recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

( رسالة إلى وَلَدي )بقلم د:حسام الدين احمد


              هكذا علمتني الحياة

                ( رسالة إلى وَلَدي )

وَلَدي ...                   

 

( رسالة إلى وَلَدي )بقلم د:حسام الدين احمد


بقلم د:حسام الدين احمد

قراءة ممتعة ...


كلمة كبيرة جميلة، بل هي كنز ... أَو عرش ومملكة يتبادل فيها الأدوار الآباء والأبناء، ويتم تسليمها تباعاً لمن بعدهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ولدي:

مجموعة من الأحاسيس والمشاعر والتمنيات والدعوات ممزوجاً بالقلق والفرح والسرور والخوف والحب والرجاء ... كل تلك المسميات تحوم حول ولدي!.


كانت هذه الكلمة عند أَبي يعشقُها ... فرحاً بها، ولكني حينها لم أفهمها جيداً، حتى سلمها لي ورحل ... واستلمتها وفقهتها وسأسلمها إلى ولدي وسأرحل.


فإلى ولدي كتبتُ ...


بُنَي .. كنتُ مثلك أَرى العالم وفق منظاري الخاص، ومن نافذتي إلى هذا العالم الواسع، وكانت في كل مرحلة من حياتي لها نافذة خاصة أرى بها العالم، وأَعيشُ لحظاتها الصائبة والخاطئة بالفرح والحزن أو بالخوف والأمان أو بالقوة والضعف وهكذا ... 


ففي الطفولة هي غيرها تلك التي كانت في سن المراهقة، وفي سن النضوج والشباب أو في سن البلوغ.


وَلَدي:

عِشْتَ أنتَ مرحلة الطفولة بكل تفاصيلها، وعشتُها أنا معك، فكنتُ ألعب معك وأفرحُ وأبكي، وأفعل كل ما تفعله، وأنت لا تدري أو لا تذكر من ذاك شيء، المهم أننا عبرنا تلك المرحلة، وانتقلتُ معك لمرحلة تغيرت فيها أفكار، وظهرت فيها ملامحك وشخصيتك حتى بلغت سن الشباب، فأصبحت يا ولدي أجمل وأقوى مني، ولك عالمك الخاص، وأصبحنا أنا وأنت كرجلين في حلبة المصارعة أو كمتسابقين يريدان الانطلاق من خط البداية، أو أحياناً في خط المواجهة أنا وأنت في الأفكار أو في النقاش الحاد أو الهادف أحياناً، وكذلك في اتخاذ القرارات.


بُـنَيّ:

سرني أن أراك وقد صَلُب عودُكَ، وأصبحتَ رجلاً في صفوف الرجال بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني القوة والحكمة والصبر والرحمة.


وَلَدي:

عِشْتُ أنا في جيل يختلف عن جيلك في بعض أو في كل التفاصيل ... ولكن هذا لا يعني اختلاف القيم والمبادئ، فالأخلاق والمبادئ والدين هي أمور لا تتغير باختلاف المكان أو الزمان.


وَلَدي العزيز:

قد يكون جيلنا وفارق العمر فيما بيننا جعلك تنظر إلى عالمي أنه عالم قديم بأفكاره قياساً بعالمنا الآن، وأَقول عالمنا؛ لأَنني يا ولدي عِشتُ تلك المرحلة وها أَنا أَعيشُ هذه المرحلة معك ومع عالمك الخاص في ظل التطور، وفي كافة المجالات، لكن أَنا يا ولدي أَعيشُها بشكلٍ مختلف عما تعيشُهُ أَنتَ الآن.


وَلَدي:

عَلَّمتكَ الأَيامُ والتجارب التي خُضتها الكثير، وقد سرني هذا رغم الأخطاء التي وقعت فيها أو الأُمور التي لم تنجح فيها، المهم أَن الإنسان يأخذ منها الدروس والعِبر، ويستَفيد من تلك التجارب في المضي قُدُماً إلى الأمام.


وَلَدي العزيز:

أجعل لكَ برنامجكَ الخاص، وحياتك الخاصة، وكذلك شخصيتك، ولكن ليكون ذلك تحت سقف الأخلاق الحميدة في التعامل مع الناس، وكذلك الصدق، فالصدق يهدي إلى البِرّ، وهو بريد النجاة، بل هو الذي يرفع من شأنك، ويجعل لك مقاماً بين أصدقائك وكل من حولك ...


الصدق يا ولدي هو سُلَّمَك إلى كل الصفات الحميدة، وكذلك يا ولدي عليك بالأخلاق في تعاملاتك، وأن تحب للناس ما تحبه لنفسك، وأن تكون رجلاً ذو مشاعر وأَحاسيس، ولا أُبالغ إذا قلت لك أن الإنسان هو مشاعر وأَحاسيس، فمن لم تكن لديه هذه الصفات، فسيبتعد عن الإنسانية بقدر ابتعاده عن تلك الصفات.


بُنَيّ:

ليكن تعاملك مع الآخرين وفق الاحترام والأمانة، فهما بريدك للوصول إلى قلوب الآخرين.


وَلَدي العزيز:

قريباً ستدخل عالماً ثانياً، وهو عالم جميل، ففيه من الرومانسية والسكينة الشيء الكثير، وهو اقترانُكَ بشريكة حياتك، فعليك أن ترسم في عقلك قبل قلبك صفات لتلك المرأة التي ستُشارِكُك حياتك، وبعدها يمكنك عرضها على قلبك ... فالمرأة يا بُنَيّ بحر عليك أولاً أن تتعلم السباحة كي تستطيع الغوص دون أن تغرق.


يا وَلَدي:

حياتك الحالية هي ستختلف عن حياتك القادمة، فالأولى تعلمت فيها صفات الرجولة والأخلاق والكرم والأمانة والصدق ... والشطر الثاني هو ما بعد الزواج ... وهو الشطر الذي ستكون مسؤولاً فيه عن امرأة تحتويك بعطفها وحنانها، وأنت تحتويها بالصفات التي تعلمتها في الشطر الأول من حياتك ... أَن تكون لها رجلاً صادقاً، كريماً، أَميناً، مخلصاً، غيوراً ..


وَلَدي العزيز:

الغيرة هي أجمل صفة تحبها النساء في الرجال ... ولا يغرك ما تسمعه من بعض النساء اللاتي يدعون للحرية والتحرر للمرأة ومحو الغيرة من العلاقة فيما بين الرجل والمرأة، الأب والزوج والأخ والابن ... فالغيرة يا بُنَيّ هي هبة ربانية للحفاظ على النساء، وخلقها الله في الرجال، فبها يستطيع حراسة وحماية تلك اللؤلؤة التي تركت بيت أبيها وتحولت لبيت رجلٍ آخر يقوم ويكمل ما بدأ به أبوها.


وَلَدي العزيز:

لا تغرك المظاهر، ولا تخدعك طلاقة اللسان، والأسلوب، والمنطق، ولا تكن ضحية للقلوب الضعيفة التي تبطن خلاف ما تُـظهر، وكُن صبوراً، رحيماً، لطيفاً ... ولا تنسى الإحسان فهو خُلق الأنبياء والصالحين.


وَلَدي:

عليك بالإدراك والعقل، فهما ميزان الحكماء، وحديقة البلغاء، وبئر الصالحين الذي يرتون منه صفات الكمال، وسُلَّمُهم للوصول لمجالس الفكر، وصفاء الذهن والفراسة في معرفة خفايا الأُمور، فضلاً عن ظاهرها.


وَلَدي العزيز:

لابد للرجل أن يعلم من كل شيء- شيء حتى يسير واثق الخطى، فيأخذ من الأدب واللغة والطب والفلسفة والحكمة وباقي العلوم العلمية والمهنية، حتى يستطيع بها تمييز الحقائق ومعالجة المشاكل التي تواجهه وكذلك حلها.


ولدي كتبتُ لك ...

كما قيل الكلام الكثير يُنسي بعضه بعضاً ... ولكني أحببتُ أَن أَهديك جزءاً مما علمتني الأَيام؛ لِأَكُن لك أباً مثالياً، وتكون لي ابناً باراً، وكذلك لأَنقل لك بعضاً مما تعلمته من أَبي وكذلك من الأَيام ... لتستعين به على تقلبات الأيام، وأَن تكتُبَ لكَ صفحة بيضاء بماء الذهب في كتاب الزمن، وأَن لا تقع في المتاهات التي وقعتُ فيها أَنا، والمشاكل التي واجهتني في هذه الحياة.

              هكذا يا وَلَدي علمتني الأَيام


الأديب د حسام الدين أحمد

كاتب شعر قصة رواية مقالة

باحث في الأدب المعاصر

العراق بغداد


google-playkhamsatmostaqltradent