recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

داهية العرب " الجزء الأول " إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 داهية العرب " الجزء الأول "


داهية العرب " الجزء الأول "  إعداد / محمـــد الدكـــرورى




إعداد / محمـــد الدكـــرورى


إن الدهاء من صفات العرب المشهورة وهى تفوق الذكاء لأنها تقوم على التحايل والمراوغة فينقلب الموضوع رئسا على عقب لغاية فى نفس الشخص وإن الذكاء هو حدة القلب وسعة الفهم، والدهاء هو الفكر وجودة الرأى، والداهية هو البصير بالأمور والحيل، والفرق بينهما هو أن الذكاء دون الدهاء، لأن كل داهية ذكي، وليس كل ذكي داهية، فالدهاء أعم لتضمنه الذكاء وزيادة، وممن اشتهر بالدهاء هو الصحابى عمرو بن العاص رضي الله عنه فكان يلقب بداهية العرب لجودة رأيه وكثرة حيله، فقال عنه ابن عبد البر والذهبي وغيرهما كان أحد الدهاة في أمور الدنيا، المقدمين فى الرأى والمكر. 


وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا لم يعجبه رأى الرجل يقول أشهد أن خالقك وخالق عمرو واحد، يريد خالق الأضداد، وإن الدهاء من سرعة الخاطر وهى موهبة عظيمة ومنحة كبيرة، وهى مزيج من الذكاء والدهاء، وقد تربح الملايين فى لحظة تكون فيها سريع الخاطر أو تحصد منصبا خطيرا، وقد تخسر كل شىء لأنك بطىء متعثر، ضعيف الملاحظة، مندفع، لا تجيد الحديث، ولا تلتقط الفرصة المتاحة لمن يملك سرعة الخاطر، وسرعة الخاطر ليست حديثا مطولا أو حكاوى قديمة، بل هى ومضة ذكاء أو لمحة ثناء، قد تجعلك محبوبا وصديقا طول العمر، أو مكروها ثقيل الظل طول العمر، وقيل هو ذكى أريب عليم بطباع البشر. 


وخبير بوضع كل كلمة فى زمانها ومكانها، حتى تؤتى ثمارها ويظهر أثرها، وإنه لم يسُد العرب الأوائل إلا بإيمان خالط بشاشة قلوبهم، وشجاعة مكنتهم من رقاب أعدائهم، ودهاء واجهوا به أعتى الإمبراطوريات القائمة وقتها، فإيمان بلا قوة مثل سلاح في غمده، وشجاعة بلا دهاء مثل رجل بساق واحدة، وباكتمالهم جميعا يفتح صاحبها العالم ويسوسه خير سياسة، وقد ذكر القرآن الكريم طرفا من استخدام الحيلة في قصة نبى الله يوسف عليه السلام مع إخوته، عندما وضع صواع الملك في رحل أخيه، وأذن مؤذن من جنود سيدنا يوسف " أيتها العير إنكم لسارقون" ثم يختم الله عز وجل هذا المشهد بقوله " كذلك كدنا ليوسف" وهنا قال القرطبي "وفيه جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة. 


ولا هدمت أصلا، خلافا لأبي حنيفة في تجويزه الحيل وإن خالفت الأصول، وخرمت التحليل" وقد استفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من احتيال نعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب، وقد أفشل الله بكيده وتدبيره مسعى قريش وغطفان ويهود، فكانت الهزيمة في معركة الأحزاب بالحيلة والدهاء، وليس السيف هو الذي حسم المعركة، بل إن السيف لم يكد يُستخدم فيها، وقد توافر لدى العرب المسلمين الأوائل مجموعة من الدهاة أسسوا دولة الإسلام، فلما حاصر العرب المسلمون دمشق تشاور أهلها فيما يتوجب عليهم فعله تجاه ما ألمّ بهم، فاستهان كبيرهم بالعرب المسلمين فقال يا ويلكم، أطمعتم العرب فيكم، وحق رأس الملك ما أرى القوم أهلا للقتال، ولا هم خاطرون لي على بال. 


فلو فتح لهم الباب ما جسروا أن يدخلوا، فراعهم تلك العجرفة من سيدهم، والغفلة التي تلفه، وكأنه لم ير بلدان الشام وهي تتساقط الواحدة تلو الأخرى، فقالوا له أيها السيد، إن أكبرهم وأصغرهم يقاتل العشرة والمائة، وصاحبهم داهية لا تطاق، وقال الشعبى القضاة أربعة، أبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وأبو موسى، والدهاة أربعة وهم معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وزياد، وقال الزهرى، الدهاة خمسة وهم معاوية وعمرو والمغيرة، واثنان مع علي وهما قيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل بن ورقاء، وقد فصّل الشعبي ذلك بقوله فأما معاوية بن أبي سفيان فللأناة والحلم، وأما عمرو بن العاص فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير.


google-playkhamsatmostaqltradent