recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

الغاية من العبادة " الجزء الرابع " إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 الغاية من العبادة " الجزء الرابع "






إعداد/ محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الرابع مع الغاية من العبادة، فقد سُئل أحد السلف الصالح، من أسعد الناس؟ قال إن كنت تبحث عن الراحة والسكون والطمأنينة، فأوصيك أن تمسح رأس اليتيم، وتقبل رأس ذلك العجوز الفقير، فمن أحسن إلى الخلق بالقول والعمل وأنواع المعروف فإن الله يدفع به الهموم والغموم عن العبد، ويعاملك الله وفق معاملتك لعباده، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله "من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه" 


وكذلك فإن من وسائل جلب السعادة هو أن ينظر المرء إلى من هو دونه في أمور الدنيا، فإن المرء إذا نظر إلى من فضل عليه في الدنيا، استصغر ما عنده من نعم الله، فكان سببا لمقته، وإذا نظر للدون، شكر النعمة، وتواضع وحمد وعاش في سعادة، فكلما نظرت إلى من هو أقل منك ازددت رضا وقناعة وسعادة فإن كنت فقيرا ففي الناس من هو أفقر منك وإن كنت مريضا ففي الناس من هو أشد منك مرضا وإن كنت ضعيفا ففي الناس من هو أشد منك ضعفا فلماذا ترفع رأسك لتنظر إلى من هو فوقك، ولا تخفضه لتبصر من هو تحتك؟ وقيل أن رجل كان دائما ينظر إلى من هو أعلى منه في الدنيا وكثرة المال والخدم وكيف كانت نهايته؟ 


فقد روي أن ابن الراوندي الضال جلس على جسر بغداد يسأل الناس فمرت خيل فقال لمن؟ قالوا لعلى بن بلتق غلام الخليفة ثم مرت جواري فقال لمن؟ قالوا لعلى بن بلتق ثم مر به غلام أشفق عليه فأعطاه رغيفا فقال ابن الراوندي الضال لعلى بن بلتق خيل وجواري وأنا أتسول رغيفا فرماه وظل يومه جائعا، فانظر قد اجتمعت فيه خصال الحسد والغل وعدم الرضا بما قسمه الله فختم الله على قلبه فبعد أن كان من أهل السنة انتقل إلى المعتزلة ثم صار رافضيا ثم صار ملحدا ومات على ذلك كما ذكرت كتب التاريخ وهذه نهاية السخط وعدم الرضا، وكذلك فإن من وسائل جلب السعادة هو حضور مجالس الذكر فإن ذلك من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينة ‏القلب. 


وزوال الهم والغم، فعاهد الله من الآن على أن لا تغفل عن ذكره، وستجد نتائج سريعة ومبهرة، فيا من شكى الأرق وبكى من الألم وتفجع من الحوادث، ورمته الخطوب، هيا اهتف باسمه المقدس، هل تعلم له سميا، فالله أكبر كل هم ينجلي عن قلب كل مكبر ومهلل، وكذلك فإن من وسائل جلب السعادة هو العمل وملء وقت الفراغ، فيجب أن نعرف أن السعادة ليست بالراحة بل قد تكون المشقة عين السعادة أحيانا, فلو اضطررت لأن ترمي نفسك في بئر لتنقذ طفلا وقع فيه ستكون سعيدا على الرغم من كل الجروح والآلام التي تعانيها جراء نزولك في البئر، وقد كان لزين العابدين بن علي ندبا في ظهره لأنه كان يحمل الطعام للفقراء ولا شك أنه كان سعيدا في ذلك. 


على الرغم من المشقة التي كان يلاقيها وللرافعي رحمه الله تعالى كلام جميل في ذلك بقوله ليست السعادة في الراحة والفراغ ولكنها في التعب والكدح والمشقة حين تتحول أياما إلى راحة وفراغ، وتلك المشقة التي يكابدها العلماء وطلاب العلم أثناء التحصيل العلمي تضفي عليهم السعادة وترفعهم إلى مراتب من النشوة على الرغم مما يعانونه من مشاق كبيرة, ويقول أحد الحكماء إذا أردت أن تعيش سعيدا خالي البال, فكن شجاعا كالأسد, صبورا كالجمل, نشيطا كالنحلة, مبتهجا كالعصفور، فإن طريق السعادة وعر يحتاج منك إلى مجاهدة وصبر وقد تعب فيه من قبلنا من الأنبياء والصالحين فالطريق ليس مفروشا بالورود وما أجمل وصف ابن القيم لهذا الطريق.

google-playkhamsatmostaqltradent