recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

إنترنت الأجسام.. مستقبل الرعاية الصحية


إنترنت الأجسام.. مستقبل الرعاية الصحية

قبل عشر سنوات، كان من الصعب على البشر تخيل أنه يمكن علاجهم باستخدام جهاز مشابه لألعاب الفيديو، ولكن في عام 2018، أصبح الواقع الافتراضي (VR) بمثابة طفرة في التحول الرقمي في مجال الرعاية الصحية، حيث يعمل عدد لا يحصى من التطبيقات على تغيير طريقة علاج المرضى.

ويتمثل الهدف الرئيس من التحول الرقمي في مجال الرعاية الصحية في تبسيط عمل الأطباء، وتحسين الأنظمة، وتحسين نتائج المرضى، وتقليل الأخطاء البشرية وخفض التكاليف؛ وهذا ما أدى إلى التفكير فيما يسمى بإنترنت الأجسام.

يعد إنترنت الأجسام امتدادا لإنترنت الأشياء؛ حيث يتم ربط جسم الإنسان بشبكة الانترنت من خلال الأجهزة التي يتم ابتلاعها أو زرعها أو توصيلها بالجسم بطريقة ما، وبمجرد الاتصال، يمكن تبادل البيانات، ويمكن مراقبة الجسم والجهاز والتحكم فيه عن بُعد، فمصطلح إنترنت الأجسام هو عبارة عن الصناعة المتنامية للأجهزة التي ترصد الجسم البشري، وتجمع معلومات صحية وشخصية، ويتم نقل تلك البيانات والمعلومات عبر الإنترنت، وقد تم اعتماد هذا المصطلح من جانب البروفيسورة أندريا ماتويشين عام 2016.

كما عرفت مؤسسة راند للأبحاث "إنترنت الأجسام" بأنه هو هذا النوع من التكنولوجيا الذي لديه القدرة على تحسين حياة البشر بطرق لا حصر لها، وتقوم راند بدراسات مستمرة من أجل تعظيم الاستفادة من الجانب الإيجابي لإنترنت الأجسام والتخفيف من مخاطره المحتملة.

وهناك ثلاثة أجيال (أشكال) من إنترنت الأجسام، يتم تصنيفها حسب مكان وجود الجهاز كما يلي:

الجسم الخارجي: وهي عبارة عن أجهزة يمكن ارتداؤها مثل ساعات Apple أو Fitbits ويمكنها مراقبة صحة الأفراد.

 الجسم الداخلي: تشمل أجهزة تنظيم ضربات القلب، وزرع القوقعة، والحبوب الرقمية التي تدخل داخل الأجسام لمراقبة الجوانب المختلفة للصحة أو التحكم فيها.

الجسد المضمن: الجيل الثالث من إنترنت الأجسام وهو عبارة عن تقنية يتم خلالها دمج التكنولوجيا والجسم البشري معًا، ويكون لهما اتصال في نفس الوقت بجهاز آخر بعيد.

وهناك عدة أمثلة لأجهزة إنترنت الأجسام قيد الاستخدام والتطوير، ولعل المثال الأكثر شهرة لإنترنت الأجسام هو جهاز تنظيم ضربات القلب أو مزيل الارتعاش، وهو جهاز صغير يوضع في البطن أو الصدر لمساعدة المرضى الذين يعانون من أمراض القلب على التحكم في نظم القلب غير الطبيعية باستخدام النبضات الكهربائية.

أما بالنسبة لـ"الحبة الذكية"، فهي أحد أجهزة إنترنت الأجسام، وتحتوي هذه الحبوب على شرائح كمبيوتر وأجهزة استشعار إلكترونية صالحة للبلع، بمجرد ابتلاعها، يمكن لهذه الحبوب الرقمية جمع البيانات من الأعضاء البشرية، ثم إرسالها إلى جهاز بعيد متصل بالإنترنت، ويتم حاليا تطوير أول حبة علاج كيميائي رقمي تجمع بين أدوية العلاج الكيميائي وجهاز استشعار يلتقط ويسجل ويشارك المعلومات مع مقدمي الرعاية الصحية (بموافقة المريض) فيما يتعلق بجرعة الدواء والوقت، بالإضافة إلى بيانات أخرى عن الراحة والنشاط ومعدل ضربات القلب.

كما يجري تطوير "العدسات اللاصقة الذكية" التي تدمج أجهزة الاستشعار والرقائق التي يمكنها مراقبة التشخيصات الصحية بناءً على المعلومات من العين وسوائل العين، وتهدف إحدى العدسات اللاصقة الذكية قيد التطوير إلى مراقبة مستويات الجلوكوز التي تسمح لمرضى السكر بمراقبة مستويات الجلوكوز لديهم دون وخزات متكررة على مدار اليوم.

وقد طورت تكنولوجيا إنترنت الأجسام مجموعة من الاستخدامات الطبية والاستهلاكية، فعلى مدار العقد الماضي، أدى التقدم في مجال التكنولوجيا الطبية وعلوم البيانات إلى نمو كبير على مستوى الأجهزة الطبية المتصلة بالإنترنت التي تقوم بتوفير بيانات أفضل وأكثر دقة لدعم رعاية المرضى وتحسين فعالية الرعاية الصحية.

وتستخدم هذه الأجهزة لمجموعة من الأمراض والحالات، بما فيها داء السكري، والنوبات، ومرض باركنسون (الشلل الرعاش)، ومن أمثلة تكنولوجيا إنترنت الأجسام الطبية المزروعة بالجسم: البنكرياس الصناعي عن طريق جهاز الرصد المستمر لمستوى الجلوكوز في الدم، والأجهزة القوقعية المزروعة في الجسم، والتي تعيد السمع جزئيا من خلال معالج الأصوات، ومن ثم نمت السوق الاستهلاكية لإنترنت الأجسام.

وليست كل حالات استخدام إنترنت الأجسام هي لأسباب تتعلق بالرعاية الصحية، حيث يرتبط إنترنت الأجسام بمجالات متعددة خارج نطاق الرعاية الصحية والتي تنطوي على دمج الأجسام البشرية مع التكنولوجيا. فقد حصلت أمازون على براءة اختراع لتقنيات لرباط معصم مصمم لتتبع وتسجيل مواقع العمال وحركات اليد، وإذا شعر السوار بتباطؤ في الإنتاجية، فسيهتز لحث الموظف على التركيز، وحتى الآن من غير الواضح ما إذا كانت أمازون ستقوم بتصنيع هذا الجهاز أم لا.

 وتساعد تلك التقنيات الشركات على أن تصبح أكثر كفاءة وأقل عرضة للخطأ، ولكن نظرًا لأن هذا من شأنه أن يمنح أصحاب العمل معلومات شخصية للغاية عن عمالهم، فهناك قلق بشأن ما إذا كانت تلك التقنيات تنتهك حقوق الموظفين وخصوصيتهم أم لا.

فوائد إنترنت الأجسام:

تشمل فؤائد إنترنت الأجسام القدرة على تتبع المريض عن بعد، وتقليل العدوى، وتعزيز أسلوب الحياة الصحي، بالإضافة إلى النهوض بالرعاية الوقائية والطب الوقائي، وتعزيز السلامة في مكان العمل، فهي تقوم بتتبع المريض عن بعد وتقليل العدوى المتنقلة، حيث تسمح المراقبة المستمرة للعلامات الحيوية للجسم، من خلال أجهزة الاستشعار لمقدمي الرعاية الصحية، بتتبع حالة المرضى بشكل أفضل داخل وخارج المرافق الطبية، فهى أداة مفيدة لتلبية احتياجات الرعاية الصحية لسكان العالم المسنين والمرضى المصابين بأمراض مزمنة.

ومؤخرًا، تم استخدام المراقبة عن بعد أيضًا في مكافحة تفشي فيروس كورونا، فعلى سبيل المثال، قامت شركة VivaLINK، وهي شركة صحية مقرها كاليفورنيا، بتصميم جهاز تحكم عن بعد، لمراقبة درجة حرارة المريض، ومعدل ضربات القلب، ومعدل التنفس والحركة، وتقليل فرصة انتقال العدوى لحماية العاملين في المجال الطبي.

كما يعمل إنترنت الأجسام أيضا على تعزيز أسلوب الحياة الصحي لدى المرضى، حيث تسهل تقنيات إنترنت الأجسام توسيعَ نطاق الرعاية الصحية لإشراك المرضى بشكل نشط خارج نطاق الطب التقليدي، ومثال على ذلك برنامج إعادة التأهيل الافتراضي الذي بدأته Kaiser Permanente في جنوب كاليفورنيا في عام 2019، حيث قام متخصصو الصحة بمراقبة التمارين وعادات تناول الأدوية للمرضى المسجلين الذين يتعافون من أمراض قلبية عن بُعد، حيث يُمكن ارتداءُ الساعات الذكية المرضى من مشاركة بياناتهم الحيوية وأنشطتهم مع مقدمي الرعاية الذين يتعاملون معهم بانتظام، وقد أدت العلاقة المعززة بين المرضى ومقدمي الرعاية ومرونة البرنامج عن بعد إلى تحسين معدل إكمال برنامج إعادة التأهيل من أقل من 50٪ إلى 87٪ ؛ مما أدى إلى خفض التكاليف الطبية.

كما يعمل إنترنت الأجسام على النهوض بالرعاية الوقائية والطب الدقيق، حيث تتيح البيانات التي توفرها تقنية إنترنت الأجسام للأطباء اكتشاف الأمراض مبكرًا وتقديم الإجراءات الوقائية، كما قد يساعد حجم البيانات وتنوعها في تقدم أبحاث الطب الدقيق من خلال ربط نمط الحياة الفردية والبيانات البيئية بالبيانات الجينية والبيولوجية؛ مما يوفر رؤى أعمق حول دوافع وعلاجات المرض، حيث توفر الأجهزة الاستهلاكية القابلة للارتداء أنواعًا جديدة من البيانات والإمكانيات في البحث العلمي والتجارب السريرية.

وبالإضافة إلى التطبيقات الصحية، يعمل إنترنت الأجسام أيضا على تعزيز السلامة في بيئة العمل، حيث يتم اعتماد تقنيات إنترنت الأجسام في أماكن العمل الخطرة مثل مواقع البناء والمناجم والمصانع، لتتبع موقع العمال، والإشراف على المخاطر البيئية، وتقليل التعرض للإصابات أو غيرها من الأضرار، وتخفيف المخاطر عن طريق إصدارمعلومات الرعاية الصحية عن بعد، كما أن جودة بيانات الاستشعار في الوقت الحقيقي تقدم إرشادات للعاملين في ظل ظروف معقدة وسريعة التغير، وتحسن مراقبة السلامة، كما أدت التطورات في التكنولوجيا العصبية إلى توفير أجهزة ذكية يمكنها قياس يقظة الطيارين والسائقين لتحسين سلامة السفر، فأجهزة الاستشعار البيومترية، من القبعات والسترات إلى الأساور والنظارات، أصبحت أخف وزنا وأرخص سعرا، ويمكنها قياس مستويات إجهاد السائقين وتنبيههم إلى الانسحاب من الطريق عند الشعور بالنعاس.

مخاطر إنترنت الأجسام:

إلى جانب الفوائد التي تتيحها البيانات من خلال إنترنت الأجسام، تأتي مخاطر مرتبطة بإساءة استخدام تلك البيانات التي تحتوي على تفاصيل كثيرة عن الصحة والسلوكيات الشخصية. كما قد تتعرض الأجهزة لخطر التشخيص الخاطئ مثل الإنذارات الكاذبة، كما أن أجهزة إنترنت الأشياء الطبية، عرضة للقرصنة والهجمات الإلكترونية التي تعرض حياة البشر للأذى الجسدي المحتمل، فبالإضافة إلى مخاطر الخصوصية، مثلت انتهاكات الأمن السيبراني للرعاية الصحية في عام 2018، 25٪ من 750 حادثة تم الإبلاغ عنها، أي أكثر من أي صناعة أخرى.

ومن الجدير بالذكر، أن نائب رئيس الولايات المتحدة السابق ديك تشيني استخدم بدلا من جهاز إزالة رجفان القلب المتصل بشبكة (واي فاي)، جهازا آخر غير مزود بسعة واي فاي، خشية أن يتم اغتياله عن طريق الصدمة الكهربائية إذا قام عميل باختراق الجهاز.

وقد وجد الباحثون ثغرات أمنية خطيرة في الساعات الذكية للأطفال، والتي يمكن للقراصنة استخدامها لتتبع الأطفال، فالخصوصية هي أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على ثقة المستهلكين واعتماد أجهزة إنترنت الاجسام، كما أن زيادة اعتماد أجهزة إنترنت الأجسام خارج المرافق الطبية التقليدية يثير أيضًا مخاوف جديدة بشأن الأمان والخصوصية، في حين أن المعايير والسياسات التقنية لم تعكس هذه التحديات الجديدة بعد، فعلى سبيل المثال، توضح الخرائط التفاعلية أماكن تواجد الأشخاص الذين يستخدمون أجهزة اللياقة البدنية، وأيضا معلومات حول مواقع وأنشطة الجنود في القواعد العسكرية، حيث تعتبر هذه معلومات حساسة للغاية، لأنها تصف التحركات العسكرية.

ومع اندلاع وباء فيروس كورونا عالميا، والاعتماد على البيانات لتتبع فيروس كورونا ومتابعة ما يتعلق بالبيانات الصحية في الولايات المتحدة ودول أخرى، أثارت خصوصية البيانات الصحية مخاوف خطيرة، ولا يزال التوازن بين خصوصية البيانات والشفافية المطلوبة لمعالجة حالة طوارئ الصحة العامة موضوعًا مثيرًا للجدل، فعلى سبيل المثال، أثار استخدام بيانات مقياس الحرارة الذكي للمراقبة الصحية مخاوف مقلقة بشأن الخصوصية.

تمثل المخاطر السابقة المرتبطة بإنترنت الأجسام تحديات في حد ذاتها، حيث يمكن لأجهزة إنترنت الأجسام المستخدمة بالفعل، والتي ما زالت قيد التطوير، تتبع وتسجيل وتخزين أماكن تواجد المستخدمين ووظائفهم الجسدية وما يرونه ويسمعونه وحتى ما يفكرون فيه، ووفقًا لباحثي مؤسسة راند، هناك العديد من الأسئلة التي لم يتم حلها حول من لديهم السلطة للوصول إلى هذه البيانات وكيف يمكنهم استخدامها؟!.

ويمكن أن تكون أجهزة إنترنت الأجسام عرضة لنفس العيوب الأمنية لأجهزة إنترنت الأشياء، وهي بذلك تمثل مخاطر أمنية أو تقنية أخرى تتمثل في تخزين المعلومات، ولكن نظرًا لطبيعة أجهزة إنترنت الأجسام والبيانات التي تجمعها، فإن المخاطر كبيرة، حيث يمكن أن تسمح الثغرات للأطراف غير المصرح لها بتسريب معلومات خاصة أو العبث بالبيانات أو إخراج المستخدمين من حساباتهم.

وفي حالة بعض الأجهزة الطبية المزروعة، يمكن للقراصنة التلاعب بالأجهزة لإحداث إصابات جسدية أو حتى القتل، ويعد الأمن القومي أيضًا مصدر قلق، لأن أي بيانات يتم جمعها في إنترنت الأجسام لديها القدرة على الكشف عن معلومات حساسة.

وختاما، فعلى الرغم من الفوائد الهائلة لتقنيات إنترنت الأجسام، إلا أن تلك التقنيات تثير المزيد من المخاوف الأخلاقية، بداية من انتهاك الخصوصية، وانتهاء بعدم المساواة فبدون تغطية تأمينية شاملة، أو الوصول إلى الإنترنت، تفقد بعض المجموعات فوائد إنترنت الأجسام، ولذلك فمع استمرار نمو تقنيات إنترنت الاجسام، ينبغي حل المشكلات التنظيمية والقانونية وصياغة السياسات حول الاستخدام المناسب لتلك التقنيات.


google-playkhamsatmostaqltradent