يسرى عبيد يكتب: لماذا جيبوتى فى هذا التوقيت؟
تفاجأت مثل غيرى من المصريين والمراقبين والمتابعين المحليين والدوليين بزيارة الرئيس السيسى إلى دولة جيبوتى، وهى زيارة أول زيارة لرئيس مصرى ولم يعلن عنها مسبقا.. بسبب أزمة فيروس كورونا أصبحت تحركات رؤساء الدول ثقيلة وتكاد تكون معدومة ومعظمها يتم عبر الاتصالات المرئية سواء فيديو كونفرانس أو غيره.. إلا إذا كانت زيارات مهمة لحضور فعاليات محددة مثل ما حدث فى زيارة الرئيس لفرنسا مؤخرا لحضور مؤتمرين مهمين، أو إذا كان الحضور الفعلى هو العامل الأهم لنجاح الزيارة، وفى هذا الإطار ربما جاءت زيارة الرئيس السيسى لجيبوتى ولقاء الرئيس اسماعيل عمر جيلة، إذا لماذا جيبوتى، وهل كان الرئيس فى ظل هذه الظروف مضطرا لزيارة هذه الدولة التى لم يزرها أى رئيس مصرى من قبل.
بعد عودة الرئيس أمس أقلعت طائرتا نقل عسكريتان من قاعدة شرق القاهرة الجوية محملتان بكميات كبيرة من المساعدات الطبية المقدمة من جمهورية مصر العربية إلى دولة جيبوتى.
لماذا جيبوتى؟.. بداية جيبوتى دولة عربية شقيقة عضو فى جامعة الدول العربية، لها موقع استراتيجى مهم فى منطقة القرن الإفريقى، وتؤثر على عملية الملاحة فى قناة السويس، حيث تقع بالقرب من مضيق باب المندب الدخل الجنوبى للبحر الأحمر، وبالتالى لها أهمية استراتيجية؛ نظراً لمكانة جيبوتى الجيو استراتيجية فى المنطقة، حيث منحها هذا الموقع الاستراتيجى المميز أهمية جيواستراتيجية متعاظمة إقليمياً ودولياً، وصارت محط أنظار العالم والقوى الكبرى.
وهذا ما أدى لأن تتواجد بها ست قواعد عسكرية حالياً، ما بين أمريكية وفرنسية وإيطالية وإسبانية، وتواجد صينى ويابانى، وكان من المهم أن نعيد علاقاتنا الطيبة بهذا البلد فى إطار تحركات الرئيس عبدالفتاح السيسى لاحتواء قارة أفريقيا مرة أخرى ودول القارة، من أجل علاقات متينة وقوية.
الرئيس أكد أنه أجرى مع الرئيس جيلة مباحثات ثنائية مثمرة وبناءة، تناولت بحث سبل تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية بين مصر وجيبوتى على مختلف المستويات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والعسكرية، واتفقا على أهمية الانطلاق بالعلاقات بين البلدين إلى آفاق أرحب، من خلال زيادة معدلات التبادل التجارى بين البلدين، فضلاً عن تكثيف التعاون فى مجال بناء القدرات من خلال البرامج التدريبية التى تقدمها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية.
منطقة البحر الأحمر تشهد تنافسًا دوليًا ملحوظ خاصة على موارد جيبوتى، التى تحظى باهتمام كبير، أزمة سد النهضة بالتأكيد كانت على طاولة الرئيسين من خلال شرح الموقف المصرى وكشف التعنت الإثيوبى، حيث حاولت أديس أبابا فى الفترات الماضية تشويه الموقف المصرى من خلال ترويج الحساسيات القديمة التى تكسب تعاطف العديد من الأشقاء.
مصر الآن تمارس سياسة الضغوط الدبلوماسية على الجانب الإثيوبى، وبالتأكيد السيناريهات الأخرى جاهزة.. جيبوتى ربما تكون حاضرة فى أخيار ولكن أعتقد أن القيادة المصرية هى الوحيدة القدرة على تحديد أهمية جيبوتى فى أى خيارات مقبلة للتعاون مع الجانب الإثيوبى.
هناك عامل مهم فى نظرية تأثير جيبوتى على صانع القرار فى أديس أبابا، وهى أن جيبوتى المطلة على البحر تعتبر رئة اثيوبيا الحبيسة جغرافيا أى التى لها أى منافذ على البحار وشكلت جيبوتى على مدى 20 عاماً المنفذ البحرى الرئيسى لإثيوبيا،
واذا توقفت تلك الرئة عن العمل اختنقت أديس أبابا فورا ودب فيها الفوضى المالية عبر تضخم الأسعار ونقص السلع والوقود وأصبحت حكومة أبى أحمد تحت حصار اقتصادى بالإضافة إلى الأزمات الطائفية والعرقية والسياسيى التى تعانيها الحكومة الإثيوبية، وآخرها العقوبات الأمريكية على بعض المسؤولين الإثيوبيين المتورطين فى جرائم الحرب فى إقليم تيجراى.
أعتقد أن من ضمن أهداف الزيارة الأمنية، خاصة أن جيبوتى بوابة هامة لقناة السويس، سعى مصر لإقامة قاعدة عسكرية لها هناك تحمى بها أمنها القومى وتكون بمثابة رأس حربة تحقق به أهدافا متعددة على المستوى الأمنى والإقليمى والاقتصادى بما يضمن حضور مصر القوى والدائم فى القرن الإفريقى، الذى يساعدها على الحفاظ على أمنها القومى البحرى المتمثل فى قناة السويس أمنها القومى المائى المتمثل قى منابع نهر النيل.