recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ماذا تعرف عن القرآن الكريم؟ " الجزء الثالث عشر "

الصفحة الرئيسية

 

ماذا تعرف عن القرآن الكريم؟ " الجزء الثالث عشر "




إعداد / محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الثالث عشر مع القرآن الكريم، وينبغي للمسلم النظر إليه لإنه كلام وكتاب الله تعالى، فيقول ويحكم به، ويلتزم بأوامره، ويثق به، ويدعو الناس إليه، مع استشعار أن كلام القرآن موجه له، وأنه هو المُخاطب بآياته وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وأخذ العبرة من قصصه، ولقد بيّن الله تعالى، لعباده الصفة والكيفية التي ينبغي عليهم قراءة القرآن بها، والتي أمر بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفة جاءت بقوله سبحانه وتعالى " ورتل القرآن ترتيلا " أي بطمأنينة مع مراعاة أحكامه كالتفخيم والترقيق والمد وإخراج الحروف من مخارجها، وغير ذلك من الأحكام مع المداومة على قراءته وذلك لما في هذه الصفة من تيسير فهمه وحفظه، وتسمى هذه الكيفية بالتجويد، ومن خالفها أو أهملها فقد خالف سُنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقرأه بغير الصفة التي أنزله الله تعالى بها، وإن للقراءة الصحيحة ثلاثة أركان، فالركن الأول هو موافقة اللغة العربية ولو بوجه من الوجوه حتى وإن كان ضعيفا، كقوله تعالى في سورة الأنعام " وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " فقرأ ابن عامر كلمة زُيّن بالمبني للمجهول، وكلمة قتل بضم اللام، وكلمة شركائهم بالكسر، وأما الركن الثاني فهو موافقة الرسم العثماني ولو احتمالا. 

فموافقة الرسم قد تكون تحقيقا أو تقديرا كقوله تعالى في سورة الفاتحة " مالك يوم الدين " فكلمة مالك قرأها البعض بحذف الألف وهي قراءة محتملة اللفظ تحقيقا، وقرأها البعض بإثبات الألف وهي قراءة محتملة تقديرا، وأما عن الركن الثالث، فهو صحة السند إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك عن طريق تواتره وتجدر الإشارة إلى أن اختلال أحد هذه الأركان يوجب كون القراءة شاذة ولا يجوز القراءة بها، وعلينا أيضا التدبر فى كتاب الله، ويعرف التدبر في اللغة بأنه النظر في عاقبة الأمور ومعانيها بتعمق، فقال الله تعالى " أفلا يدبروا القول " أي لم يفهموا ما خاطبهم به القرآن، وقيل أن معنى التدبر في الاصطلاح الشرعي بأنه التأمل في معاني القرآن، والتفكر فيه وفي عواقبه ومبادئه وكل ما يلزم من ذلك، ويعد تدبره من أفضل العبادات، لأن المسلم من خلاله يفهم كلام الله عز وجل ومراده، ولذلك ورد عن الإمام الزركشي قوله بكراهة قراءة القرآن من غير تدبر، فقراءته مع تدبره أفضل من قراءته سريعا من غير تدبُر، ومما يؤكد ذلك قوله تعالى " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب " وأيضا تدوين القرآن الكريم لما أنزل الله تعالىن فالقرآن كان واجبا على الأمة حفظه، وذلك بكتابته وتدوينه. 

فاتخذ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كتابا له وسمّاهم كُتاب الوحي، فكانوا يكتبون ما ينزل منه على الحجارة وأوراق النخل والرقاق البيض، وعندما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة بعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ارتد الكثير من الناس عن الإسلام وامتنعت بعض القبائل عن دفع الزكاة، مما اضطره إلى مُحاربتهم، وقد بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه لقتال مُسيلمة الكذاب، واستشهد في ذلك القتال سبعون من قراء الصحابة رضي الله عنهم ومنهم سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه وهو أحد القراء الذين أمر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بأخذ القرآن عنهم فاستشعر عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطورة ذلك، فأشار على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن وكتابته في مصحف واحد بدل أن يكون متفرقا في الصحف، وقد رفض أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذه الفكرة في البداية، وبقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يراجعه في ذلك إلى أن شرح الله  تعالى صدره لهذه الفكرة، فوضع مجموعة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم لهذه المهمة وعيّن عليهم زيد بن ثابت رضي الله عنه، لأنه كان أحد كتاب الوحي في زمن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن وجمعه من الصحف ومن صدور الرجال الحفظة حتى جمع القرآن كاملا. 

وبقي المصحف الذي كتب عند أبي بكر رضي الله عنه، ثم ذهب إلى عمر رضي الله عنه، ثم عند ابنته حفصة رضي الله عنها، وعندما تولى عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة، اتسعت الفتوحات الإسلامية وانتشر القراء في الأمصار، وكان كل مصر أى كل بلد يأخذ القراءة ممن جاء إليه من قراء الصحابة، فقد كان كل صحابي يعلّم الناس بالحرف الذي تعلمه وسمعه من الحرف السبعة التي نزل بها على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فمثلاً كان أهل الشام يقرؤون بقراءة أبيّ بن كعب رضي الله عنه، وأهل العراق بقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهكذا، فكان إذا اجتمع أهل الأمصار وقرأ كل واحد بما تعلمه، يُنكر بعضهم على بعض قراءته وقد يحصل بينهم نزاع وشقاق، ومن الصحابة رضي الله عنهم الذين لاحظوا اختلاف أهل الأمصار في القراءة، وما يحصل بينهم من شقاق وتجريح هو الصحابي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، لمشاركته في الفتوحات الإسلامية التي شارك بها أهل الأمصار، فقرر الذهاب إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه، وإخباره بما رأى، وأخبره بإدراك الأمة قبل أن يختلفوا، وعندما علم عثمان رضي الله عنه بالخبر، فأرسل إلى السيدة حفصة رضي الله عنها، لترسل له بالمصحف الذي جُمع في عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه، ليقوم بنسخه عدة نسخ. 

وقد عيّن زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضي الله عنهم، لنسخ المصحف، فقاموا بنسخه عدة نسخ وإرسال كل نسخة إلى مصر، وإحراق ما سواها من النسخ، وإن للقرآن الكريم أربعة أسماء، يدل كل اسم منها على فضله، وشرفه، وهي القرآن الكريم وقد سُمي بذلك لأنه الكتاب الذي يُتخذ للقراءة، ولا يبلغ كثرة قراءته كتاب مثله، وكذلك هو الفرقان وقد سُمى بذلك لتفريقه بين الحق والباطل، وفيه تفريق بين طريق المؤمنين الحق، وطريق المنافقين والفاسقين الباطل، وكما أنه الدستور الذي يفرق فيه المسلم بين ما اختلط واشتبه عليه في أموره، وهو أيضا الكتاب، وقد سُمى بذلك لأنه مكتوب، أي مجموع في الصحف، كما جُمع فيه ما يحتاجه العباد في معاشهم، وحياتهم في الدنيا والآخرة، من الأحكام، والمواعظ، ونحوها وأيضا هو الذكر وله في هذا السياق معنيان، فإما أن يأتي بمعنى التذكير، أي تذكير العباد بالله سبحانه وتعالى، وتذكيرهم بالغاية من خَلقهم وهي عبادة الله، والسعي إلى دخول الجنة، والنجاة من النار، وهذا المقصد من أعظم مقاصد إنزال القرآن الكريم، كما في قوله سبحانه تعالى " إلا تذكرة لمن يخشى" أو أن يأتي بمعنى المذكور، أي أن الألسُن تتناقل ذكره، وتجعله ذكرا حسنا لها وهذا دليل على عظم مكانته وشرفه. 

كما في قوله سبحانه وتعالى " وإنه لذكر لك ولقومك" وأما عن علوم القرآن، فتعرف علوم القرآن بأنها المباحث التي تتعلق بجميع جوانبه، سواء من حيث نزوله وأسبابه وجوه وزمانه وملابسات نزوله، و ترتيبه، وإعجازه، وأساليبه، وجمعه، وكتابته، ومحكمه، ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، والدفاع عنه وأقسامه، وأمثاله، وأحكامه، وصوره الفنية، وبيان المكي والمدني من سوره وغير ذلك من المباحث التي تتعلق به، فموضوع علوم القرآن تتعلق بأي جانب من جوانبه، وأما الفائدة من هذه العلوم، فهي تساعد على بناء الثقافة العالية عن القرآن الكريم، والتسلح بمعارفه القيمة، والإستعداد للدفاع عنه، ويسهل على المسلم معرفة تفسير ومعاني القرآن، وأما عن القصص في القرآن الكريم، فإن القصة في اللغة مأخوذة من كلمة قص، أي تتبع الأثر، وقال الله سبحانه وتعالى، على لسان أم موسى " فقالت لأخته قصيه" أي تتبعي أثره وانظري من يأخذه، أما القصة فهي الخبر والحال والشأن، وأما قصص القرآن الكريم فهي الأخبار الواردة فيه عن الأمم والنبوات السابقة وأحوالهم، والحوادث التي كانت في الماضي، وقد جاءت في القرآن الكريم على ثلاثة أنواع، فالنوع الأول هو قصص الأنبياء ودعوتهم، ومعجزاتهم، وموقف أقوامهم منها، وعاقبة المؤمنين وغير المؤمنين بها. 

كقصص أتبياء الله عز وجل، نوح، وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام، وأما النوع الثاني هى قصص تتعلق بحوداث ماضية لأشخاصٍ ليسوا أنبياء، كقصة طالوت وجالوت، وأهل الكهف، وذي القرنين وغير ذلك من القصص، وأما النوع الثالث فهى قصص تتعلق بأحداث حدثت في زمن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كغزوة أحد في سورة آل عمران، وغزوة تبوك في سورة التوبة وغير ذلك من الأحداث، وتظهر أهمية وفائدة القصة القرآنية في بيانها أسس الدعوة، وبيانها لأصول شرائع الأنبياء الذين بعثم الله تعالى، وتصديقا لما جاءوا به، وبقاء ذكرهم، وبيان صدق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بإخباره عنهم وبما حدث معهم، كما أن فيها تثبياً لقلب النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ءآمن معه بنصر الله تعالى لهم، فقال الله تعالى " وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة للمؤمنين "بالإضافة إلى بيان ما كتمه غير المؤمنين من بيان وهدى، ويستحب للمسلم أن يداوم على تلاوة القرآن الكريم، والإكثار منها، وهو بذلك يتبع سُنة جليلة من سنن الإسلام، وقد بيّن الله سبحانه وتعالى، ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فضل تلاوة القرآن، قال تعالى " إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور " .


ماذا تعرف عن القرآن الكريم؟ " الجزء الثالث عشر "








google-playkhamsatmostaqltradent