recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

الإنسان بين الوفاء والغدر "الجزء الثامن"





الإنسان بين الوفاء والغدر "الجزء الثامن"






كتب- محمـــد الدكـــرورى












ونكمل الجزء الثامن مع الإنسان ما بين الوفاء والغدر، فمما ذكرته قصص التاريخ أن امرئ القيس لما أراد المضي إلى قيصر ملك الروم أودع عند السموأل، دروعا وسلاحا وأمتعة تساوي مبلغا عظيما من المال، فلما مات امرؤ القيس أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل، فقال السموأل لا أدفعها إلا لمن له الحق بها وأبى أن يدفع إليه منها شيئا، فعاوده، فأبى وقال لا أغدر بذمتي ولا أخون أمانتي ولا أترك الوفاء الواجب علي، فقصده لذلك ملك كندة بعسكره، فدخل السموأل في حصنه وامتنع به، فحاصره ذلك الملك والمصيبة أن ولدا للسموأل كان خارج الحصن، فقبض عليه الملك وأخذه أسيرا ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل.















فنظر إليه السموأل من أعلى الحصن، فلما رآه قال له إنني قد أسرت ولدك، وها هو معي، فإن سلمت إليّ مال امرئ القيس الذي عندك رحلت عنك وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت، فقال له السموأل والله ما كنت لأخفر ذمامي وأبطل وفائي فاصنع ما شثت، فذبح ولده وهو ينظر، ثم لما عجز الملك عن الحصن رجع خائبا واحتسب السموأل ذبح ولده وصبر محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى أن حفظ ذمامه ورعايةَ وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فسارت الأمثال تضرب بوفاء السموأل، ومن مآثر العرب في الوفاء هو ما جاء في قصة النعمان بن المنذر. 















حيث كان قد جعل له يومين، يوم بؤس من صادفه فيه قتله وأرداه، ويوم نعيم من لقيه فيه أحسن إليه وأغناه، وذات يوم خرج النعمان للصيد على فرسه، وقد انفرد عن أصحابه فأمطرت عليه السماء، وحال ذلك بينه وبين العودة إلى رفاقه، فطلب ملجأ يلجأ إليه، فوجد بناء فإذا فيه رجل من طي ومعه امرأة له، فقال لهما هل من مأوى، فقال الرجل نعم، فخرج إليه فأنزله ولم يكن للطائي غير شاة، وهو لا يعرف النعمان، فقال لامرأته أرى رجلا ذا هيئة، وما أحراه أن يكون سيدا شريفا، فما الحيلة؟ قالت عندي شيء من طحين كنت ادخرته، فاذبح الشاة لأتخذ من الطحين ملة، فأخرجت المرأة الدقيق فخبزت منه ملة، وقام الطائي إلى شاته فاحتلبها ثم ذبحها.













وأطعمه من لحمها، وسقاه من لبنها، وجعل يحدثه بقية ليلته، فلما أصبح النعمان لبس ثيابه وركب فرسه ثم قال يا أخا طيّ أطلب ثوابك، أنا الملك النعمان، قال أفعل إن شاء الله، ثم لحق الخيل فمضى نحو الحيرة، ومكث الطائي بعد ذلك زمانا حتى أصابته نكبة وجَهد وساءت حاله، فقالت له امرأته لو أتيت الملك لأحسن إليك، فأقبل حتى انتهى إلى الحيرة فوافق يوم بؤس النعمان فإذا هو واقف في خيله في السلاح، فلما نظر إليه النعمان عرفه وساءه مكانه، فقال له أفلا جئت في غير هذا اليوم؟ قال أبيت اللعن، وما كان علمي بهذا اليوم، قال والله لو خرج ابني في هذا اليوم لم أجد بُدا من قتله، فاطلب حاجتك من الدنيا، وسل ما بدا لك فإنك مقتول، قال أبيت اللعن. 
















وما أصنع بالدنيا بعد نفسي؟ فقال النعمان إنه لا سبيل إليها، قال فإن كان لا بد فأمهلني حتى ألمّ بأهلي فأوصي إليهم وأهيئ حالهم، ثم انصرف إليك، قال النعمان فأقم لي كفيلا إلى حين رجوعك، فالتفت الطائي إلى شريك بن عمرو من بني شيبان، وهو واقف بجنب النعمان فقال له يا شريك بن عدي، ما من الموت انهزام، من لأطفال ضعاف، عدموا طعم الطعام، يا أخا كل كريم، أنت من قوم كرام، يا أخا النعمان جد لي بضمان والتزام، ولك الله بأني راجع قبل الظلام، فقال شريك بن عدي أصلح الله الملك، عليّ ضمانه، فأمر النعمان للطائي بخمسمائة ناقة، فمضى الطائي إلى أهله، وجعل الأجل حولا، من يومه ذلك إلى مثله من العام المقبل، فلما حال الحول أصبح النعمان.







الإنسان بين الوفاء والغدر "الجزء الثامن"

google-playkhamsatmostaqltradent