يَشِعُ نُورًا، فَكَانَت تَجتذبُ كُلَّ آتٍ بمَلامِحَها النَرجسِيَة، فَكنتُ أَختلسُ النَظر إليها بإمعَانٍ ويكَأَنني لَن أَرَاهَا ثَانيةً،

ولـَكن في الخَفَاء !

فَكنتُ أفتَتِنُ بِهَا في كُلَّ مَرَّةٍ كُنتُ أَلتَقي بِهَا كَلَمحِ البصَر، فَأَصبَحَ مَكَاني المُتَيَم بِجَانبِ النَافذَةِ المُطلَة عَلىٰ مَنزِلِهَا، كُنتُ أنتظرُ لِقَائَهَا مَا بَينَ كُل دَقيقةٍ والأُخرىٰ، لكي تَفتَح نَافذَتَها وتَشرَب كُوبَهَا المُفضَّل مِن القَهوَة، وتَظَلُ تُمعِن النَظرَ في السَمَاءِ والتَحديقِ في عَصَافيرِ الهَوَاء فتَتَمَايَل رُويدًا رُويدًا، في مَشرَفَةِ الفَنَاءِ فَأمسَكتُ بِكَاميرا مُخفَقَة لأَلتَقط بَعض صِورِها المُشرقَة فَكَانَت تُشحَبُ، بَسمَتي عِندَ غَلقِهَا تلكَ الأبوابِ فَظَلَلْتُ أَهيم بِهَا سِرًا، حَتىٰ جَهَرَت أَوتِنَة قَلبي فُرطًا ولَوعًا في رُكن غُرفَتي المُحتَوذ عَلىٰ جَميعِ التِقَاطاتِ صُوَرهَا الوَلهَانَة، فَبِتُ أُحبُّهَا سَبعةَ أعوَام سِرًا من وَجهي الدَراسي الأول الطُفُولي، إلىٰ أن أتَت مَرحَلَتي الجَامعية...!
 
فَأَتىٰ السقُوط الأَبدي لإِحتمَاليَّة إجتمَاعُنا سَوَيا حِينَ تَزَوجَت فَرَحَلَت مَعَ زوجَهَا بَعيدًا إلىٰ مَلهىٰ العُمرِ فَقَد ذَهَبَت بنَا الرِيَاح كُلَّ مَذهبٍ فمُزقَ جُهدي سُدىً، فاكتَرَثت في عَيني ضَيقُ المَعيشة، وزُهدَ الحياة، فَكَانت تَلتَمعُ في عَيني رُؤيَتها فَلَم يَعُد شَيء له مَعنىٰ فَعِدتُ نَفسي قَائلاً: "يَحرمُ عَلىٰ قَلبي إمرَأةٍ سَواكِ ".
فَأتمَمتُ دراسَتي الجَامعية، حَيثُ مَرَّت تِلكَ الأعوام عليَّ كَأنني فِي قَبرٍ مُظلمٍ، لا يُوجَد فيهِ بَصيصُ نُور، فاحتَقرَتني أَزَليَّة حُبّهَا الولهَان، فَلَم أنسَ طَيفَهَا المَلائكي المُحتَدَب بِداخِل قَلبي، فَأيقنتُ أَنَني لَن تَسنَح لِي الفُرصة بِلُقيَاهَا ثَانيةً، فَقَد هَمهَم القَلبُ تَضَجُرًا مِن فَقدِها "وكَأنَها كُل النسَاءِ في عَيني".

 فَعشتُ علىٰ زكرىٰ حُبّهَا الذي إستَوطَنني كَسَرطانٍ بالدمِ، فَكَأنما أَبرَح حُبَها في دَمي كَالوَادي المُجتَذَب للكَثير مِن الكُنوزُ الأَثرية والتَاريخية المَكَمَّنَةِ مُنذُ أعوَامٍ حتىٰ أتىٰ اليوم المُشرقُ أوانَهُ، فَرَأيتُهَا وكَأنَّ الدم عَادَ في عُروقي يَضهُو عليَّ التبسمَاتِ المُغتَمرةِ بجميعِ ألوَان الحَياة المُتَاحَة لرُؤيةِ الطَيف فَكنتُ أبلغُ مِن العُمرِ الستُون فَرأيتُها فَمَا زَالَت مُستَمرةً في إضَائتهَا المُبهرةِ اللَطيفةِ حَتىٰ أتَت سَيارة نَقلٍ وإختَضَبَتهَا!

فَأسرَعتُ مُهَرولاً إليها أنظُرُ إلىٰ وجهَهَا وهي بَينَ يَديَّ وكَانت يَغمُرُها التَبَسُمِ وكَأَنَما التَقَت أرواحنَا بأشبَاهِهَا فَقلتُ لهَا أخيرًا أنَا أُحبّكِ مُنذُ سِتُونَ عَامًا مُندَلسًا لا يَعرفُ باندِلافي أحدٌ "غَيرَ رَوحَكِ التي تَستَوطنُ بدَاخلي ".

أحبَبتُكِ ستُونَ عَامًا وتَوَقَفَت حَياتي رَهنَ حُبَكِ أنتِ فَقط ومَاتَت بِدَاخلي كُلَّ النسَاءِ فَكُنتِ أنتِ نِسَاءُ الأرضِ أجمعين في عَيني ومَعشُوقَتي المُتَيمة في قَلبي وسَري الأوهَم في طَرفي فَكنتُ أعيشُ مَعكِ مُنذُ كَونَكِ تَعيشينَ في مَنزلكِ الأَذلي فاختَطَفتُ لَكِ صُورًا وَقتَ عَامَكِ العشرون التي مَا أصبَرَني علىٰ العيشِ في تِلكَ السنَواتِ سِوَاهَا فَمَا زلتِ كَمَا كُنتِ بجَوهَرِكِ النَضر الجَذَّاب حَتىٰ وإن أَخذَ الشَيبُ رأسكِ وأَصبَحتِ كَركُوبة ولَكِنَكِ في نَظَري أنتِ فَتَاةِ العِشرينية النَرجسية حتىٰ وإن تَمَلَكَت التَجَاعيد مِن وَجهَكِ فَلَقَد أحبَبتُكِ ولَم أقُل فَنَظَرَت إليَّ بِتَمَعُن شَديدٍ نَظرَة آخرَ لَقطةٍ في الحَيَاةِ ثُمَّ أغمَضَت عَينَها راحِلةً إلىٰ المَولىٰ عَزَّ وجَل .

هَذا هُو المُسَمَي الحَقيقي للحُبِ الأَبدي  فهذا الذي يَستَحقُ جَميع مَعايير الجُود فَلَم أَجد حُبًا أزليًا مِن قَبل مِثلَ ذَاك ولَم أجد بعد.
 "الحُبُ الأسطُوري"
أحبَبتُكِ ولَم أقُل. 
_سناء سعد

google-playkhamsatmostaqltradent