recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

هل ثمَّة انفراجة مرتقبة في محادثات فيينا؟

 


هل ثمَّة انفراجة مرتقبة في محادثات فيينا؟


في ضوء محادثات فيينا المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني، تصاعدت حدّة التوترات بين الأطراف المشاركة في الاتفاق في الآونة الأخيرة، لا سيَّما في أعقاب صعود الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" إلى سدّة الحكم، وعدم وجود جدول محدد لاستئناف الجولات المقبلة من محادثات فيينا منذ انتهاء الجولة الأخيرة في شهر يونيو المُنصرم، وتباطؤ الإدارة الإيرانية الجديدة في العودة إلى طاولة المفاوضات؛ حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبد اللهيان" أن الإدارة الإيرانية الجديدة بحاجة إلى فترة زمنية تتراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر لاستئناف المحادثات، الأمر الذي أثار حفيظة القوى الأوروبية، بما يُثير التساؤلات بشأن المعوقات التي تحول دون استئناف المحادثات، وفرص العودة إلى طاولة المفاوضات، والتوصل إلى قرار مُلزم للأطراف المشاركة في الاتفاق.


وفي هذا السياق، طُرحت مرة أخرى المخاوف المُحدقة بأنشطة إيران النووية في أعقاب إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 7 سبتمبر الجاري، أن طهران تواصل زيادة مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب  بما يُعد انتهاكًا خطيرًا لبنود الاتفاق النووي، كما أكَّدت الوكالة في تقريرها الفصلي أن الأنشطة المتعلقة بالتحقق والمراقبة في إيران تمّ تقويضها بشدة منذ شهر فبراير المُنصرم، في ضوء رفض طهران السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى معدات المراقبة التابعة للوكالة، بما يعوق قدرة الوكالة على الرقابة، ولا سيَّما ما يتعلق بمبادلة بطاقات الذاكرة لكاميرات المراقبة كل ثلاثة أشهر، والتي كان من المقرر استبدالها في 24 أغسطس الماضي، بما يزيد المخاطر المتعلقة باحتمالية حدوث ثغرات في عملية جمع البيانات، ويعوق قدرة الوكالة على الاطلاع على سجل أنشطة إيران النووية، أو التحقق من التزاماتها النووية ومراقبتها في المستقبل.

 

وفي هذا الصدد، حذَّر وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" من نفاذ الوقت الممكن للعودة إلى الاتفاق، كما صعّدت الأطراف المشاركة في محادثات فيينا من ضغوطها على طهران، وكانت بصدد الاجتماع لإدانة الممارسات الإيرانية، الأمر الذي دفع الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" للتلويح بعرقلة المحادثات، وفي هذا الشأن، يرى بعض المحللين أن تصريحات "رئيسي" والمسار الحالي للبرنامج النووي، لا سيَّما إطالة أمد العودة إلى طاولة المفاوضات، يأتيان في إطار المساعي الإيرانية للتوصل إلى صفقة تحصد فيها العديد من المكاسب، وخاصةً انتزاع المزيد من التنازلات بشأن العقوبات.


وفي هذا الإطار، توصل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية "رافائيل جروسي"، في 12 سبتمبر الجاري، إلى اتفاق مع رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "محمد إسلامي"، وقد تمخض عن الاتفاق السماح بقيام المفتشين النوويين بتركيب بطاقات ذاكرة جديدة (وسائط تخزين) في كاميرات المراقبة في المواقع النووية الإيرانية، في خطوة من شأنها ضمان استمرار عملية التفتيش، هذا فضلًا عن اتفاق الطرفين على إمكانية إجراء صيانة للكاميرات، وغيرها من المعدات التي تراقب الأنشطة الإيرانية في مختلف المواقع ذات الصلة، ورغم أن المفتشين النوويين لن يتكمنوا من الوصول الآني إلى البيانات التي تسجلها الكاميرات، فإن تسجيل البيانات يتيح إمكانية الوصول لها مستقبلًا، وتعهّد "جروسي" في هذا الإطار بعقد المزيد من المحادثات مع الجانب الإيراني؛ لمناقشة قضايا أخرى، لا سيَّما التحقيق في وجود مواد نووية غير مُبلّغ عنها في بعض المواقع الإيرانية، ومن المقرر أن يلتقي "إسلامي" و"جروسي" في فيينا الأسبوع المقبل، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما سيزور "جروسي" طهران في المستقبل القريب؛ لإجراء مشاورات رفيعة المستوى مع الحكومة الإيرانية.

 

وقد صرَّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "سعيد خطيب زاده"، في 13 سبتمبر الجاري، بأن إيران سمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية باستعمال كاميرات المراقبة المثبتة في المنشآت النووية بدلًا من بطاقات الذاكرة الخاصة؛ للإعراب عن حسن نيتها، إلا أن الوصول إلى الصور والبيانات التي تسجلها تلك الكاميرات سيظل مرهونًا بالتوصل إلى اتفاق بين إيران والقوى العالمية بشأن تنفيذ الاتفاق النووي، مشيرًا إلى أنه سيتم استئناف محادثات فيينا قريبًا.


وفيما يخص تداعيات الاتفاق، تمثّلت أبرز النتائج في عزوف القوى الغربية عن خططها لإصدار قرار ينتقد تقاعس إيران عن التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واتخاذ قرار مشترك ضد طهران على هامش اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المؤلف من 35 دولة، والذي كان يمكن أن يتسبب في تقويض الجهود الرامية لاستئناف محادثات فيينا، وفي هذا الشأن، أشار بعض المراقبين إلى أن إيران نجحت في تحقيق مأربها؛ حيث إن تعهداتها المتعلقة بمواصلة المناقشات رفيعة المستوى بشأن بعض القضايا العالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أفضت إلى تقليص الضغط الغربي عليها من أجل التوصل إلى حل.


ورغم أهمية اتفاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع إيران نظرًا لدوره في الحيلولة دون انهيار المحادثات النووية، فإن هناك العديد من المعوقات المُحدقة بتلك المحادثات؛ حيث تتخوف الوكالة من أنشطة إيران النووية، بالإضافة إلى تزايد الشكاوى المتعلقة بإمكانية وضع معدات المراقبة التابعة للوكالة في طهران؛ حيث أكَّد تقرير مُسرب للدول الأعضاء في الوكالة الأسبوع الماضي، أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب يتجاوز 10 أضعاف الحدود التي ينص عليها الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، كما أنه من المُستبعد أن تكتفي الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الاتفاق.


وفي إطار سياسة المرشد الأعلى الإيراني المتعلقة بالتريث في التفاوض مع القوى الغربية بشأن الاتفاق النووي، وتأكيده أن طهران لا زالت تمتلك المزيد من أوراق الضغط في هذا الصدد بخلاف واشنطن، وامتثال "رئيسي" لتوجيهات المرشد الأعلى، تتفاقم المخاوف الدولية من أن طهران تسعى لكسب المزيد من الوقت في المحادثات للمضي قدمًا في برنامجها النووي.  ويرى العديد من المراقبين أن تعاظم المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب، والانتهاكات الإيرانية المستمرة للاتفاق النووي قد يمنحان طهران المزيد من النفوذ في جولات المفاوضات المقبلة.


وفيما يخص المعوقات المتعلقة بالإدارة الإيرانية الجديدة، لم يحدد الرئيس الإيراني حتى الآن ما إذا كان سيرسل المفاوضين أنفسهم الذين عينتهم الحكومة الإيرانية السابقة إلى فيينا لإجراء جولة جديدة من المحادثات، أم أنه سيعين فريقًا جديدًا للقيام بهذه المهام، وفي ضوء قيام "رئيسي" بنقل مسؤولية الملف النووي الإيراني من وزارة الخارجية إلى مجلس الأمن القومي الإيراني أخذًا في الاعتبار علاقة المجلس الوثيقة بالحرس الثوري، فمن المرجَّح أن تشهد المحادثات المقبلة بشأن الاتفاق العديد من التعقيدات، فضلًا عن احتمالية التباطؤ في إحراز أي تقدم.


وبالنسبة لفرص استئناف محادثات فيينا، فإن الأوضاع المتردية التي يشهدها الداخل الإيراني على المستويات كافة، لا سيَّما تفشي جائحة كورونا، وارتفاع معدل التضخم إلى 40٪، وتصاعد الاحتجاجات المنددة بالنقص الحاد في المياه جنوب البلاد، تُفاقم الضغوط على السلطة الإيرانية للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن البرنامج النووي الإيراني لتقليص العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على البلاد، هذا فضلًا عن مساعي بعض المسؤولين للعودة إلى الاتفاق النووي في القريب العاجل في ضوء مخاوفهم من احتمالية فقدان الديمقراطيين أغلبيتهم التشريعية في الكونجرس العام المقبل، أو البيت الأبيض في 2024 لصالح الجمهوريين.


هذا، وقد أشار العديد من المحللين إلى أن سيطرة المتشددين الإيرانيين على مفاصل الدولة كافة حاليًّا، توفر فرصًا لواشنطن للتوصل إلى اتفاق مع طهران، على النقيض من جهود المتشددين والمحافظين السابقة لتقويض سياسات الرئيس الإيراني السابق "حسن روحاني"، ومن المرجَّح أن تفضي سيطرة المحافظين إلى التوصل إلى اتفاق مع الأطراف المشاركة في محادثات فيينا، في ضوء مساعيهم لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وخاصةً ما يتعلق بتخفيف العقوبات.


وختامًا، فإن الطريق أمام استعادة الاتفاق النووي الإيراني بصورة كلية لن يكون سهلًا؛ فقد أثبتت السنوات المُنصرمة أن سياسة "الضغط القصوى" التي انتهجتها واشنطن لم تكن مجدية في تقويض أنشطة إيران النووية.


google-playkhamsatmostaqltradent