تداعيات فوز "رئيسي" في الانتخابات الإيرانية
في ضوء فوز "إبراهيم رئيسي" المحسوب على التيار المتشدد بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي عُقدت في 18 يونيو الجاري، بنسبة 62% من الأصوات، تثار التساؤلات بشأن تداعيات فوز "رئيسي" على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وتجدر الإشارة إلى أنه للمرة الأولى في التاريخ الإيراني تتجاوز نسبة العازفين عن الانتخابات نسب المشاركة؛ حيث أدلى 28.9 مليون ناخب فقط بأصواتهم، من إجمالي 59 مليون شخص يحق لهم التصويت، وبلغت نسبة المشاركة 48.7٪، والتي انخفضت إلى 42.5٪ بعد استبعاد الأصوات الباطلة، والتي بلغت 3.7 ملايين صوت، وتُعد هذه النسبة ضئيلة جدًا بالمقارنة مع نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية الثلاثة السابقة، والتي بلغت 70%، كما كشفت نتائج الانتخابات أن الفصيل المعارض للرئيس الإيراني الجديد يتجاوز مؤيديه بصورة كبيرة؛ إذ حصد "رئيسي" حوالي 30% من إجمالي الأصوات الانتخابية الصحيحة، في حين بلغت الأصوات الباطلة نحو 13% من بطاقات الاقتراع؛ وتجاوزت أعداد البطاقات الباطلة أعداد الأصوات الصحيحة لصالح "رئيسي" في بعض المقاطعات، الأمر الذي يعكس خيبة الأمل لدى الجمهور الإيراني.
وفيما يخص أسباب عزوف الناخبين عن المشاركة، تشير التحليلات إلى أن النتيجة كانت محسومة بفوز رئيس السلطة القضائية الأسبق "إبراهيم رئيسي" قبل عقد الانتخابات، وذلك لأنه يحظى بدعم وثقة المرشد الأعلى "آية الله علي خامنئي"، فضلًا عن قيام السلطات الإيرانية بمنع الإصلاحيين والمعتدلين وحلفاء الرئيس "حسن روحاني" من الترشح؛ مما أدى إلى تراجع مشاركة داعمي هؤلاء المرشحين في الانتخابات، وذلك في إطار مساعي السلطات الإيرانية لإفساح المجال أمام المتشددين لاستعادة السيطرة على جميع مفاصل الدولة.
وتشير التحليلات في هذا الصدد إلى عدم شعور "رئيسي" وداعميه من المتشددين بالقلق إزاء تراجع الدعم الشعبي، وذلك في ضوء نجاحه في تنحية الإصلاحيين والمعتدلين من السلطة، من أجل إحكام قبضته على جميع مفاصل الدولة، كخطوة أولى لضمان خلافته للمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية "علي خامنئي"، وفي هذا السياق، في حين يرى بعض الخبراء أنه من المُستبعد أن يتحقق هذا الأمر بسهولة؛ نظرًا لأن "رئيسي" لا يتمتع بمقومات الزعيم السياسي ذي الشخصية الكاريزمية ليتمكّن من كسب التأييد الشعبي، بالإضافة إلى واقع عمله "في الظل" ضمن الجهاز الأمني للدولة منذ أن بدأ حياته المهنية بعد الثورة الإيرانية.
هذا، وقد تعهّد "رئيسي" إبّان حملته الانتخابية بالتركيز على القضايا الداخلية المُلحة، ولا سيَّما الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعانيها عدد كبير من المواطنين الإيرانيين، وقد تطرّق إلى السياسة الخارجية ولكن بصورة هامشية، وفي هذا الصدد، يتوقَّع المراقبون ألا تشهد القضايا المتعلقة بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو أنشطة طهران الإقليمية، أو البرنامج الصاروخي الإيراني، تغييرات جوهرية، نظرًا لأن المرشد الأعلى "خامنئي" له اليد الطولى في القرارات الخاصة بهذه القضايا.
ومن المرجَّح أن يكون "إبراهيم رئيسي" أقل تطرفًا من الرئيس الأسبق "محمود أحمدي نجاد"، والذي يُعد آخر رئيس إيراني محسوب على التيار المتشدد، واتسمت ولايته بخطابات شديدة العداء تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فضلًا عن سياسته الداخلية التي أدت إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، وفي المقابل يرى فريق من الخبراء أن المهام الشاقة التي يواجهها "رئيسي" قد تدفعه للسير على نهج "أحمدي نجاد".
وحول تداعيات فوز "رئيسي" في الانتخابات على الداخل الإيراني، يرجِّح فريق من المراقبين أن يؤدي فوزه إلى سيطرة المتشددين على السلطات الثلاث التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، ومن المرجَّح أن يختار الرئيس الإيراني الجديد مسؤولي حكومته من الهيئات المتشددة، ولا سيَّما الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس التابع له، ووزارة المخابرات، والقوات شبه العسكرية "الباسيج".
وفي المقابل، أشار بعض الخبراء إلى أن عدم استقرار البيئة السياسية الإيرانية يجعل من السابق لأوانه افتراض أن فوز "رئيسي" يمثِّل خطوة نهائية نحو سيطرة المتشددين على الدولة؛ إذ بدأت الانقسامات في الظهور داخل معسكر "رئيسي"، والتي من شأنها إحداث تغيير في الولاءات السياسية داخل المعسكر المتشدد، الأمر الذي سينعكس على المنافسة السياسية داخل النظام الإيراني، ويسفر عن انقسام المعسكر "الراديكالي"، ليتحول بعض أعضائه إلى التيار المعتدل، بما يحقق استمرار دورة المنافسة التقليدية داخل النظام السياسي الإيراني.
هذا، وتشير نتائج الانتخابات إلى أن النظام يواجه أزمة شرعية، في ضوء انخفاض نسب الإقبال على الانتخابات، مما يُنذر باحتمالية حدوث اضطرابات واحتجاجات واسعة النطاق، ومن المرجَّح أن يرد النظام الإيراني الجديد على تلك الاحتجاجات بالسجن والعنف، وقد يصل الأمر إلى الإعدام في بعض الحالات، ومن المتوقَّع أن يُكثف النظام الإيراني حملاته القمعية لمعارضيه، فضلًا عن قمع حريات الرأي والصحافة والتظاهر السلمي.
وفيما يخص تداعيات فوز "رئيسي" على الصعيد الإقليمي، تشير التقديرات إلى احتمالية تعاظم السلوك الإيرني المُزعزع للاستقرار في المنطقة، فضلًا عن تنامي السياسات العدائية، والعمليات العسكرية، في ظل ولاية الرئيس المتشدد، الذي يؤمن بالمبادئ الثورية للجمهورية الإسلامية، ويرغب في نشر تلك المبادئ خارج الحدود الإيرانية، وبالتالي فإنه من المرجَّح استمرار أنشطة الحرس الثوري ال
وعلى الصعيد الدولي، يرى المراقبون أن فوز "رئيسي" من شأنه تعميق عزلة إيران على المسرح العالمي؛ نظرًا لارتباط اسمه بإعدامات عام 1988، ليكون أول رئيس في تاريخ الجمهورية الإيرانية.
كما تجدر الإشارة إلى أن احتمالية الإطاحة بوزير الخارجية "محمد جواد ظريف" من منصبه من شأنها أن تُفقد إيران
وفيما يخص التداعيات على الاتفاق النووي الإيراني، من المُستبعد أن تتخلّى إدارة "رئيسي" عن الاتفاق النووي الإيراني، أو تعرقل محادثات فيينا الخاصة بإعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة حال عدم التوصل لاتفاق في ظل إدارة الرئيس "روحاني" وقبل تنصيب "رئيسي" في أغسطس المُقبل، نظرًا لأن الاقتصاد الإيراني يعاني وطأة العقوبات المفروضة عليه، وبالتالي فإن الإدارة الجديدة في إيران ترغب في رفع تلك العقوبات، ويرجِّح بعض المراقبين أن يعمل النظام على تأخير المحادثات لحين تولِّي الرئيس الجديد منصبه، حتى يُحسب للمتشددين رفع العقوبات.
وفي هذا السياق، تعهّد "رئيسي" بإحياء الاتفاق النووي لتخفيف العقوبات
وختامًا، يمكن القول بأن الانتخابات الرئاسية الإيرانية لا تؤدي عادة إلى تغييرات جذرية أو هيكلية في السياسة الإيرانية، وبالتالي من المرجَّح أن تظل سياسة إيران كما هي على الأصعدة كافة، فنادرًا ما أدت الانتخابات إلى تغيير السياسة الإيرانية على مدار تاريخ الجمهورية الإيرانية، وفي ضوء المعطيات السابقة قد يتبنّى النظام الإيراني أحد مسارين، فإما أن ينتهج خطابًا أكثر انفتاحًا على الصعيد الدولي، وذلك على غرار ما حدث في أعقاب انتخاب الرئيس "محمد خاتمي" عام 1977، أو خطابًا استفزازيًّا، كما حدث عام 2006، بعد انتخاب الرئيس المتشدد " أحمدي نجاد"، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا.
