recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا " الجزء العاشر"

 لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا " الجزء العاشر"


لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا " الجزء العاشر"



إعداد / محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء العاشر مع لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا، وإن أحكام الإسلام هي الحكم على الناس وليست أفعال الناس هي الحكم على الإسلام، فقد يتصرف بعض المسلمين تصرفات ليست من الإسلام في شيء، فلا يجوز من باب الإنصاف أن يُعمم هذا التصرف على الإسلام أو على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الرحمة رقة في القلب، تستلزم العطف بكل كائن حي، وهي خُلق يدل على نبل الطبع، وسمو الروح، وصفاء النفس، ونقاء المعدِن، وكمال المروءة، وعلو الهمة في الإنسان، تجعله يرق لآلام الناس، ويسعى لإزالتها جهد استطاعته، ويتألم لأخطائهم، فيتمنى لهم الهدى، وديننا الحنيف أمر بالتراحم العام، وجعله من دلائل الإيمان الكامل فالمسلم التقى يلقى الناس وفي وجهه إشراق وانبساط، وفي قلبه حب وعطف، وفي معاملته لين ويسر، فهو يرحب بهم، ويخفف عنهم ما عساه أن يكون قد ألمّ بهم من صروف الدهر، ويتعاون معهم على فعل الخير وعمل البر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لن تؤمنوا حتى تراحموا" 


قالوا يا رسول الله، كلنا رحيم، قال "إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة" وإن الإنسان يرق لأولاده حين يراهم، ويهش لأصدقائه حين يلقاهم، وذلك أمر يشيع عند الكثيرين من الناس، غير أن المفروض في المسلم أن تكون دائرة رحمته أوسع، لا سيما بالنسبة للضعفاء من خلق الله لكي يكون جديرا برحمة الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لا يرحم الناس لا يرحَمه الله، ومن لا يغفر لا يُغفَر له" وقال عليه الصلاة والسلام "من لا يرحم من في الأرض، لا يرحمه من في السماء" والرحمة تجعل المسلم مرهف الحس، رقيق المشاعر، وتباعد بينه وبين غيره من الكائنات، التي تعج بها الحياة لأن تبلد الحس يهوى بالإنسان إلى منزلة الحيوان الأعجم، ويسلبه خير ما فيه، وهي العاطفة الحية، النابضة بالحب والرأفة، بل إن الحيوان والطير قد تجيش فيه مشاعر مبهمة تعطفه على ذراريه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا. 


وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" وروى أبو داود في سننه عن عبدالرحمن بن عبدالله عن أبيه قال "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأينا حُمّرة، معها فرخانِ لها، فأخذناهما، فجاءت الحُمّرة تضرب بجناحيها من أجل فرخيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن فجّع هذه بولدها؟ رُدّوا ولدها إليها" ومن ثم كانت القسوة ارتكاسا بالفطرة، لا إلى منزلة البهائم، بل إلى منزلة الجمادات التي لا حسّ فيها ولا حركة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أبعد الناس من الله تعالى القاسي القلب" والرحمة في أفقها الأعلى، وامتدادها المطلق صفة من صفات الله عز وجل فإن رحمته شملت الوجود، وعمّت الملكوت، فحيثما أشرق شعاع مِن علمه المحيط بكل شيء، أشرق معه شعاع الرحمة الغامرة، ويقول الله عز وجل في حديث قدسي "رحمتي سبقَت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفوى سبق انتقامى، أنا رؤوف بعبادي، وأرحم من الوالدة بولدها" 


وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال "بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس بين أصحابه في خلاء، جاءه رجل عليه كساء، وفي يده شيء قد لفّ عليه كساءه وقال يا رسول الله، إني لما رأيتك أقبلت، فمررت بشجر ملتف بعضه على بعض، فسمعت فيه أصوات فراخ طائر فأخذتهن فوضعتهن في كسائي، فجاءت أمهن، فاستدارت على رأسي، فكشفت لها عنهن فسقطت عليهن، فلففتها معهن بكسائي، فها هن معي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ضعهن" فوضعتهن أمامه على الأرض، وكشفت الكساء عنهن، فأبت أمهن فراقهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتعجبون لرحمة أم الفراخ بفراخها؟ قالوا نعم، قال " والذي بعثني بالحق، لله أرحم بعباده من أم الفراخ بفراخها، قم فارجع بهن حتى تضعهن مكانهن، وأمهن معهن" فإن كل ما نراه في الأرض من تواد وتحاب، وتعاطف وتآلف، وتعاون وتراحم إنما هو أثر من رحمة الله التي أودع جزءا منها في قلوب الخلائق، فأرق الناسِ قلبا أوفرهم نصيبا من هذه الرحمة. 


وأرهفهم إحساسا بحاجات الضعفاء والعاجزين، وأسمعهم إلى أنات الفقراء والمعوزين، وأسرعهم إلى مساعدة اليتامى والبائسين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال صلى الله عليه وسلم "امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين" وفي رواية أخرى أن رجلا جاءه يشكو قسوة قلبه، فقال له " أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلين قلبك، وتدرك حاجتك" ومن الرحمة المطلوبة الرفق بالحيوان، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يحد شفرته وقد أضجع شاته، فقال له منكرا عليه " أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتَك قبل أن تضجعها" وروي أن رجلا قال يا رسول الله، إني لأَرحم الشاة أن أذبحها، فقال "إن رحمتها رحمك الله" ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يسحب شاة برجلها ليذبحها، فقال له "ويلك قدها إلى الموت قودا جميلا" وليس من الرحمة أن نقسو على الحيوان، أو نستهين بآلامه، أو نجيعه، أو نحمله ما لا يطيق.


google-playkhamsatmostaqltradent