recent
أخبار ساخنة

الإعلام والإعلام الرقمي والأزمات الصحية: أزمة كورونا نموذجًا


الإعلام والإعلام الرقمي والأزمات الصحية: أزمة كورونا نموذجًا

د. عبير عزي 

أستاذ الإعلام بالأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا

تلعب وسائل الإعلام دورًا بارزًا في التأثير على الأفراد، وصانعي القرار، من خلال دورها في تشكيل اتجاهات الرأي العام، وعملية صنع القرارات السياسية، وتزداد أهمية الاعتماد على وسائل الإعلام في أوقات الأزمات؛ حيث تصبح مصدرًا أساسيا للحصول على المعلومات في وقت الأزمة، لا سيما أن المجتمع يصبح أكثر تفاعلا مع وسائل الإعلام للحصول على تفاصيل أكثر عن الأزمة وظروفها أيا كان نوعها، خاصة مع ما تتسبب فيه الأزمات من الارتباك، وفقدان الاتزان، والذعر، وتظهر الدراسات العلمية تأثيرات وسائل الإعلام في إدارة الأزمات من خلال محاولة التعريف بها، وتسليط الضوء على ما يصاحبها من تحولات وتطورات، وحشد وتعبئة الرأي العام لمواجهتها، وأساليب الوقاية والعلاج في حال وقوع الأزمة.

وقد لعب الإعلام بكل قنواته دورًا بارزًا خلال أزمة كورونا؛ حيث حققت العديد من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة إقبالا كبيرًا من المتابعين خلال تلك الأزمة التي ألقت بظلالها على العالم، وجعلته في حالة التفاف لم يشهد لها مثيلا من قبل، والسبب هو اهتمام العالم أجمع بموضوع واحد يهدد البشرية كلها، على خلاف ما اعتادت وسائل الإعلام تناوله من موضوعات ذات صلة بأزمات وقضايا مختلفة لم تجمع البشرية جمعاء، كما هو الحال في أزمة جائحة كورونا.

وفي ضوء هذا الإقبال الكبير من قِبل الجمهور على وسائل الإعلام للحصول على المعلومات، واهتمام وسائل الإعلام بالتغطية الإخبارية لهذه الأزمة، وإطلاق حملات توعية وإرشاد لمكافحتها، وسائر أشكال المحتوى الإعلامي الذي اتجه للتوعية لمواجهة هذا الخطر، نجد وسائل الإعلام الجديدة، وفي مقدمتها الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تدخل إلى الساحة لتلعب دورًا خطيرًا أثناء هذه الأزمة، ونتيجة لغياب فكرة التوثيق على شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت تلك المواقع بيئة خصبة لتداول الشائعات، ومشاركة التعليقات دون التأكد من صحة ما يتم نشره وتداوله، ويتحمل جمهور وسائل التواصل الاجتماعي جانبًا كبيرًا من المسؤولية فيما يجري الحديث عنه من جوانب سلبية، سواء بنشر الأخبار المفبركة، أو نشر الشائعات، وصولا إلى السعي بقصد أو دون قصد لبث الخوف والذعر في نفوس الأفراد، الذين وجدوا أنفسهم في حالة من القلق، دفعتهم للتشبث بأية معلومة ربما تكون في أساسها غير صحيحة.

ويتحمل الإعلام التقليدي مسؤولية كبيرة لمواجهة فوضى السوشيال ميديا، إلا أنه وبشكل غير مبرر انزلق في استقاء بعض المعلومات إلى ما يتداوله الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح «الترند» يحرك أجندة وسائل الإعلام التقليدية، وهو أمر خطير، ولا يمكن بأي حال التقليل من دور وسائل الإعلام التقليدية في إدارة معركة الوعي، والجهد الذي يبذل في هذا المجال، إلا أننا نؤكد على أهمية أن يمتلك الإعلام الرسمي زمام الأمور، لأنه الإعلام الرصين الذي يعتمد على مصادر موثوق بها للمعلومات.

وقد لعب اليوم إعلامنا الرسمي وغير الرسمي دورًا بارزًا في مواجهة أزمة كورونا، وكان له دور رئيس ومحوري في إدارة الأزمة إعلاميا بكل مهنية واحترافية، وذلك من خلال ما قدمه ويقدمه من معلومات وأخبار وبيانات صحفية للمواطن، تمتعت بالمصداقية والشفافية والوضوح والدقة، أخذًا في الاعتبار أن هدف وسائل الإعلام في أوقات الأزمات هو خلق حالة من الوحدة والتكتل في مواجهة المخاطر، وقد استطاع إعلامنا أن يدحض الشائعات التي تحاول أن تجد لها مكانًا عبر الإعلام الافتراضي، كما استطاع إعلامنا خلال هذه الأزمة أن يكون أكثر وعيًا في تحجيم محاولات الأعداء المدفوعة بأجندات خارجية للتقليل من شأن الجهود الوطنية المبذولة في مواجهة أزمة كورونا.

ويعتبر الإعلام الصحي من أهم الأشكال التي فرضت نفسها، ولا سيما مع زيادة حجم الأوبئة التي أفرزها التطور التكنولوجي، وتخليق الفيروسات، وحروب العالم الجديدة، وبصفة خاصة في الآونة الأخيرة، حيث أصبح له مكانة مهمة في إدارة الأزمات الصحية، والتعامل معها، والسيطرة عليها، وذلك من خلال العديد من الآليات التوعوية، التي لعبت دورًا بارزًا في رفع حالة الوعي، والالتزام بالإجراءات الاحترازية، وبقدر ما أسهمت وسائل الإعلام الرقمي في تحقيق فكرة التواصل المباشر بين البشر، ولا سيما وقت الأزمات، بقدر ما بدا من وجهة نظر الكثير من المتخصصين أنها فشلت في اختبار المصداقية والموثوقية.

ومنذ بدأت الأزمة بانتشار الفيروس في الصين، وانتقاله لدول أخرى، بدا واضحًا في العديد من منصات التواصل الاجتماعي أن هناك ما يشبه حالة من الذعر والهلع الجماعي، التي يروج لها قطاع كبير من رواد تلك المنصات؛ حيث قام موقع تويتر، على سبيل المثال، بحظر بعض المحتويات الموجودة على المنصة؛ بسبب «المحتوى المضلل» حول الوباء، وحذف أي محتوى يروج لشائعات مضللة بشأن فيروس كورونا، وهو أمر ضروري ينبغي على المنصات الأخرى أن تنتهج نهجًا مشابهًا له لحماية المتلقي من الأخطار.

ويبدو أن التحدي الأكبر الذي تواجهه وسائل التواصل الاجتماعي هو مسألة الثقة والمصداقية، ورغم أنها عرفت على مدار السنوات الماضية بأنها وسيلة سريعة لتداول ونقل الأخبار، فإن الجمهور يلجأ تلقائيا في أوقات الأزمات لوسائل الإعلام التقليدية، خاصة الرصينة منها، وهو ما يعكس أزمة فقدان الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي المستحدثة، خاصة في أوقات الأزمات. وفي هذا السياق، يشير «روجر موسي» في مقال بمجلة «نيو ستيتسمان» إلى بروز دور هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) خلال الأزمة، وكيف هرع الناس إليها كخدمة عامة موثوق بها، لأنهم يطمئنون لأخبارها، ويقول الكاتب: إن الأزمة أظهرت كيف أن (بي بي سي) تعد ضرورة وتجب حمايتها، ويضيف الكاتب «أنه في الوقت الذي نخشى فيه على العالم، فإنه يبدو أن هناك تعطشًا خلال هذه الأزمة للحقائق الموثوق بها، والتي تُطمئِن كل هؤلاء الذين أصابتهم الهيستيرا بفعل المعلومات غير الدقيقة التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي».

كما أن وسائل التواصل الاجتماعي توفر للمستخدمين منافذ يعبّرون من خلالها عن استجاباتهم الفردية لتفشي جائحة كورونا، ويمكن تقييم استجابات المستخدمين في اتجاهين؛ أحدهما إيجابي، بخلق فضاء يحاول به الأفراد التعايش مع الأزمة وتخطيها، واتجاه آخر سلبي، يحاول توظيف الأزمة لنشر الشائعات والخرافات، وأحيانًا لنشر توجهات عنصرية، أو إجرامية، أو حتى أيديولوجية مختلفة.

ونشرت مجلة «تايم» الأمريكية دراسة لتوجهات السوشيال ميديا في الولايات المتحدة الأمريكية على منصتي «فيسبوك» و»تويتر» بوجه خاص إبّان جائحة كورونا، مشيرة إلى اعتبارهما وسيطًا حاسمًا في تداول المعلومات التي يحتاجها الناس في ظل العزلة التي فرضتها الجائحة، والعمل والدراسة من المنزل، إلا أنه في الوقت ذاته باتت هذه المنصات وسيطًا لترويج معلومات مضللة تبحث عن الإثارة، وشائعات مفبركة، وبالتالي باتت سببًا في زيادة قلق الناس، ونشر حالات الهلع بينهم.
 
ويعتبر «جيف هانكوك»، مدير مختبر سوشيال ميديا بجامعة ستراتفورد بالولايات المتحدة الأمريكية، أنّ هذا النشاط والتعليقات التي تدور على المنصات الإلكترونية تعرض كيفية تعامل المجتمعات البشرية عبر العالم مع جائحة كورونا، التي لا سابقة لها في العصر الحديث، وحين اجتاحت العالم جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام ١٩١٨، لم يكن ممكنًا فهم تعامل المجتمعات البشرية، واستجابتها للجائحة؛ بسبب عدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي، ويقول بهذا الخصوص: إن «التفاعل على هذه المنصات يتيح للمجتمعات أن تتلمس طريقها من خلال التهديد غير المسبوق الذي يتعرض له النوع البشري»، موضحًا أن ملايين الأفراد يتعاملون مع الأطباء والمختصين والباحثين والمعالجين مباشرة من خلال هذه المنصات.

وتعكس أبحاث مركز «جلوبال ويب إندكس» بشأن استخدام المواقع الإلكترونية أن نسبة ٥٠% تقريبًا من المستخدمين في الدول الغربية زادت من استخدام المواقع الإلكترونية، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل البحث عن الأخبار، خصوصًا فيما يتعلق بمخاطر جائحة كورونا، وكيفية تجنب الإصابة بها، وفي حالة «فيسبوك»، تشير الإحصاءات إلى زيادة بلغت ١١% يوميا خلال شهر مارس الماضي، مقارنة بنسبة الاستخدام في الشهر ذاته من العام الماضي، وكان هذا الشهر هو بداية فترة البقاء في المنزل لتجنب الإصابة بالفيروس، كما تضاعفت خلال هذا الشهر استخدامات «ماسنجر»، لإرسال وتلقّي الرسائل النَّصية، كما تضاعف أيضا استخدام منصة «واتساب»، خصوصًا في المناطق الأكثر تأثرًا بانتشار الفيروس.
 
وعلى النقيض، اعترفت إدارة «فيسبوك» بأن الفترة نفسها شهدت انخفاضًا كبيرًا في الطلب على الإعلانات، وسحبت معظم الشركات إعلاناتها لخفض التكلفة، ولكن بعد ذلك استقرت الأمور قليلا، وعادت الشركات للإنفاق مرة أخرى في فترة التعافي، ولكن بنسب أقل من السابق.

وفي الختام، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي هي سلاح ذو حدين، فإما أن يتم توظيفها بشكل إيجابي لخلق الوعي، ومشاركة المعلومات، والتعبير عن الرأي بحرية، وإما أن تصبح ساحة لتداول الأمور التافهة، أو المضامين التجارية التي يتكسّب منها البعض، خاصة مع ظهور ظاهرة «الإنفلوانسرز» influencers، و»اليوتيوبرز» youtubers، وغيرهم الذين يلعبون دورًا خطيرًا في التأثير على اتجاهات المستخدمين، والأمر مرهون بسلوكيات المستخدم، ومدى وعيه، وقدرته على استخدام تلك المنصات فيما يفيد.
google-playkhamsatmostaqltradent