recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

مؤسسة الأسرة ودور المرأة كشريكة فيها

 

مؤسسة الأسرة ودور المرأة كشريكة فيها


د. ياسر القاضي

خبير استراتيجي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأمين عام اتحاد الغرف المصرية السابق

تسعى المقالة إلى تسليط الضوء على الفهم الخاطئ للدور الحقيقي للمرأة كشريكة فاعلة، حتى ولو لم تكن تعمل، وكيف أن القوانين الوضعية وفهم المنهج لا يتعامل معها بشكل صحيح، وتقتصر النظرة إليها من منظور: الميراث في حالة الوفاة والنفقة في حالة الطلاق فقط.

الموضوع من وجهة نظري له أبعاد اجتماعية واقتصادية وقانونية؛ لو أمكن عرض الموضوع كبداية لمناقشة علمية ودينية ومجتمعية سنصل إلى نتائج ممتازة في إعادة الروح للعلاقة بين الزوجين كشركاء في مؤسسة الأسرة الاجتماعية الاقتصادية، وستكون عنصر قوة لطرفي العلاقة لاستمرار تلك الشراكة، وعدم فضها لأسباب تتركز معظمها في تلك القضية: «ما حقوقي؟  مثلي مثلك...»، وهكذا.

ولا أدّعِي أن لدي الحلول والرؤية الواضحة الكاملة لمناقشة الموضوع لما له من أبعاد مختلفة تؤثر على المجتمع وفئاته المختلفة، وقناعاته، والميراث التاريخي الذي أصبح قانونًا وعرفًا سائدًا رغم المظالم الكثيرة التي تتعرض لها مؤسسة الأسرة، لعدم وضوح مكوناتها، وأدوار عناصرها الداخلية والخارجية.

ونظرًا لأن الموضوع ما زال يحتاج إلى تضافر الجهود من الخبرات ذات الخلفيات الثقافية والعلمية المختلفة، فإن الأساس في النقاش سيكون في هيئة مجموعة من الأسئلة التي نحتاج إلى الإجابة عنها قبل إصدار أية قوانين أو تشريعات لتنظيم علاقة المرأة والرجل كشركاء في مؤسسة الأسرة.

أولًا: لدي قناعة كاملة أن ظلم الإنسان ليس من طبيعة أي نظام ديني أو وضعي، وإذا تعرضنا لحالات فيها ظلم لأحد أطراف العلاقة بمؤسسة الأسرة فإن المشكلة ستكون في التطبيق وليس في المنهج. وتكمن المشكلة الرئيسة في أن بعض القوانين في تنظيم علاقة شركاء العمل في مؤسسة الأسرة اعتمدت على رؤية فقهية لأزمنة

لا تتناسب في تطبيقاتها مع ما نعيشه في العصور الحديثة، والجهود التي تمت خلال السنوات الأخيرة تُعد جهودًا فردية، لم تُتَرجم إلى تشريعات وقوانين تنفيذية؛ مما أدى إلى تفاقم المظالم، ومناداة العديد من الجهات والمنظمات إلى إيجاد حلول عملية سريعة، وبدأ الحوار في محاولة نسخ بعض القوانين الغربية وعرضها في المؤتمرات ووسائل الإعلام المختلفة لتكون أساسًا لتشريعات جديدة تنظم العلاقة بين شركاء مؤسسة الأسرة.

أولًا: لدي قناعة كاملة أن ظلم الإنسان ليس من طبيعة أي نظام ديني أو وضعي، وإذا تعرضنا لحالات فيها ظلم لأحد أطراف العلاقة بمؤسسة الأسرة فإن المشكلة ستكون في التطبيق وليس في المنهج. وتكمن المشكلة الرئيسة في أن بعض القوانين في تنظيم علاقة شركاء العمل في مؤسسة الأسرة اعتمدت على رؤية فقهية لأزمنة لا تتناسب في تطبيقاتها مع ما نعيشه في العصور الحديثة، والجهود التي تمت خلال السنوات الأخيرة تُعد جهودًا فردية، لم تُتَرجم إلى تشريعات وقوانين تنفيذية؛ مما أدى إلى تفاقم المظالم، ومناداة العديد من الجهات والمنظمات إلى إيجاد حلول عملية سريعة، وبدأ الحوار في محاولة نسخ بعض القوانين الغربية وعرضها في المؤتمرات ووسائل الإعلام المختلفة لتكون أساسًا لتشريعات جديدة تنظم العلاقة بين شركاء مؤسسة الأسرة.

في مناقشات متعددة للموضوع مع كثير من الفئات العمرية والجنسيات المختلفة، كانت معظم الردود تصب في وضعية أن ما أطرحه للمناقشة مخالف للفقه والميراث التاريخي في هذا الموضوع، والسبب الرئيس في ذلك يرجع إلى أن النظرة اعتمدت على تصنيف علاقة الزوجةبمؤسسة الأسرة بأنها تابعة للزوج، وأن الثروة التي تُبنى في خلال الحياة الزوجية هي ملك للرجل، ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك، أو أن الرجل تطوع وأهدى الزوجة مالًا، أو عقارًا، أو غير ذلك؛ وبالتالي فإن الزوج هو صاحب الحق في الهبة والعطاء، وهو صاحب الحق في رمي يمين الطلاق، ولا يكون للزوجة إلا حقوقها نتيجة الحضانة والنفقة، وفي حالة الوفاة لا يكون للمرأة إلا حقها في الميراث حسب قوانين الشريعة.

إذا اتفقنا من ناحية المبدأ: أن مؤسسة الأسرة هي مؤسسة اجتماعية اقتصادية، فإن نظام إدارة الأسرة يحتاج إلى توزيع الأدوار بين الشركاء. ولو اتفقنا أن توزيع الأدوار يعتمد على طبيعة الجنس، والعناصر العاطفية، والعقلية، والجسدية، وغيرها، من المكونات الجسدية والنفسية لكل منهما، وفي إطار الاتفاق على أن المشاركة تعتمد على مفاهيم التكامل، وليس المساواة، حتى يستقيم الأمر في تحديد دور كل شريك في المؤسسة، سنجد دون اختلاف أن قضايا الولادة والتربية وإدارة المنزل تتوافق مع التكوين النفسي والبدني للزوجة؛ لذلك فإن دور الزوجة يقوم على الإدارة التنفيذية للعمليات المنزلية، ويركز دور الرجل في الأغلب على الإدارة الكلية أو الاستراتيجية، وهنا يجب التوضيح أن الزوج إذا قام بمعاونة الزوجة في بعض أعمال المنزل فيكون تحت إشراف الزوجة المديرة التنفيذية، وللمرأة الحق أن تستأجر آخرين للقيام ببعض الأعمال المنزلية لمعاونتها، تصل في بعض الأحيان الى استئجار المرضعة في حالة القدرة المالية على القيام بذلك. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن عدم قيام الزوجة ببعض الأعمال والاعتماد فيها على الغير، مثل: الخادمة، أو المرضعة، أو خلافه، لا يُعد تقصيرًا منها، لأن دورها إشرافيًّا على أداء تلك الأعمال، وفق متطلبات الأسرة.
 
لا أحاول أن أناقش قضية ماذا يحدث نتيجة الطلاق أو الوفاة، ولكن تركيز الحوار يهدف إلى إيجاد قواعد مشتركة لتحقيق العدالة المجتمعية لطرفي العلاقة في مؤسسة الأسرة «الزوج والزوجة»، ولعلنا نبدأ بمناقشة بعض القضايا التي تحتاج إلى تدبر ورؤية واضحة، ولنبدأ بالواقع الحالي للزوجة في مؤسسة الأسرة، مع الأخذ في الاعتبار أن العمليات الداخلية تشمل كل الأمور التى يحتاج إليها المنزل وتربية الأولاد، والعمليات الخارجية تشمل العلاقات الاجتماعية للأسرة وغيرها.
زوجة لا تعمل وتشرف على جميع العمليات الداخلية بالمنزل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
زوجة تعمل من المنزل وتشرف على جميع العمليات بالمنزل بشكل مباشر أو غير مباشر.
زوجة تعمل في الخارج وتشرف على جميع العمليات بالمنزل بشكل مباشر أو غير مباشر.
زوجة تشارك زوجها نوع العمل نفسه مع قيامها بأعمالها المنزلية، والتي قد يشارك الزوج في بعضها.
 
في الحالات السابقة تكون المرأة شريكة مناصفة في الثروة التي يتم تحقيقها للأسرة خلال فترة الزواج؛ نظرًا للمشاركة المتساوية لهما في الإدارة الاستراتيجية والتنفيذية لهذه المؤسسة، وهنا تجب الإشارة إلى أن من محددات الحوار الآتي:

لعلنا نعطي مثالًا لتوضيح الفكرة التي أحاول مناقشتها: يمكن لرجل وسيدة الاتفاق على إنشاء مؤسسة تجارية، ولنختار مثلًا «حضانة»؛ يكون الرجل بمثابة المستثمر الرئيس والممول للمشروع، وتكون المرأة المدير التنفيذي مع مشاركتها بالمجهود دون التمويل، في هذه الحالة تكون الثروة التي يتم تكوينها خلال فترة حياة هذه الشركة ملكًا للطرفين بالنسب المتفق عليها بينهما، وفي حالة فض الشراكة يتم تقييم أصول الشركة، ويتم توزيعها بين الطرفين حسب الاتفاق. 
 
إذا اتفقنا على الرؤية التي تم طرحها سابقًا في مفهوم مؤسسة الأسرة والشراكة بين الطرفين، فمن الطبيعي أن يتم تقاسم الثروة التي تم تكوينها خلال فترة حياة الشراكة في حالة الطلاق، وهو أسهل سيناريو يمكن مناقشته، ويترتب على حالة فض الشراكة «الطلاق» أن يشترك الطرفان في تحمُّل مسؤولية كل المصروفات والمسؤوليات التي ترتّبت على تلك الشراكة، مثل: الأولاد.
 
وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى التجربة المغربية؛ حيث أضحى «لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها، ويضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، ويقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام سالفة الذكر. إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة».

ويركز السيناريو الثاني على مناقشة حالة الزواج من زوجة أخرى: ماذا لو قام الرجل بتكوين مؤسسة اجتماعية واقتصادية أخرى، مثل: الزواج من زوجة أخرى؟ فيكون الأصل في هذه الحالة أن يتم حساب ما تم تكوينه وتقسيمه بين الطرفين قبل الدخول في الشراكة الجديدة، ليكون للزوجة حقها في استمرار الشركة وفق نسب جديدة مع الزوجة الثانية، أو رفض الشراكة وفضها، وينطبق الوضع نفسه في حالة الزواج الثالث أو الرابع.
 
والسيناريو الثالث: حالة الوفاة لأي من الطرفين؛ حيث يتم تقسيم الثروة بينهما قبل توزيع الميراث حسب قوانين الشريعة، ويكون للطرف الوارث حقه في الميراث في النصف الآخر، وهنا يمكن الاستناد إلى قصة لسيدنا «عمر بن الخطاب»، رضي الله عنه، توضح مفهوم العدالة في القضية المطروحة، وهو وصف للحالة رقم 2 التي تم طرحها سابقًا.
ولعل من الإيجابيات الحديثة ما أشار إليه شيخ الأزهر الإمام الأكبر «أحمد الطيب» خلال الحلقة ٢٥ من برنامج «الإمام الطيب»، وتدوينته على تويتر: «إنه من حق الزوجة شرعًا أن تحدد لنفسها نصيبًا تحتجزه من ثروة زوجها وهو حي بمقدار ما شاركت فيه، ولا يخضع هذا النصيب لقسمة الميراث ولا يرتبط بوفاة الزوج، ولها أن تأخذه قبل أو بعد وفاته، لأنه في الحقيقة دَيْن في ذمة الزوج».

وقد أشارت مجلة العربي الجديد، بتاريخ 8 مايو 2021، إلى عرضها لحديث شيخ الأزهر في برنامجه التلفزيوني الرمضاني، عن بعض القضايا الفقهية الخاصة بالمرأة؛ ما أثار استحسان الكثير من المهتمين بقضايا التراث والتجديد الفقهي، وأيضًا من المهتمين بقضايا المرأة، وما يهمنا في هذا الحديث ما اختتم به الشيخ الطيب حديثه:
وفي مقالة بصحيفة المدينة السعودية، بتاريخ 25 /11 / 2017 ، بعنوان: «حق السعاية للزوجة»، أشارت المقالة إلى أن فقيهًا مالكيًّا مغربيًّا عاش في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، وهو «أحمد بن عرضون»، أحيا فتوى سيدنا «عمر بن الخطاب»، رضي الله عنه، بحق «الكد والسعاية للزوجة»، ولم يجرؤ أحد قبله من علماء المغرب على فعل ذلك، وملخصها: أنه لما كانت المرأة تعمل إلى جانب زوجها في الريف المغربي آنذاك -ولا يزال الأمر إلى اليوم- فهي تقوم بالعمل نفسه الذي يأتيه الرجل من حرثٍ ودراسة، وحصاد كل الأشغال الشاقة خارج البيت، فضلًا عن الوظيفة المنزلية، فإن «ابن عرضون» رأى أنه من الظلم والحيف أن لا يعطي المرأة نصيبًا من تلك الثروة المشتركة بينهما حين حصول الطلاق أو الوفاة، وقد كان التشريع الفقهي المعمول به يَحرِم المرأة من كل جهدها وثروتها فتذهب أدراج الرياح، وتخرج من البيت كما دخلته أول مرة، أو أضعف وأوهن، وعليه تشير الفتوى إلى ضرورة اقتسام الثروة على النصف بينهما حين الوفاة أو الطلاق، ثم تأخذ حظها من الميراث من النصف الباقي، إمّا الثُمن فيما بقي إن كان للزوج أولاد، أو الربع في حالة عدم وجود أولاد، وذلك حين الوفاة، وهي لا تزال في العصمة، عملًا بفتوى سيدنا «عمر بن الخطّاب»، رضي الله عنه، ولا شك أن المثال نفسه من مشاركة المرأة في الريف الرجلَ في تفاصيل الاستزراع والحصاد وخلافه، يطبَّق على الريف المصري.

في ضوء ما سبق، يتضح أن هناك محاولات جادة لإيجاد حلول حديثة وعادلة لدور الزوجة وحقوقها في مؤسسة الزوجية؛ وإذا اتفقنا على ما ناقشناه من أن كل من الزوجة والزوج هما شركاء في مؤسسة الأسرة وفق معطيات العصر الحديث، فإن نتيجة ما حكم به الفاروق «عمر»، وما أدلى به فضيلة الإمام الأكبر يمكن أن يمثِّل رؤية مستقبلية لتحقيق مفهوم المشاركة العادلة للعلاقة بين الزوج والزوجة في موضوع العلاقات المالية، وحقوق كل طرف، يما يتوافق مع روح العقيدة، ومعطيات التفسير الفقهي الحديث.
google-playkhamsatmostaqltradent