recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

الفنون جنون بين (د. فوستوس) و(الرجل الذى باع ظهره)

 الفنون جنون

بين (د. فوستوس) و(الرجل الذى باع  ظهره)

الفنون جنون  بين (د. فوستوس) و(الرجل الذى باع  ظهره)



بقلـــــم الأديب المصـــــرى

د. طـارق رضـوان جمعـــه


المقدمة:


يقول" أرسطو: " لا يوجد عبقرية بدون القليل من الجنون . حياة الفنان تتميزبأنها حياة ملغزة ومثيرة وتمتاز بإبداعات فنية. فالفنان المبدع هو إنسان مختلف عن غيره، فهو يتميز بشخصية ذات حساسية عالية بالأحداث من حوله . ينعت البعض الفنانين بالجنون أما البعض الآخر فيرى فيهم أنقى وأرقى التمظهرات الإبداعية للعقل البشري. فى الحقيقة لا أعتقد أن مقولة (الفنون جنون) واقعية، فالجنون هو ذهاب العقل بينما الفنون تتطلب حضور العقل كلياً. ربما البعض يعتقد أن الفنون جنون لأن بعض المبدعين لهم أساليب غريبة فى الحياة ، وربما لأن بعض المبدعين عانى من حالات تفسية معينه.

المحتويات:

1- هل هناك ترابط بين فيلم (الرجل الذى باع ظهره) وبين مسرحية د. فوستوس؟

2- أمثلة لفنانين عباقرة

3- اختلاف  القيم والمفاهيم من زمن لأخر ومن حضارة لأخرى

4- قصة فيلم (الرجل الذى باع ظهره)

5- جنون المشاهير وإحباط العامه

6- لماذا هذه المرة يعرض الفيلم شخص عربى؟ وما هو هذا الوشم؟

7- هل يمكن إدراج البشر ضمن منظومة التداول؟  

8- الخلاصـــة


1- الترابط بين (د. فاوستس) و(الرجل الذى باع ظهره)

بالطبع هناك رابط مشترك بينهما فالبطل فى كلا العملين الأدبيين باع نفسه لشيطانه : فى د. فوستوس البطل باع نفسه للشيطان، والبطل فى الجل الذى باع ظهره باع نفسه لفنان رسم لوحة فنيةعلة ظهره وعرضها على جسد البطل النصف عارى. كلاً من البطلين أصابه اليأس من حياته فكان ذلك سبب التنازل عن الكرامة والروح.ولا يأتى الإحباط إلا من أوضاع إجتماعية رديئة تقتل طموح الشباب وتدمر أحلامه. 


2- أمثلة لفنانين عباقرة

فمثلاً فنسنت فان غوغ الهولندى عانى من مرض عصبي يسمى الإضطراب الوجداني ثنائي القطب ، وهو نوع من الإكتئاب الحاد والخطير الذي يصيب المريض بحالات تتراوح بين الحزن الغير مبرر والخمول المفرط وبين الفرحة الهيستيرية والنشاط المبدع. 


يقول ( فنسنت فان غوغ).عن نفسه : "حين أكون في حالتي الصحية العادية يمكنني التفكير بصورة متوازنة فأنجز لوحات تكلفني الكثير ولا أجني من وراءها شيئا، فهي لا تغطي حتى تكلفة المعدات. إنه لأمر شبيه بالجنون ومناف للعقل تماما."


2- اختلاف  القيم والمفاهيم من زمن لأخر ومن حضارة لأخرى

ما كان في السابق عيباً غير مقبول من الناحية الاجتماعية والأخلاقية، أصبح اليوم مألوفاً .  وضاعت القيم واختلطت المفاهيم. يبدو أن الذوق العام تغيّر، والمسلّمات المتفق عليها على المستوى الإنساني تبدّلت. لقد وهبنا الخالق عزّ وجلّ عقلاً لنميز به بين المنطق واللا منطق.

4- قصة فيلم(الرجل الذى باع ظهره)

مواكبة التطوّرشىء أساسى ولست ضده فهو ضرورةً حتميةً لتطوّر الحياة. وتشاهد فى فيلم (الرجل الذى باع ظهره) شخصية "وسام" شاب سوري عفوي، فر إلى لبنان، هربا من الحرب في بلاده. دون إقامة رسمية، يتعثر "وسام" في الحصول على تأشيرة سفر لأوروبا، حيث تعيش حبيبته عبير. يتطفل " وسام "على حفلات افتتاح المعارض الفنية ببيروت، حيث يقابل الفنان الأمريكي المعاصر الشهير جيفري جودفروي، ويعقد معه اتفاقًا شيطانيا سيُغير حياة وسام للأبد.

في الفيلم الروائي الطويل «الرجل الذي باع ظهره» (2020)،تتكرر الأحداث ونتذكر فنانين قاموا بالوشم والرسم على أجساد البشر لعرضهم، بجسد عارى أو نصف عارى، كلوحات فنية حية أو تماثيل حية. فى الفيلم  تشاهد  "وسام" شاب سوري عفوي، فر إلى لبنان، هربا من الحرب في بلاده. دون إقامة رسمية، يتعثر سام في الحصول على تأشيرة سفر لأوروبا، حيث تعيش حبيبته عبير. يتطفل وسام على حفلات افتتاح المعارض الفنية ببيروت، حيث يقابل الفنان الأمريكي المعاصر الشهير جيفري جودفروي، ويعقد معه اتفاقًا شيطانيا سيُغير حياة وسام للأبد.

فما عمل "وسام"؟ يعمل وسام في مفرخة مُمَيْكَنة لتربية الدجاج، ورمزية مكان عمله بالطبع  واضحه ومقصوده. يلتقي الشاب المعدم بالفنان البلجيكي جيفري، ولا تحتاج الصفقة للكثير من الإقناع. يبيع "سام" ظهره مقابل عرض مالي سخي، وفيزا إلى بلجيكا، حيث تعيش حبيبته السابقة.وما الغريب فى ذلك؟ فهذا ما فعله من قبل الفنان "ويم ديلفوي"، حين وشم ظهر السويسري "تيم شتاينر" وحوّله إلى عمل فني حي، يُعرض نصف عارٍ حول العالم. بين عامي 2006 و2016. وكان على  "تيم" أن  يجلس أمام الجمهور لأكثرمن1500 ساعة، متنقلًا بين متاحف ألمانيا واستراليا والصين وإيطاليا وبريطانيا واللوفر.

5- جنون المشاهير وإحباط العامه

عام 1961، عبأ الفنان الإيطالي "بييرو مانزوني" برازه في عبوات معدنية بسعة 30 غرامًا، وباعها بسعر يساوي وزنها ذهبًا. كان وأطلق على هذا العمل الشهير «براز الفنان». قد تكون  هذه سخريةً لاذعةً من الفن المعاصر، أو ربما دلالة على أهمية  ما يلمسه فنانن شهير مثله. وقام بانتاج تسعين عبوة مماثلة. اليوم، تحتفظ بعض من أكبر متاحف الفن الحديث حول العالم بواحدة من عبوات البراز هذه، وفي الحقيقة لا يعرف أحد إن كانت بالفعل تحتوى على فضلاته أم لا. كما  سوّق وباع  مانزوني كذلك البالونات التي نفخها كأعمال «مفاهيمية» بأسعار عالية ... لوما لا طالما هناك من يدفع تكريماً لأنفاس الفنان الشهير! أيضاً نجح فى بيع  بيضات مقشرة لمسها بأصبعه وترك آثرًا عليها، كعمل فني يحمل بصمته «الحميمة».

6- ولكن لماذا هذه المرة يعرض الفيلم شخص عربى؟ وما هو هذا الوشم؟

الوشم هو عبارة عن نسخة مكبرة من فيزا الشنغن. حيث يمكن للمرء حسب إعتقاد "جيفرى" بأن يتمتع بالحرية. و ترى صفوف من البشر المدموغين بها وبغيرها من العلامات، وهم يتحركون عبر الحدود أو يتم توقيفهم بينها، في تذكير بخنازير ديلفوي الموشومة، وربما أيضًا بأختام الذبائح المعلقة في المجازر. رمزية كريهة للنفس بالطبع.وإستغلال وإنتهاك لحقوق إنسانية وطموحات بشرية عادية أو ربما أقل من العادية.

ويعتقد "جيفرى " أن تحويل الإنسان إلى سلعه يمنحه حرية أكثر وقبول أكثر فى المجتمعات. فحسب ما ذكره فان «الشخص الأفغاني أو الفلسطيني أو السوري هو شخص غير مرغوب فيه، لكن بتحويله إلى تابلوه للرسم، أو بمعنى آخر إلى سلعة… يمكن أن يسترجع حريته وإنسانيته». بجسد نصف عارٍ، يجلس وسام يوميًا للعرض في أحد متاحف بلجيكا، ويتم بيعه كعمل فني إلى واحد من جامعي الأعمال الفنية، كما حدث فعلًا  مع تيم. يعيد الفيلم تشكيل فكرة "دكتور فاوست"، فلم يعُد أحدٌ بحاجة لبيع روحه للشيطان؛ الروح بخسة وعلى الأغلب بلا سعر. الأهم هو الجسد.  فالجلد والجسد البشرى أفيد  وأهم لهم وهو ساحة عمليات التسليع والإستهلاك. 

7- هل يمكن إدراج البشر ضمن منظومة التداول؟  

طرح النُقاد سؤالاً هاماً هل هناك فرق بين بيع الإنسان واستخدامه كسلعه وبين بيع أى سلعة أخرى؟ ما حدث فى الحقيقة بالفعل أمرمخيف قد لا تصدقه فقد باع "تيم" جلده مقدمًا إياه إلى واحد من جامعي الأعمال الفنية، فسيتم سلخه بعد موته ليصبح الوشم عليه عملًا فنيًا دائمًا. والمفاجأة تأتى عندما تعلم أن ليس "وسام" فقط هو الذى باع جلده ،لكن أيضاً حبيبته تزوجت من دبلوماسى سورى وباعت نفسها له لتهرب من الحرب. فماذا إن لم يكن أمام المرء سوى تحطيم جسده أو التهديد بتفجيره حتى يستعيد قليلًا من كرامته؟

8- الخلاصـــة:

تقدم المخرجة التونسية كوثر بن هنية، فيلمها هذا (الرجل الذى باع ظهره) لتوضح أن تحطيم لوحة «بربريةً» تستحق السجن، بينما ذبح مئات الألوف من البشر فى اماكن متفرقة من العالم أمر لا يسنحق الانزعاج.

google-playkhamsatmostaqltradent