بقلم.- طارق عتريس أبو حطب
اللغة العربية أم اللغات زاخرة بالمفردات غنية بالمترادفات وسعت كتاب الله لفظا و غاية،و هي مانحة كنوزها لمن يفتش عن دررها،و نحاول- عزيزي القارئ-في هذه السطور أن نقدم لك صورة رشيقة من صور تفرد لغتنا الفصحى و تميزها فهيا بنا نطالع......
يطلق على الأنثى لفظ "ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ" :
إﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺴدية قائمة ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻭﺍﻷﻧﺜﻰ ، ولا يوجد بينهما توافق فكري أو عقدي أو انسجام ومحبة فحينئذ ﺗﺴﻤﻰ ﺍﻷﻧﺜﻰ "ﺍﻣﺮﺃﺓ" و لذا قال الله- تعالى- امرأة العزيز، و لم يقل زوجة العزيز، و قال امرأة فرعون، ولم يقل زوجة فرعون ﻷﻥ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻣﺮﺃﺗﻪ آﻣﻨﺖ فلم يتفقا في العقيدة و الايمان فكانت امرأة وليست زوجا، و قال امرأة نوح و امرأة لوط و لم يقل سبحانه زوجة بسبب اختلاف العقيدة بينهمافهما نبيان مؤمنان بينما أنثى كل منهما مشركة فسمى الله كلا منهما امرأة لا زوجة.
و يطلق عليها "ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ" :
ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺴدية وﻳﺘﺮﺍﻓﻖ ﺫﻟﻚ مع اﻧﺴﺠﺎﻡ ﻓﻜﺮﻱ و عقدي وتوافق ومحبة و هذا ما يوضحه و يجليه استخدام القرآن الكريم للفظ "زوجة"في معرض حديثه سبحانه بشأن سيدنا آدم أبي البشر وزوجه :
( ﻭﻗﻠﻨﺎ ﻳﺎ آدم ﺍﺳﻜﻦ ﺃﻧﺖ ﻭﺯﻭﺟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺔ )
وقوله تبارك اسمه في شأن سيدنا و حبيبنامحمد صلى الله عليه وسلم
( ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻗﻞ ﻷﺯﻭﺍﺟﻚ ) و في ذلك تأكيد من ربنا جل شأنه على مدى تحقق الانسجام التام و التوافق المحقق فكرا و عقيدة و فهما بينه وبينهن، و في حديث القرآن الكريم في سورة الفرقان عن دعاء عباد الرحمن أنهم يقولون (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما )
ﻭنود هنا أن نشير إلى قضية مهمة و هي أن الحق جل و علا عبر في الكتاب المبين بلفظ" امرأة" على لسان سيدنا زكريا علىه السلام رغم ما بينهما من انسجام واضح وتوافق فكري حيث
ﻳﻘﻮﻝ الحق :
( ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻣﺮﺃﺗﻲ ﻋﺎﻗﺮﺍً ) و ربما كان السبب هنا هو احتمال وجود ﺧﻠﻞ ما ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺯﻛﺮﻳﺎ ﻣﻊ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﺑﺴﺒﺐ عدم ﺍلإﻧﺠﺎﺏ و هو ما دفع نبي الله زكريا إلى أن ﻴﺸﻜﻮ ﻫﻤﻪ ﺇﻟﻰ ربه واصفا من معه بأنها امرأته لا زوجته. و لعل ما يؤكد صحة افتراضنا أن زكريا بعد أن رزقه الله ولدا هو سيدنا يحيى عليه السلام اختلف سياق التعبير القرآني
فقال الله تعالى
( ﻓﺎﺳﺘﺠﺒﻨﺎ ﻟﻪ ﻭﻭﻫﺒﻨﺎ ﻟﻪ ﻳﺤﻴﻰ ﻭﺃﺻﻠﺤﻨﺎ ﻟﻪ ﺯﻭﺟﻪ )فسماها الله تعالى زوجة لا امرأة و ذلك بعد اصلاح خلل عدم الانجاب.
كما عبر القرآن الكريم فاضحا بيت ﺃبي ﻟﻬﺐ
ﻓي قوله سبحانه:
( ﻭﺍﻣﺮﺃﺗﻪ ﺣﻤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺤﻄﺐ )
ليدلل القرآن أنه لم يكن بينهما انسجام وتوافق!
بينما يطلق على الأنثى لفظ "الصاحبة":
عند انقطاع العلاقة الفكرية والجسدية بين الزوجين،
و لذلك ففي الحديث عن مشاهد يوم القيامة يستخدم القرآن الكريم لفظ" صاحبة"
قال تعالى :
( ﻳﻮﻡ ﻳﻔﺮ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﻭﺃﻣﻪ ﺃﺑﻴﻪ ﻭﺻﺎﺣﺒﺘﻪ ﻭﺑﻨﻴﻪ ).
لأن ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ انقطعت بينهما بسبب أهوال يوم القيامة.
ﻭﺗﺄﻛﻴﺪﺍً ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺻﺮﺍﺣﺔ:
( ﺃﻧﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻭﻟﺪ ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ ﺻﺎﺣﺒﺔ ) فلم ﻳﻘﻞ "ﺯﻭﺟﺔ"ﺃﻭ " ﺍﻣﺮﺃﺓ" و إنما قال " صاحبة " و ذلك لينفي ﺃﻱ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺴﺪﻳﺔ ﺃﻭ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻄﺮﻑ الآخر نفياً قاطعاً حاسما .
فسبحان من أنزل فأدهش، و أوجز فأعجز.
