الاقتصاد العالمي بين شقي رحى الوباء والأزمة الروسية الأوكرانية
لم يلبث الاقتصاد العالمي في التعافي بشكل كامل من جائحة كوفيد-19 حتى وقعت الأزمة الروسية الأوكرانية، والتي حملت في طياتها عواقب اقتصادية شديدة على الاقتصاد العالمي؛ حيث ارتفعت أسعار الطاقة والسلع الأولية؛ مما زاد من الضغوط التضخمية الناشئة عن اضطرابات سلاسل الإمداد نتيجة لجائحة كوفيد-19. وإذا تصاعدت الأزمة، فسيكون الضرر الاقتصادي أكثر فداحة، وسيكون للعقوبات المفروضة على روسيا تأثير جسيم على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية العالمية.
القسم الأول: مؤشرات الاقتصاد الكلي
القسم الثاني: القطاعات الأكثر تضررًا
القسم الثالث: أسواق السلع
القسم الرابع: النظام المالي العالمي
القسم الخامس: الاقتصادات الأكثر تضررًا
اندلعت الأزمة الروسية الأوكرانية في لحظة حرجة بالنسبة للاقتصاد العالمي، الذي بدأ يشهد تعافيًا بعد صدمة جائحة كورونا، حيث تتفاقم الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم في الوقت الحالي؛ بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، وجائحة كورونا التي لم تنتهِ بعد، فقد أظهرت الإحصاءات العالمية، ارتفاعًا في معدلات الإصابة بفيروس كورونا عالميًا، لا سيما في كلٍ من أوروبا وآسيا.
وبالفعل بعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، خفضت منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة (أونكتاد) توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي لعام 2022 إلى 2.6% من 3.6%، وترى المنظمة أن البلدان النامية ستحتاج إلى 310 مليارات دولار لتلبية متطلبات خدمة الدين العام الخارجي هذا العام.
ومن المرجح أن ينجم عن الأزمة الأوكرانية اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، وتضخم في أسعار الغذاء والطاقة، لا سيما إذا تم إقصاء روسيا من أسواق الطاقة العالمية، وتعرُّض مخزون الحبوب الأوكرانية للدمار.
هذا، وقد وصل انعدام الأمن الغذائي العالمي إلى أعلى مستوى له في السنوات العشر الأخيرة؛ فحتى قبل الأزمة الأوكرانية؛ تسببت جائحة "كورونا" في تفاقم أزمات الغذاء حول العالم؛ نتيجة اضطرابات سلاسل التوريد، وتقلب أسعار السلع الغذائية، وفقدان الوظائف والأجور، وفي ضوء ذلك يُرجَّح أن تقود الأزمة الأوكرانية إلى المزيد من انعدام الأمن الغذائي.
كما شهدت سوق النفط، العديد من التقلبات والانحرافات خلال القرن الـ 21، كان أبرزها جائحة فيروس كورونا التي أدت إلى خفض الطلب وتقلب معايير السوق، حيث انخفض الطلب العالمي على الطاقة في عام 2020 بنسبة 4٪، وهو أكبر انخفاض منذ الحرب العالمية الثانية، هذا، وتشهد سوق النفط حالة من التخبط والارتباك منذ تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، فروسيا ثاني أكبر مصدر للنفط الخام بعد السعودية وتزود أوروبا بنحو ثلث احتياجاتها.
كما تشهد أسواق الأسهم العالمية حالة كبيرة من الاضطرابات أيضًا، حيث حدثت انخفاضات كبيرة في أسواق الأسهم في وقت قصير، وفقدت الشركات قيمتها السوقية، كما تتوقع وكالة "فيتش" حدوث تقلبات في أسواق الأسهم خلال الأشهر المقبلة؛ نظرًا لاستمرار ارتفاع معدلات التضخم، وقيام البنوك المركزية حول العالم بتشديد سياساتها النقدية، وتباطؤ نمو الأرباح، فضلًا عن ضعف النشاط الاقتصادي، واستمرار المخاطر الجيوسياسية.
أولًا: معدلات النمو العالمي
حتى قبل تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية، لم تكن توقعات النمو الاقتصادي العالمي أفضل ما يكون، ففي آخر تقرير أصدره صندوق النقد الدولي، في يناير 2022، كان يتوقع الصندوق أن يتراجع النمو العالمي من 5.9% في عام 2021 إلى 4.4% في عام 2022، وأن يسجل النمو العالمي 3.8% في عام 2023.
وبعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، خفضت منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة (أونكتاد) توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي لعام 2022 إلى 2.6% من 3.6%، وترى المنظمة أن البلدان النامية ستحتاج إلى 310 مليارات دولار لتلبية متطلبات خدمة الدين العام الخارجي هذا العام.
كما ترى وكالة موديز للتصنيف الائتماني، أن العالم سوف يعاني من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، على الرغم من أن حصة كلا البلدين في الاقتصاد العالمي محدودة نسبيًا، إلا أن الأزمة والعقوبات المفروضة على روسيا سيكون لها آثار غير مباشرة على بقية العالم من خلال ثلاث قنوات رئيسة، تشمل: صدمات أسعار السلع والغذاء في وقت يعاني فيه العالم من ارتفاع معدلات التضخم، وتداعيات مالية للعقوبات وتقلبات الأسواق المالية، وتحديات أمنية إضافية في سيناريو تصعيد أوسع.
وما يزيد من تلك المخاطر هو حقيقة أن الاقتصاد العالمي لم يتعاف تمامًا من صدمة كوفيد-19، فالصين ما زالت في خضم تفشي جديد في مدينتين كبيرتين (شنغهاي وشنتشن)، وقد يكون هناك المزيد من المتغيرات التي ستعوق النمو الاقتصادي العالمي.
وعلى الرغم من أن الاقتصادات المتقدمة، سجلت معدلات نمو إيجابية في عام 2021، حيث سجلت 5.0%، بسبب تعافي اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، من المتوقع أن ينخفض معدل النمو في الاقتصادات المتقدمة إلى 3.2% في عام 2022، حيث ستشهد غالبية الدول تباطؤًا في مستويات النمو.
أما بالنسبة للاقتصادات الناشئة والدول النامية، فتتوقع وكالة فيتش أن يسجل النمو الاقتصادي في عام 2022 نحو 4.2% فقط، وذلك بعد أن سجلت تلك الاقتصادات معدلات نمو بلغت 7.3% في عام 2021.
تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وفقًا لأربعة سيناريوهات مختلفة:
وبشكل عام، تتوقع وكالة فيتش تراجع النمو الاقتصادي العالمي خلال عام 2022 وفقًا لأربعة سيناريوهات، ويشير السيناريو الأكثر توقعًا إلى أن النمو العالمي سيتراوح بين 3%، و3.6%، مقارنة بالتقديرات السائدة قبل الأزمة الروسية الأوكرانية البالغة 4.1%.
كما ستؤدي الاضطرابات التجارية العالمية، والتقلبات في الأسواق نتيجة للأزمة الروسية الأوكرانية إلى ضعف النمو، لذلك خفضت "فيتش" توقعات النمو لبعض الاقتصادات الكبرى منها، روسيا، فمن المتوقع إنكماش الاقتصاد الروسي بنحو 5.1% خلال عام 2022، كما تراجع توقع معدل النمو في الولايات المتحدة من 3.5% إلى 3.1%، ومنطقة اليورو من 4.0% إلى 3.4% خلال عام 2022.
وبالنسبة للصين فقد تراجعت توقعات النمو الاقتصادى بنسبة طفيفة من 5.4% إلى 5.2%، والتراجع الطفيف في الصين، يعزى إلى انتشار كوفيد – 19، مؤخرًا بشدة، حيث ارتفع عدد الحالات اليومية إلى 2000 حالة في أواخر مارس، خاصة في كبرى مدنها شنغهاي، وإعلان الإغلاق للعديد من المقاطعات مثل، جيلين وشنتشن.
ثانيًا: التضخم العالمي
وفقًا لصندوق النقد الدولي، بلغ متوسط معدل التضخم العالمي في عام 2021 حوالي 4.3% مقابل 3.2% عام 2020؛ نتيجة سياسات التيسير الكمي التي تبنتها البنوك المركزية حول العالم، وعلى رأسها بنك الاحتياطي الفيدرالي، لتعزيز النمو الاقتصادي خلال الوباء. وكان من المتوقع حتى قبل تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية أن يستمر ارتفاع التضخم على الأرجح في الشهور القادمة ليسجل 3.8% بحلول منتصف 2022، قبل أن يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة؛ حيث تسبب تصاعد أسعار الطاقة والغذاء في رفع معدلات التضخم في كثير من البلدان.
كما ارتفع التضخم في الاقتصادات المتقدمة خلال عام 2021 ووصل إلى 2.8%، وكان من المتوقع أن يصل إلى 2.3% في عام 2022. وفي المقابل شهد معدل التضخم في الاقتصادات الناشئة والدول النامية ارتفاعا ليسجل 5.5% عام 2021، مقابل 5.1% عام 2020، وكان من المتوقع أن يشهد انخفاضًا في عام 2022 ليصل إلى 4.9%.
ولكن وفقًا للتوقعات الاقتصادية العالمية المعدلة، الصادرة في التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي، يناير 2022، فإنه من المتوقع أن يظل التضخم مرتفعًا على المدى القريب، وسيبلغ متوسطه 3.9% في الاقتصادات المتقدمة، و5.9% في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، في عام 2022.
وترى وحدة الاستخبارات الاقتصادية، التابعة لمجلة الإيكونومست، في تحليلها عن التداعيات الاقتصادية العالمية للأزمة الروسية الأوكرانية، أن الصراع سيؤثر، بلا شك، على التضخم والنمو العالميين، حيث سيؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى زيادة التضخم العالمي هذا العام، وربما يمتد إلى عام 2023، وتتوقع وحدة المعلومات الاقتصادية تضخمًا عالميًا يقارب 6% هذا العام.
جدير بالذكر أن احتمال حدوث ركود تضخمي ما زال منخفضًا للغاية، عند نحو 6%، وفقًا لنموذج بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، ومع ذلك يمكن أن يؤدي التضخم، مقترنًا بمخاطر الإفراط في تشديد السياسات النقدية من جانب البنوك المركزية، إلى بيئة ركود تضخمي.
ثالثًا: الدين العام العالمي
تشير قاعدة بيانات الديون العالمية التابعة لصندوق النقد الدولي إلى أن عام 2020 شهد أكبر زيادة في الديون منذ الحرب العالمية الثانية، فقد ارتفع الدين العالمي إلى 226 تريليون دولار نتيجة الجائحة. وقد ارتفع الدين العام العالمي بنحو 28 نقطة مئوية ليصل إلى 256% من الناتج المحلي الإجمالي، في عام 2020.
وقد كانت زيادات الديون لافتة للنظر بشكل خاص في الاقتصادات المتقدمة، حيث ارتفع الدين العام من نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي، في عام 2007، إلى 124% من إجمالي الناتج المحلي، في عام 2020، ومن ناحية أخرى، ارتفع الدين الخاص بوتيرة أكثر اعتدالًا من 164% إلى 178% من الناتج المحلي الإجمالي، في الفترة نفسها.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي، إلى وصول نسبة إجمالي الدين العام العالمي للناتج المحلي الإجمالي إلى 97.8% عام 2021، بانخفاض طفيف عن عام 2020 البالغ نحو 98.6%، وكان من المتوقع أن تنخفض نسبة إجمالي الدين العام العالمي للناتج المحلي الإجمالي إلى 96.9% في عام 2022، وفقًا لتوقعات يناير 2022.
وفي الاقتصادات المتقدمة سجل الدين انخفاضًا طفيفًا في عام 2021 ليصل إلى 121.6% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 122.7% في عام 2020، وكان من المتوقع أن يستمر في الانخفاض ليصل في عام 2022 إلى 119.3%.
أما عن الاقتصادات الناشئة والدول النامية، فقد سجل الدين ارتفاعًا طفيفًا في عام 2021 ليصل إلى 64.3% كنسبة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 64% في عام 2020، وكان من المتوقع أن يرتفع قليلًا في عام 2022 ليصل إلى 65.8%.
ولكن بعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، بالتأكيد ستتغير كل هذه التقديرات؛ حيث سيضغط الارتفاع الكبير في أسعار السلع على موازنات العديد من الدول.
رابعًا: البطالة
كان من المتوقع أن تظل البطالة أعلى من مستواها، حتى عام 2023 على الأقل؛ نتيجة للتداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا؛ فعلى الرغم من انخفاض معدل البطالة العالمي بشكل طفيف خلال عام 2021 مسجلا 6.2%، إلا أن المعدل لا يزال أعلى بكثير من معدل ما قبل الجائحة البالغ 5.4%، وهذا يُترجم إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل بمقدار 28 مليون شخص في عام 2021 مقارنة بعام 2019.
وجدير بالذكر أن مجموعات سوق العمل التي تأثرت بشكل غير متناسب بالأزمة - النساء والشباب - تتعافى الآن بشكل أبطأ، حيث بلغ معدل البطالة بين النساء 6.4% في عام 2021، أي أقل بنسبة 0.1 نقطة مئوية فقط مما كان عليه في عام 2020، بينما انخفض بين الرجال بمقدار 6.0 نقاط مئوية خلال الفترة نفسها.
هذا، وتتوقع منظمة العمل الدولية أن يصل معدل البطالة في العالم، في عام 2023، إلى 5.7%، وفي عام 2022، من المقدر أن يصل إلى 5.9%.
وبالتأكيد ستضغط الأزمة الروسية الأوكرانية على أسواق العمل ومعدلات التوظيف في كثير من دول العالم.
أولًا: الزراعة والأمن الغذائي
تواجه العديد من الدول مستويات متزايدة من انعدام الأمن الغذائي، وهو ما يهدد تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وحتى قبل جائحة كورونا، كان انخفاض الدخل وتعطل سلاسل التوريد في ازدياد بسبب الجوع المزمن والحاد؛ نتيجة العديد من العوامل، ومنها: الصراعات، والظروف الاجتماعية والاقتصادية، والأخطار الطبيعية، وتغير المناخ والآفات، ثم جاءت جائحة كورونا، التي أدت إلى زيادات حادة وواسعة النطاق في انعدام الأمن الغذائي العالمي، مما أثر على الأسر الضعيفة في كل الدول تقريبًا، ثم بعد ذلك جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتعمق مشكلة الأمن الغذائي.
هذا ويلعب كل من روسيا وأوكرانيا دورًا رائدًا في إمداد الأسواق العالمية بالمواد الغذائية، وبالتالي فإن الأزمة تعرض هذه الأسواق لمزيد من التعرض للصدمات والتقلبات، فعلى سبيل المثال، في قطاع القمح، تبرز روسيا كأكبر مصدر عالمي، حيث تصدر نحو 32.9 مليون طن من القمح، أو ما يعادل 18% من الشحنات العالمية، وقد كانت أوكرانيا سادس أكبر مصدر للقمح في عام 2021، حيث صدرت 20 مليون طن من القمح بحصة سوقية عالمية تبلغ 10%.
وفي قطاع الأسمدة أيضًا، تلعب روسيا دورًا رائدًا في مجال التوريد، ففي عام 2021، احتلت المرتبة الأولى في تصدير الأسمدة النيتروجينية (N)، وثاني أكبر مورد للأسمدة البوتاسيوم (K)، والثالث للأسمدة الفوسفورية (P).
تداعيات جائحة كورونا على الأمن العذائي
لقد كان لجائحة كورونا آثار سلبية كبيرة على الأمن الغذائي والفقر؛ حيث تم دفع 124 مليون شخص إضافي إلى براثن الفقر والجوع المزمنين في عام 2020، كما ستؤدي الصدمات التي تتعرض لها التغذية من تدابير السيطرة على وباء كورونا إلى زيادة وفيات الأطفال وتقويض إمكاناتهم المستقبلية.
كما أثر فقدان الدخل وانقطاع الإمدادات أيضًا على الخيارات الغذائية، مما أدى إلى زيادة سوء التغذية على مستوى العالم؛ حيث تحولت الأسر ذات الدخل المنخفض وذات الدخل المتوسط المنخفض إلى الأطعمة الأرخص ثمنًا والأقل تغذيةً وقللت من استهلاكها للأغذية سريعة التلف، مثل الفاكهة والخضراوات، وفي المقابل حدت هذه التحولات من تنوعها الغذائي وزادت من مخاطر العواقب الصحية السلبية، وتقدر إحدى الدراسات أن 141 مليون فرد إضافي من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لم يتمكنوا من تحمل تكاليف نظام غذائي صحي في عام 2020 نتيجة لجائحة كورونا.
وهناك تقديرات بأن الفقر المدقع عالميًا ازداد بنسبة تصل إلى 20% خلال عام 2020، وكان العبء يقع بشكل أساسي على عاتق الأفراد في جنوب آسيا (خاصة الهند)، بينما بدت التأثيرات في إفريقيا أقل حدة مما كان متوقعًا في البداية.
وتشير التقديرات إلى زيادة الأشخاص الذين واجهوا الجوع بنحو 118 مليون شخص في عام 2020 مقارنة بعام 2019، وذلك بشكل أساسي نتيجة الآثار الاقتصادية للوباء، ووفقًا لهذه التقديرات، زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في إفريقيا بمقدار 46 مليونًا، و57 مليونًا في آسيا عما كان عليه قبل الوباء.
وبعد عامين من الوباء، ومع استمرار انتشار موجات متغيرات فيروس كورونا وظهور مخاطر متغيرات جديدة، سترتفع الخسائر البشرية بلا شك أكثر، ويُعتقد أن الآثار الاجتماعية والاقتصادية للوباء واسعة النطاق، حيث أصبح التضخم مشكلة في عام 2021، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق الدولية إلى مستويات لم تشهدها إلا في ذروة أزمات أسعار الغذاء العالمية في 2008/2007 و 2011/2010، مما زاد من عقبات وصول الغذاء إلى الفقراء، لا سيما في الدول التي تعتمد على الواردات الغذائية.
وقد تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال عام 2021 في إثارة القلق في جميع أنحاء العالم، ففي يناير 2022، ارتفعت الأسعار الدولية للمواد الغذائية الرئيسة إلى مستوى قريب من ذروة أزمات أسعار الغذاء العالمية وفقًا لمؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة، وعلى الرغم من انخفاض الأسعار الدولية في الأشهر الأولى من الوباء، بعد إجراءات الإغلاق الأولية التي فُرضت لاحتواء الوباء، إلا أنه بحلول أكتوبر 2021، ارتفعت الأسعار في الأسواق الدولية بنحو 30% عن مستويات مارس 2020، مما أثار مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي.
اتجاهات أسعار السلع الغذائية الزراعية الدولية
ارتفعت أسعار الأرز قبل بدء عمليات الإغلاق المتعلقة بالوباء في أوائل عام 2020، لكنها انخفضت بعد ذلك في الأشهر اللاحقة مع بدء الركود وألغت بعض الدول المنتجة للأرز حظر تصديرها، وقرب نهاية عام 2020، انتعشت أسعار الأرز جزئيًا.
في المقابل، انخفضت أسعار الذرة وفول الصويا في النصف الأول من عام 2020 قبل أن تنتعش لاحقًا خلال النصف الثاني من العام، وقد كان هذا الانتعاش في الأسعار، بسبب انتعاش الطلب من الصين. وقد أصبحت أسعار الذرة وفول الصويا أعلى بكثير من مستويات ما قبل جائحة كورونا، ففي المتوسط، ارتفعت أسعار الحبوب في نوفمبر 2021 بنحو 30%عن مستويات ما قبل جائحة كورونا.
أما أسعار القمح، فقد انتعشت نتيجة انخفاض مستويات الإنتاج بعد الجفاف في العديد من مناطق الإنتاج الرئيسة (الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي وتركيا وإيران).
ومن بين المواد الغذائية الرئيسة الأخرى، التى شهدت أكبر زيادة في الأسعار خلال عام 2021 الزيوت النباتية، حيث ارتفعت بأكثر من 80% عن مستويات ما قبل الجائحة، وشهدت أسعار جميع أنواع الزيوت (النخيل، وفول الصويا، وعباد الشمس، وبذور اللفت) زيادات حادة بسبب انتعاش الطلب العالمي على الواردات وارتفاع أسعار النفط الخام، مما أدى إلى زيادة الطلب على الوقود الحيوي، كما تعرضت أسعار زيت النخيل لضغوط تصاعدية من انخفاض الإنتاج في ماليزيا، المنتج الرئيس؛ بسبب النقص المستمر في العمالة المهاجرة.
كما ارتفعت الأسعار الدولية لمنتجات الألبان واللحوم خلال عام 2021، ولكن بشكل أقل حدة، وظلت أقل من متوسط مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، واتجهت أسعار منتجات الألبان واللحوم إلى الارتفاع مع انتعاش الاقتصاد العالمي.
ويرتبط الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية في عام 2021 إلى حد كبير بتعافي الطلب على الغذاء بعد الركود الذي سببه وباء كورونا والاضطرابات المؤقتة في الخدمات اللوجستية.
وقد أثرت ثلاثة عوامل إضافية على الاتجاهات التصاعدية في أسعار الغذاء العالمية خلال عام 2021:
1- أسعار الصرف: منذ بداية الوباء حتى منتصف عام 2021، انخفضت قيمة الدولار الأمريكي بنسبة تتراوح بين 10 و15% مقابل العملات الرئيسة الأخرى، نظرًا لأن معظم تجارة السلع تتم بالدولار الأمريكي، فإن التجار يطالبون بأسعار أعلى للتعويض عن خسارة الصرف، مما يؤدي بعد ذلك إلى ارتفاع أسعار السوق العالمية.
وهكذا ساهم ضعف الدولار في ارتفاع الأسعار، إلا أنه في نهاية عام 2021، تحسن وضع الدولار مرة أخرى، مما قلل من التأثير على أسعار السلع الأساسية العالمية.
2-أسعار الشحن الدولية: وصلت تكلفة الشحن بالجملة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في أوائل أكتوبر 2021، وارتفع مؤشر Baltic Dry، وهو مؤشر مركب لأسعار الشحن الدولي السائب (بما في ذلك أسعار الحبوب)، بأكثر من 400% بين يناير وأكتوبر 2021، فقد انخفضت تكاليف الشحن في البداية في أوائل عام 2020 قبل أن تتجه ببطء نحو الارتفاع مرة أخرى من منتصف عام 2020 فصاعدًا مع تعافي التجارة الدولية من ركود COVID-19.
ولكن خلال عام 2021، ظهرت اختناقات في العرض مع ارتفاع طلب المستهلكين على السلع المصنعة، وواجهت الصناعات التحويلية وشحن الحاويات اختناقات لوجستية ونقصًا في العمالة أثناء محاولتها التعامل مع الزيادة في الطلب.
3-أسعار الأسمدة: ارتفعت أسعار الأسمدة في الآونة الأخيرة؛ ويرجع ذلك أساسًا إلى زيادة الطلب وارتفاع تكاليف الطاقة، وتحسبًا لزيادة الإيرادات وسط ارتفاع أسعار السلع الزراعية، زاد المزارعون من استخدامهم للأسمدة في أوائل عام 2021، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة إحكام أسواق الأسمدة، التي تأثرت بالفعل باضطرابات الإمدادات الأخيرة، ودفعت الأسعار إلى الارتفاع.
كما أدى ارتفاع الأسعار في أسواق الطاقة العالمية إلى زيادة تكلفة إنتاج الأسمدة، لدرجة أن العديد من المصانع قررت خفض الإنتاج أو حتى إغلاقها.
وبحلول نوفمبر 2020، تضاعفت أسعار الغاز الطبيعي عن العام السابق، من منتجي الذرة في البرازيل إلى مزارعي القمح في فرنسا، حيث كان يسود القلق من أن إمدادات الأسمدة العالمية لن تكون كافية لموسم الزراعة 2022/2021.
وتؤكد البيانات حدوث زيادات كبيرة في عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد في 2020-2021، فوفقًا للشبكة العالمية ضد الأزمات الغذائية، عانى ما يقدر بنحو 161 مليون شخص من مستويات "الأزمة" من انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2021، بزيادة قدرها 4% تقريبًا عن العام السابق، بالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن 227 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد "المجهد" في عام 2021، بزيادة قدرها 7% تقريبًا عن العام السابق.
باختصار، تسبب الوباء في العديد من أوجه عدم اليقين بشأن اتجاهات سوق الغذاء العالمية، من الإنتاج إلى التوزيع والاستهلاك، وخلال عام 2021، استمرت الأسعار في الارتفاع ووصلت إلى مستويات قياسية لبعض المحاصيل، مما جعل تضخم الغذاء مصدر قلق كبير حتى في البلدان المتقدمة، ومع ذلك، ظلت الأسواق مرنة، مع بقاء الإمدادات العالمية كافية، ولكن بعد ذلك جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية بمثابة صدمة كبيرة لأسواق السلع العالمية.
الأزمة الروسية الأوكرانية تضيف بعدا جديدا لأزمة الغذاء
يعد من أبرز الأسباب التي تهدد الأمن الغذائي حاليا، هي تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية؛ حيث تعتبر روسيا وأوكرانيا من بين أهم منتجي السلع الزراعية في العالم، وفي قطاع الحبوب، تعتبر مساهمتهما في الإنتاج العالمي ذات أهمية خاصة للشعير والقمح والذرة. وفي قطاع البذور الزيتية، كانت مساهمتهما في الإنتاج العالمي ذات أهمية خاصة لزيت عباد الشمس.
وتعتمد أوكرانيا بشكل كبير على تصدير المنتجات الزراعية، وخاصة الحبوب، ويتم نقل ما يقرب من 90% من صادرات الحبوب الأوكرانية عن طريق البحر، فروسيا وأوكرانيا تمثلان 29% من المبيعات السنوية الدولية من القمح، وقد ساهم التهديد بالحظر من الغرب ضد روسيا في ارتفاع أسعار القمح التي كانت بالفعل أعلى بنسبة 49% من متوسطها خلال الفترة 2017-2021 ثم ارتفعت منذ تصاعد الأزمة في 24 فبراير بنسبة 30% أخرى.
ووفقًا لتوقعات بنك "رابوبنك" الهولندي فإن أسعار القمح قد ترتفع بمقدار الثلث مرة أخرى، لكن الضرر الذي يلحق بالإمدادات الغذائية العالمية سوف يمتد إلى ما هو أبعد من الحبوب، وسيستمر لفترة أطول من الأزمة نفسها، فروسيا وأوكرانيا تصدِّران معًا 12% من الحبوب المتداولة في جميع أنحاء العالم، ويمكن أيضًا أن يزيد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، كما سيؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى زيادة التضخم، مما يزيد من ضغوط الأسعار الناتجة عن زيادة أسعار الطاقة.
وستظهر تداعيات الأزمة من خلال ثلاث قنوات، وهي: تعطيل شحنات الحبوب الحالية، وانخفاض أو تعذر الوصول إلى المحاصيل المستقبلية في أوكرانيا وروسيا، وتراجع الإنتاج في أجزاء أخرى من العالم، وبالنسبة للشحنات، فقد اختفت معظم سفن القمح والشعير بحلول فبراير، فالمواني الأوكرانية مغلقة، وتعرضت السفن التي كانت تحاول شراء الحبوب للقصف بصواريخ في البحر الأسود.
هذا، وقد تؤدي الأزمة الروسية الأوكرانية إلى انخفاض المحاصيل والمساحة المزروعة، وقد تكون المحاصيل الشتوية مثل، القمح والشعير، التي تزرع في أكتوبر، أقل بسبب نقص الأسمدة والمبيدات، وقد لا يتم زرع محاصيل الربيع مثل، الذرة وعباد الشمس.
وفي روسيا، لا يكمن الخطر في تقليص الإنتاج، بل في حظر الصادرات، فعلى الرغم من أن مبيعات المواد الغذائية الروسية لم تخضع للعقوبات بعد، فإن البنوك الغربية تحجم عن إقراض التجار.
والأكثر إثارة للقلق هو تأثير الصراع على الزراعة في جميع أنحاء العالم، فالمنطقة هي مورد كبير لمكونات الأسمدة المهمة، بما في ذلك الغاز الطبيعي والبوتاس، وكانت أسعار الأسمدة قد تضاعفت بالفعل قبل الأزمة، بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والنقل والعقوبات المفروضة في عام 2021 على بيلاروسيا، التي تنتج 18% من البوتاس في العالم.
ومن المؤكد الآن أن الأسعار سترتفع أكثر لأن روسيا، التي تمثل 20% من الإنتاج العالمي، تجد صعوبة في تصدير البوتاس الخاص بها.
ونتيجة لكل هذا، سيتم إنفاق نصيب أكبر بكثير من الدخل على الطعام، وسيكون هذا أكثر حدة في الشرق الأوسط وإفريقيا وأجزاء من آسيا، حيث يعتمد نحو 800 مليون شخص بشكل كبير على قمح البحر الأسود، وفي الوقت نفسه، سيؤدي ارتفاع تكاليف الأسمدة والطاقة إلى تقليص هوامش المزارعين في كل مكان، وسيتم نقل بعض التكاليف إلى المستهلك.
وقد تصب السياسات الحمائية مزيدًا من الضغط، فقد زادت القيود الوطنية على صادرات الأسمدة العام الماضي، وقد تؤدي القيود المفروضة على صادرات المواد الغذائية، إلى ارتفاع في الأسعار، ففي 8 و9 مارس حظرت روسيا وأوكرانيا صادرات القمح، وأعلنت الأرجنتين والمجر وإندونيسيا وتركيا قيودًا على تصدير المواد الغذائية في الأيام الأخيرة، وهو ما سيسبب أزمة غذاء كبيرة في العديد من الدول.
ووفقًا لمركز التجارة الدولي، تزود روسيا تركيا بأكثر من 70% من وارداتها من القمح، وفي هذا الصدد، يقول "إسماعيل كمال أوغلو"، الرئيس السابق لمجلس الحبوب التركي، إنّ الأزمة الروسية-الأوكرانية ستؤدي إلى تفاقم تكلفة الغذاء في تركيا، التي سجلت أعلى معدلات تضخم خلال 20 عامًا حتى قبل الأزمة.
أيضًا يواجه برنامج الأغذية العالمي زيادة بنسبة 30% في تكلفة القمح قبل الأزمة الروسية-الأوكرانية؛ بسبب ضعف المحاصيل في كندا والولايات المتحدة والأرجنتين، كما صرح "برنامج الأغذية العالمي" بأنّ الزيادة الأخيرة في أسعار الحبوب، ستحد من قدرته على تقديم المساعدات للبلدان الفقيرة.
واعتبارًا من 24 مارس 2022، ارتفع مؤشر أسعار السلع الزراعية بنسبة 32% على أساس سنوي، كما ارتفعت أسعار الذرة والقمح بنسبة 37% و79% على التوالي، على أساس سنوي.
ومع استمرار الأزمة تزداد ظروف عدم اليقين، وتتعمق المخاوف من أزمة غذائية تضر بملايين الأفراد حول العالم؛ حيث تُظهر المسوحات الهاتفية السريعة التي أجراها البنك الدولي في 83 دولة أن هناك عددًا كبيرًا من الناس يقللون من استهلاكهم.
ثانيًا: سلاسل التوريد
تسببت جائحة كورونا في صدمة كبيرة لسلاسل التوريد العالمي؛ حيث تكدست السفن والناقلات في المواني وارتفعت تكاليف الشحن بشكل كبير.
كما تعد الأزمة الروسية الأوكرانية، والعقوبات المفروضة على روسيا، وعمليات الإغلاق الجديدة المرتبطة بالوباء في الصين، من أبرز الأحداث التي هزت سلاسل التوريد العالمية، جنبا إلى جنب مع الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وغيرها من الاضطرابات المرتبطة بالوباء والمناخ، ومن المؤكد أن تسريع حركة الشركات الغربية لتقليل اعتمادها على الصين في المكونات والسلع النهائية، وعلى روسيا في المواد الخام سيزيد من تلك الاضطرابات.
ففي السنوات الأربع الماضية، تسببت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، واضطرابات سلسلة التوريد الناتجة عن الجائحة، والأحداث المتعلقة بالمناخ في ارتفاع وتيرة توطين سلسلة التوريد بشكل كبير، فقد أُجري استطلاع في يناير 2020 على 3000 شركة، وجد أن الشركات في مجموعة متنوعة من الصناعات - بما في ذلك أشباه الموصلات والسيارات والمعدات الطبية - قد تحولت، أو خططت لتحويل، على الأقل جزء من سلاسل التوريد الخاصة بها من المواقع الحالية، بدافع من الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، كما أعلنت الشركات في حوالي نصف جميع القطاعات العالمية في أمريكا الشمالية عن نيتها "لإعادة التوطين".
وقد بدأ ذلك يحدث بالفعل، فعلى سبيل المثال، القرار الأخير الذي اتخذته شنايدر إلكتريك لبناء ثلاث منشآت تصنيع جديدة في أمريكا الشمالية، بالإضافة إلى خطة صانعي السيارات ومصنعي البطاريات لإنشاء 13 مصنعًا جديدًا لبطاريات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة.
كما تم الإعلان عن تحركات مماثلة في صناعات الطاقة الشمسية وأشباه الموصلات والتكنولوجيا الحيوية، وستغير الأزمة الروسية الأوكرانية والارتباط الوثيق بين الصين وروسيا بشكل كبير من عملية تبادل الطاقة والمواد الخام والأجزاء الصناعية والسلع بين العالم الغربي والصين وروسيا، وهو ما سيؤدي إلى تسريع اتجاه إعادة التوطين.
صناعة السيارات (أبرز الأمثلة على تعطل سلاسل التوريد)
حدثت الاختلالات الأولى لاضطراب سلاسل توريد الرقائق الإلكترونية في الصين وتايوان - المناطق المهيمنة في إنتاج الرقائق - خلال 2020 حيث أُجبرت المصانع على الإغلاق عندما ظهر الوباء لأول مرة. وكانت للأزمة عدة تداعيات على عدد من الصناعات، إلا أن صناعة السيارات –خصوصا- تلقت ضربة كبيرة بسبب نقص الإمداد بالرقائق الإلكترونية، حيث أصبح من الصعب العثور على هذه الرقائق الضرورية لتجميع السيارات، وتراجعت أرباح شركة فورد -ثاني أكبر شركة لصناعة السيارات في الولايات المتحدة- بمقدار النصف في الربع الأخير من 2021، وأشار محللون إلى أن عام 2021 قد يشهد انخفاضا في صناعة السيارات بمقدار 5 ملايين سيارة؛ بسبب نقص بعض مكوناتها
كما أدت أزمة نقص الرقائق الإلكترونية إلى ثلاث نتائج رئيسة:
النتيجة الأولي: الاتجاه إلى زيادة الاستثمار في صناعة الرقائق، حيث يخطط كبار المنتجين مثل Intel وSamsung وTSMC لإنفاق مئات المليارات من الدولارات على صناعة تلك الرقائق خلال السنوات القليلة المقبلة، وفي يونيو الماضي، قام "روبرت بوش" -وهو مورد كبير لقطع غيار السيارات- بافتتاح مصنع رقائق خاص به بقيمة مليار يورو (1.2 مليار دولار) في دريسدن.
النتيجة الثانية: وهي تأقلم عملاء الرقائق الإلكترونية مع الأزمة، فعلى سبيل المثال، أعلنت بعض شركات صناعة السيارات مثل شركة "فولكس فاجن" عن خطط تطوير الرقائق الإلكترونية.
النتيجة الثالثة: وهي نتيجة غير مرغوب فيها، تتمثل في اندلاع "القومية التكنولوجية"، ويقصد بها رغبة الدول في تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الرقائق الإلكترونية اللازمة للصناعات القائمة فيها، وهو ما يخنق سلسلة التوريد العالمية، حيث تخطط الولايات المتحدة لتوزيع مليارات الدولارات لجذب صانعي الشرائح الإلكترونية من شرق آسيا للداخل الأمريكي، وتريد أوروبا مضاعفة حصتها من الإنتاج العالمي إلى 20% بحلول عام 2030، كما أعلنت بريطانيا أن مصير مصنع صغير للرقائق في ويلز أمر يتعلق بالأمن القومي.
بالإضافة إلى ذلك، أدى الصراع الروسي الأوكراني إلى قيام المصانع وموردي الصناعات الصغيرة المهمة بعمليات إغلاق ومراجعة في روسيا على خلفية العقوبات الغربية ضد "موسكو" وقطع طرق التجارة؛ مما يحول دون نقل شحنات السيارات وقطع الغيار من وإلى روسيا.
ومن بين أكثر المتضررين بفعل ذلك، نجد شركات صناعة السيارات الأوروبية مثل شركة "رينو"، التي تمتلك "أوتوفاز"، الشركة الروسية التي تصنع ماركة "لادا"، وشركة "فولكس فاجن" وعلاماتها التجارية "أودي"، و"سكودا"، وشركة "بورش" الألمانية المتخصصة في صناعة السيارات الرياضية؛ حيث توقفت أعمال تلك الشركات بشكل مفاجئ في روسيا، فضلًا عن نقص قطع الغيار الحيوية من الموردين في أوكرانيا.
اتصالًا، صرحت "فولكس فاجن" بأنه "على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية وما نتج عنه من عواقب، فقد تم تعليق إنتاج المركبات في روسيا والصادرات إلى البلاد بأثر فوري وحتى إشعار آخر"، كما يقوم المجلس التنفيذي بمراجعة العواقب المترتبة على الوضع العام خلال هذه الفترة من عدم اليقين والاضطراب الكبير، وبعد توقف مصنعين في شرق ألمانيا، من المتوقع أن يتأثر الإنتاج قريبًا في مصنعها الرئيس في غرب ألمانيا، بسبب الأجزاء المفقودة من أوكرانيا.
وفيما يتعلق بالتداعيات، فإنها لا تقتصر على أوروبا فقط؛ فقد علق ما يقرب من عشر شركات صناعة سيارات عالمية أعمالها في روسيا، وأغلق بعضها المصانع إلى أجل غير مسمى، وقالت شركة "تويوتا" التي تبيع نحو 120 ألف سيارة سنويًّا في روسيا إنها ستبقي مصنعها في "سان بطرسبرج" مغلقًا حتى إشعار آخر، كما علقت شركة "فورد" مشروعها المشترك مع شركة "سولاريس" الروسية، وأوقفت المبيعات إلى البلاد، وأغلقت شركة "هيونداي" الكورية الجنوبية، إحدى كبرى شركات صناعة السيارات في روسيا، مصنعها في "سان بطرسبرج"، قائلة إنها تأمل في إعادة افتتاحه في غضون أسبوع.
فيما أفاد المصنعون الذين يديرون مصانع في روسيا أن الضغط على سلاسل التوريد تفاقم؛ بسبب استبعاد روسيا من نظام "سويفت" الدولي للمدفوعات بين البنوك، بينما أدى الحصار المفروض على المجال الجوي الروسي وتعطيل الممرات الملاحية إلى إبطاء حركة البضائع إلى حد كبير.
وعليه، يمثل الصراع ضربة جديدة لصناعة السيارات التي عانت من اضطرابات واسعة النطاق في سلسلة التوريد منذ بداية جائحة "كورونا"، ثم النقص العالمي في أشباه الموصلات الذي أدى إلى شل الإنتاج، في وقت كان التحول فيه إلى السيارات الكهربائية مكلفًا، وهو أكبر تحول في الصناعة منذ أكثر من قرن، ومن الممكن أن يتردد صدى الأزمة الآن إلى ما هو أبعد من القطاع، الذي يعد من بين أكبر القطاعات في أجزاء كبيرة من الدول الغربية.
ثالثًا: قطاع السياحة والسفر
تعد السياحة قطاعًا اقتصاديًّا رئيسًا، ولها أهمية اجتماعية واقتصادية خاصة، حيث إنها توظف عدد كبير من الشباب، وتوفر مصدر رزق للعديد من العمال غير الرسميين في البلدان النامية. قبل جائحة كورونا، أصبح السفر والسياحة أحد أهم القطاعات في الاقتصاد العالمي، حيث يمثلان 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 320 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم.
وقد كان عام 2020 أسوأ عام على الإطلاق بالنسبة لقطاع السياحة، عندما انخفض الوافدون الدوليون بنسبة 73%، ووصل عدد السائحين الدوليين إلى 400 مليون سائح، مقارنة بـ 1.5 مليار سائح في عام 2019، وبذلك وصل إجمالي إيرادات قطاع السياحة نحو 638 مليار دولار أمريكي خلال عام 2020، مقارنة بـ 1.7 تريليون دولار أمريكي في عام 2019.
وكانت جائحة كورونا مؤلمة لقطاع السياحة بشكل خاص، فالخسائر التي حدثت في عام 2020 في السياحة تعد الأولى من نوعها، فلم يتكبد القطاع مثل هذه الخسائر من قبل حتى في الأزمة العالمية 2008-2009، حيث وصل أعداد السائحين الدوليين إلى 977 مليون سائح، وكذلك في عام 2003 مع انتشار وباء سارس، وصل عدد السائحين الدوليين إلى حوالي 500 مليون سائح، مما يجعله أحد أكثر القطاعات تضررًا من الأزمة الصحية العالمية.
وفي عام 2021 مع ارتفاع معدلات التطعيم، وتخفيف القيود في الكثير من دول العالم، شهدت السياحة الدولية تحسنًا طفيفا عن عام 2020، فزادت بنسبة 4٪ في عام 2021، ومع ذلك يعد هذا تحسنًا بسيطًا، فما زال أقل بكثير من مستويات عام 2019 بنحو 72%، وهو ما يمثل زيادة بمقدار 15 مليون سائح دولي مقارنة بعام 2020، وبذلك وصل إجمالي إيرادات قطاع السياحة نحو 700-800 مليار دولار، خلال عام 2021.
بدأ عام 2022، بداية قوية في قطاع السياحة، فقد واصلت السياحة الدولية انتعاشها في يناير 2022، ومع ذلك، جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتضيف حالة من عدم اليقين حول آفاق الاقتصاد العالمي، جنبًا إلى جنب مع قيود السفر المرتبطة بجائحة كورونا التي ما زالت تفرضها بعض الدول، مما قد يعوق انتعاش السياحة.
استنادًا إلى أحدث البيانات عن منظمة السياحة الدولية الصادرة في 25 مارس 2022، تضاعف عدد السياح الدوليين الوافدين إلى أكثر من الضعف (+ 130%) في يناير 2022 مقارنة بعام 2021، وعلى الرغم من هذا النمو الكبير في يناير 2022، فإنه ما زال أقل بكثير من مستويات عام 2019 بنحو 67%.
وتمتعت جميع المناطق بانتعاش كبير في يناير 2022، كان أداء منطقة أوروبا والأمريكتين هو الأقوى، فوصل أعداد السائحين الدوليين في أوروبا (+ 199%) والأمريكتين (+ 97%)، كما شهدت منطقة الشرق الأوسط (+ 89%) وإفريقيا (+ 51%) نموًا في يناير 2022 مقارنةً بعام 2021.
تفرض الأزمة الروسية الأوكرانية تحديات جديدة على البيئة الاقتصادية العالمية، وتهدد بإعاقة عودة الثقة في السفر العالمي، فقد يؤثر إغلاق المجال الجوي الأوكراني والروسي، وكذلك الحظر المفروض على شركات الطيران الروسية من قبل العديد من الدول الأوروبية، على السفر داخل أوروبا.
شكلت روسيا وأوكرانيا مجتمعة 3٪ من الإنفاق العالمي على السياحة الدولية في عام 2020 ويمكن أن تضيع 14 مليار دولار على الأقل من عائدات السياحة العالمية إذا استمر الصراع.
كما يهدد الارتفاع الأخير في أسعار النفط وارتفاع التضخم، قطاع السياحة، فيمكن لذلك أن يجعل خدمات الإقامة والنقل أكثر تكلفة، مما يضيف ضغطًا إضافيًا على الشركات السياحية.
تشير سيناريوهات منظمة السياحة العالمية إلى أن نسبة الوافدين من السائحين الدوليين يمكن أن تنمو بنحو 30٪ إلى 78٪ في عام 2022 مقارنة بعام 2021. ومع ذلك، لا يزال هذا أقل من 50٪ إلى 63٪ من مستويات ما قبل الجائحة.
تشير سيناريوهات منظمة السياحة العالمية إلى أن نسبة الوافدين من السائحين الدوليين يمكن أن تنمو بنحو 30% إلى 78% في عام 2022 مقارنة بعام 2021. ومع ذلك، لا يزال هذا أقل من 50% إلى 63% من مستويات ما قبل الجائحة.
وفقًا لأحدث توقعات منظمة السياحة العالمية، يتوقع 4% من الخبراء عودة السياحة الدولية إلى مستويات ما قبل الجائحة 2019 خلال عام 2022، ويتوقع 32% حدوث ذلك في عام 2023، في حين يتوقع الغالبية عودة السياحة الدولية إلى مستويات ما قبل الجائحة 2019 خلال عام 2024.
أولًا: تقلبات قطاع الطاقة العالمي
شهدت سوق النفط العديد من التقلبات والانحرافات خلال القرن الـ 21، آخرها بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، والتي تقود السوق لطرق مجهولة.
كان عام 2020 مثيرًا لقطاع الطاقة العالمي، فقد أدت جائحة فيروس كورونا إلى خفض الطلب وتقلب معايير السوق، حيث انخفض الطلب العالمي على الطاقة في عام 2020 بنسبة 4٪، وهو أكبر انخفاض منذ الحرب العالمية الثانية، فمنذ بداية عام 2020 كان قطاع الطاقة أكثر القطاعات تضررًا من تفشي الوباء، حيث كان لقيود السفر وعمليات الإغلاق التي فرضتها الحكومات لوقف انتشار الفيروس تأثير كبير على الطلب على الطاقة، مع انخفاض القدرة الصناعية بشكل كبير بسبب متطلبات التباعد الاجتماعي والشحنات المعطلة، فقد كانت الحاجة إلى النفط وأشكال الطاقة الأخرى أقل بشكل ملحوظ.
النفط
أدى انخفاض الطلب على النفط، إلى جانب حرب الأسعار بين المملكة العربية السعودية وروسيا، إلى انخفاض حاد في أسعار النفط، بعد افتتاح عام 2020 عند 66 دولارًا للبرميل، حيث تراجعت الأسعار إلى أدنى مستوى لها منذ عقدين عند 19.33 دولارًا في 21 أبريل 2020 مع انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم.
كما انخفض سعر النفط الأمريكي إلى قيمة سالبة لأول مرة في التاريخ في إبريل 2020؛ ووصل إلى -38 دولارًا للبرميل، حيث جف الطلب على النفط تمامًا نتيجة عمليات الإغلاق، وأصبح منتجو النفط يدفعون للمشترين مقابل التخلص من السلعة بسبب المخاوف من أن سعة التخزين قد تنفد، وقد تم تخزين 160 مليون برميل من النفط في ناقلات نفط "عملاقة" خارج أكبر مواني الشحن في العالم، بما في ذلك خليج الولايات المتحدة، وكانت آخر مرة وصل فيها حجم التخزين العائم إلى مستويات قريبة من ذلك في أعماق الأزمة المالية في عام 2009، عندما قام التجار بتخزين أكثر من 100 مليون برميل في البحر قبل تفريغ المخزونات عندما بدأ الاقتصاد في التعافي.
ويعد انهيار أسعار النفط هو "مثال قوي آخر على أن الوقود الأحفوري متقلب للغاية بحيث لا يمكن أن يكون أساسًا لاقتصاد مرن".
وللمساعدة في استقرار الأسعار، اتفق أعضاء منظمة (الأوبك) في أبريل 2020، إلى جانب دول أخرى منتجة للنفط بما في ذلك روسيا وأذربيجان وماليزيا والمكسيك، على خفض إجمالي الإنتاج العالمي بمقدار 9.7 ملايين برميل يوميًا - ما يعادل نحو 10% من الإنتاج العالمي.
كما قررت المجموعة التي تضم 23 دولة، والمعروفة باسم أوبك +، تقليص التخفيضات إلى 7.7 ملايين برميل في اليوم في أغسطس 2020، قبل الإعلان في أوائل ديسمبر 2020 أنها ستخفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميًا إضافيًا اعتبارًا من يناير 2021.
بينما ساعدت هذه الجهود على انتعاش أسعار النفط إلى نحو 49 دولارًا للبرميل اعتبارًا من 8 ديسمبر 2020، وكان لها تأثير كبير على شركات النفط والدول الرئيسة المنتجة للنفط.
آثر الأزمة الروسية الأوكرانية على سوق النفط
ما لبثت سوق النفط أن تتعافى، حتى واجهت أزمة جديدة في أكتوبر 2021، حيث سجلت أسعار النفط الخام أعلى مستوى لها منذ عام 2014، فقد تجاوز خام غرب تكساس الوسيط 84 دولارًا للبرميل، كما تعدى سعر خام برنت 85 دولارًا للبرميل؛ بسبب تزايد الطلب على الوقود نتيجة تعافي الدول من جائحة كورونا، والانخفاض الحاد في مخزونات النفط في الولايات المتحدة والدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكانت أسعار الغاز الطبيعي آخذة في الارتفاع، وكانت الأغلى منذ 13 عامًا في شتاء عام 2021.
هذا، وتشهد سوق النفط حالة من التخبط والارتباك منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، فروسيا ثاني أكبر مصدر للنفط الخام بعد السعودية وتزود أوروبا بنحو ثلث احتياجاتها، وهناك اضطراب في صادرات النفط الروسية، حيث تواجه موسكو تحديات متزايدة في بيع منتجاتها النفطية.
وقفز النفط إلى 139 دولارًا للبرميل عند نقطة واحدة في مارس 2022، وهو أعلى مستوى منذ 14 عامًا تقريبًا، وجاء ذلك في الوقت الذي أشارت فيه الولايات المتحدة إلى فرض حظر على شراء الطاقة الروسية، وبالفعل فرض الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في 8 مارس 2022 حظرًا فوريًا على واردات النفط والطاقة الروسية وسط دعم قوي من الناخبين والمشرعين الأمريكيين، رغم تحذيرات نائب رئيس الوزراء الروسي "ألكسندر نوفاك" من أن أسعار النفط العالمية قد تصل إلى 300 دولار للبرميل في حالة حظر الاستيراد، ولكن أسعار النفط تراجعت بشكل مفاجئ اليوم التالي، حيث انخفض خام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 12٪، ليستقر عند 108.7 دولارات للبرميل، مسجلًا أسوأ يوم له منذ 26 نوفمبر، كما انخفض خام برنت في اليوم نفسه، بنسبة 13٪، إلى 111.1 دولارًا، في أكبر انخفاض له في يوم واحد منذ أبريل 2020.
وقد جاء انخفاض أسعار النفط وسط مؤشرات على إحراز تقدم محتمل من قبل الولايات المتحدة في تشجيع المزيد من إنتاج النفط من مصادر أخرى؛ حيث ذكرت رويترز أن العراق قال إنه قد يزيد الإنتاج إذا طلبت أوبك + ذلك، كما أشار وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" إلى أن الإمارات العربية المتحدة ستدعم زيادة إنتاج أوبك +، كما أفرجت وكالة الطاقة الدولية عن 60 مليون برميل من احتياطات النفط للتعويض عن اضطراب الإمدادات، وصرحت بأنه يمكن الإفراج عن المزيد إذا لزم الأمر.
التوقعات المستقبلية لسوق النفط
وفقًا للمحللين في شركة "وود ماكنزي"، فإنه من المتوقع ارتفاع أسعار خام برنت إلى 150 دولارًا للبرميل، كأسوأ سيناريو للأزمة الروسية الأوكرانية، حال حدوث اضطراب شديد ومتصاعد، وتوقف صادرات النفط والغاز من روسيا إلى أوروبا، ويتوقع عدد من تجار النفط أن تتخطى أسعار النفط حاجز الـ 200 دولار للبرميل هذا العام؛ بسبب مقاطعة روسيا والافتقار إلى مصادر بديلة للإمداد. ومن جانيه، يتوقع "بيير أندوراند"، أحد أشهر مديري صناديق التحوط في قطاع النفط، إعادة تشكيل مستقبل أسواق الطاقة العالمية، مُرجحًا اختفاء إمدادات النفط الروسي إلى أوروبا. كما قدر المحللون أنّ نحو ثلاثة ملايين برميل يوميًّا من النفط الروسي يمكن أن تختفي من السوق.
ثانيا: سوق المعادن
انخفضت أسعار المعادن في الربع الأول من عام 2020؛ نتيجة لانهيار الطلب الصناعي العالمي بسبب جائحة COVID-19، وكان لإجراءات تحفيز الطلب واضطراب العرض المتزايد تأثير ضئيل على دعم أسعار المعادن، ومع إعادة فتح الاقتصادات بعد الجائحة وانتعاش الطلب ارتفعت أسعار معظم المعادن في عام 2021؛ بسبب تقليص الإمدادات ونقص الكهرباء وسياسات الصين للحد من استهلاك الطاقة والتلوث الناجم عن تكرير المعادن، علاوة على ذلك، أدى ارتفاع التكاليف، والتأخيرات في المواني إلى صعوبة نقل الخامات والمعادن المكررة في جميع أنحاء العالم.
ومع تصاعد الصراع الروسي الأوكرانى في 24 فبراير، أرسلت موجات صدمة في جميع أنحاء العالم، واستجاب الغرب بوابل من العقوبات التي لها بالفعل تأثيرات كبيرة على الأسواق المالية العالمية، مما أدى إلى إعاقة سلاسل التوريد، وأدى إلى زيادات كبيرة في أسعار المعادن المختلفة، حيث تنتج روسيا حاليًا نحو 6% من الألومنيوم في العالم ونحو 10% من النيكل، كما أنها أيضًا رابع أكبر منتج وثالث أكبر مُصدر في العالم للصلب، بالإضافة إلى ذلك، أوكرانيا نفسها هي مُصدر رئيس صاف للصلب.
وخلال فترة كورونا ارتفعت أسعار المعادن النفيسة بشكل كبير باعتبارها ملاذًا آمنًا خلال الأزمات، وعلى الرغم من التوقعات بانخفاض أسعارها بسبب توقعات تشديد السياسة النقدية خلال عام 2022، فإن التوترات الجيوسياسية بين روسيا أوكرانيا وما تلاها من تداعيات على الاقتصاد العالمي زاد من حالة عدم اليقين، ومن ثم ارتفعت أسعار المعادن النفيسة بشكل كبير.
1) الألومنيوم
انخفضت أسعار الألومنيوم بنسبة 3.8% في الربع الأول من عام 2020، حيث هبطت الأسعار إلى أدنى مستوى لها في أربع سنوات دون 1500 دولار أمريكي للطن المتري في نهاية مارس 2020، فقد أثرت جائحة COVID-19على الألومنيوم إلى حد كبير من خلال تأثيره على صناعة السيارات؛ حيث ضعف الطلب العالمي على السيارات، وأُغلقت معظم مصانع السيارات في جميع أنحاء الصين وأوروبا والولايات المتحدة مؤقتًا، ومن ثم انخفض إنتاج السيارات بأكثر من 30% في الربع الأول من عام 2020، وهو أكبر انخفاض منذ ذروة الأزمة المالية العالمية.
وعلى الرغم من ضعف الطلب، كانت هناك تخفيضات محدودة في إنتاج الألومنيوم في الصين، والذي يمثل أكثر من نصف إنتاج الألومنيوم العالمي، فقد ارتفع الإنتاج في الصين بنسبة 2.4% على أساس سنوي في الشهرين الأولين من عام 2020.
وفي الربع الثالث من عام 2020، ارتفعت أسعار الألومنيوم بنسبة 14%، لترتفع فوق مستويات ما قبل COVID-19في منتصف أكتوبر 2020، وكان ارتفاع الأسعار مدعومًا بالطلب القوي من الصين، حيث ارتفعت واردات الصين من الألومنيوم الأساسي ثمانية أضعاف في أغسطس 2021 مقارنة بعام 2019، فضلًا عن ارتفاع الطلب على الألومنيوم في الولايات المتحدة.
ومع انتعاش الطلب العالمي نتيجة فتح الاقتصادات مرة أخرى واصلت أسعار الألومنيوم صعودها، حيث قفزت بنسبة 10% في الربع الثالث مقارنة بالربع الثاني من عام 2021، لتصل إلى أعلى مستوى لها في 13 عامًا، مسجلة 2934 دولارًا للطن، وكانت الزيادة بسبب انخفاض العرض في الصين، وارتفاع تكاليف المدخلات، ونقص إمدادات الطاقة، حيث طبقت الصين" سياسات مزدوجة "تهدف إلى الحد من كثافة الطاقة والاستهلاك الكلي للطاقة، ومن ثم أدى هذا إلى تقليص قدرة مصانع الصهر في صناعة كانت تعاني بالفعل بسبب تقنين الكهرباء نتيجة نقص إمدادات الفحم.
وكذلك انخفض الإنتاج أيضًا في الهند، حيث واجهت شركات الألومنيوم نقصًا في الطاقة بسبب محدودية إمدادات الفحم، وفي البرازيل تقلص الإنتاج بسبب ضعف توليد الطاقة الكهرومائية، فضلًا عن ارتفاع سعر الألومينا، وهو المدخل الرئيس لتكرير الألومنيوم؛ نتيجة لاضطراب الإمدادات في البرازيل وجامايكا.
وقد أدت الأزمة الروسية الأوكرانية وما تلاها من عقوبات اقتصادية على روسيا إلى زيادة المخاوف من نقص إمدادات الألومنيوم، حيث إن روسيا تمثل نحو %6من الإمداد العالمي للألومنيوم، كما أنها منتج رئيس للغاز الطبيعي المستخدم لتوليد الكهرباء والتي تعتبر شيئًا أساسيًّا في عملية إنتاج المعادن، لذا، فقد ارتفعت أسعار الألومنيوم بشكل قياسي لتسجل نحو 4000 دولار للطن في 8 مارس 2022، ومازالت أسعار الألومنيوم مرتفعة بسبب اضطرابات العرض والتي زاد من حدتها إعلان أستراليا حظر تصدير خامات الألومينا والألومنيوم إلى روسيا، فضلًا عن حظر بعض البنوك الروسية من التعامل بنظام سويفت؛ الأمر الذي من الممكن أن يؤدي إلى تعطل شحنات الألومنيوم من روسيا، ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الألومنيوم بنسبة 6% في عام 2022 بعد قفزة بنحو 50% في عام 2021.
2) الحديد
ارتفعت أسعار خام الحديد 2.4% في الربع الأول من عام 2020، على عكس المعادن الأساسية الأخرى، بعد انخفاض في الربع الرابع من عام 2019؛ وذلك بسبب اضطرابات الإمداد المرتبطة بالطقس، حيث الأعاصير في أستراليا وهطول الأمطار الغزيرة في البرازيل، كما لم تخفض مصانع الصلب الإنتاج استجابةً للوباء بسبب ارتفاع تكاليف إعادة تشغيل المصانع المتوقفة عن العمل، ومن ثم فقد تم دعم الأسعار من خلال الإنتاج القوي للصلب في الصين، والذي يمثل ثلثي تجارة خام الحديد المنقولة بحرًا، واستمرت أسعار خام الحديد في الارتفاع بأكثر من 25% في الربع الثالث من عام 2020، ويعكس ارتفاع الأسعار إلى حد كبير الطلب القوي على إنتاج الصلب في الصين، وتعطل الإمدادات في البرازيل نتيجة اضطرابات النقل والعمالة بسبب تفشي COVID-19.
انخفضت أسعار خام الحديد بنسبة 40%، منذ أن وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في يونيو 2021، إلى 125 دولارًا للطن المتري في سبتمبر 2021، ويعكس هذا الانخفاض انخفاضًا حادًا في إنتاج الصلب، فمنذ يوليو 2021، قلصت الصين بشدة من إنتاج الصلب لتلبية الطلبات الحكومية لإصلاح إنتاج الصلب عند مستويات 2020 للحد من الانبعاثات الكربونية واستهلاك الطاقة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب خطط التقليص الشتوية الحكومية أن يكون إنتاج الصلب أقل بنسبة 30% (على أساس سنوي) في الفترة من 1 يناير إلى 15 مارس 2022، وفي الوقت نفسه، زادت صادرات خام الحديد، وخاصة من البرازيل، حيث وصلت الصادرات إلى أعلى مستوى لها في 11 شهرًا في أغسطس 2021.
ومع استمرار التعزيزات وزيادة الإنتاج من البرازيل وأستراليا، كان من المتوقع أن تنخفض أسعار خام الحديد بنسبة 21% في عام 2022، بعد زيادة بنسبة 51% في عام 2021، لكن المخاوف من تعطل الإمدادات نتيجة للأزمة في أوكرانيا قد تدفع إلى الارتفاع في أسعار خام الحديد، فوفقًا لشركة Fastmarkets MB، تم تداول خام الحديد 62% شمال الصين عند 138.09 دولارًا للطن في 28 فبراير 2022، بزيادة 2.6% مقارنة بإغلاق يوم 25 فبراير 2022.
وقد قفز سعر خام الحديد 62% شمال الصين بما يقرب من 4% يوم 25 مارس 2022، وقد تم تداوله عند 150 دولارًا للطن تقريبًا؛ حيث تعاني المصانع الصينية نقص الإمدادات بسبب الاضطرابات المرتبطة بفيروس كورونا.
3) النيكل
شهدت أسعار النيكل أكبر انخفاض لها في الربع الأول من عام 2020، حيث انخفضت بنسبة 17.3%، في تناقض صارخ مع الأسعار المرتفعة في النصف الثاني من عام 2019، حيث انخفض الطلب بشدة على منتجات الفولاذ المقاوم للصدأ (الذي يمثل ثلاثة أرباع استخدام النيكل في العالم) في الصين (أكبر مستهلك في العالم) وإيطاليا (أكبر مستهلك في أوروبا) بسبب عمليات الإغلاق.
ارتفعت أسعار النيكل في الربع الثالث من عام 2020 بنحو 17% بعد انخفاض شديد في أبريل 2020، فقد أدى ارتفاع استهلاك النيكل، الناتج عن الطلب القوي من قطاع الفولاذ المقاوم للصدأ في الصين والمخاوف بشأن نقص إنتاج النيكل، إلى ارتفاع الأسعار كما أدى الحظر الذي فرضته إندونيسيا على تصدير خامات النيكل، والذي دخل حيز التنفيذ في يناير 2020، إلى الحد بشكل حاد من إمدادات المواد الخام اللازمة لإنتاج الصين من النيكل الحديد الزهر، وفي الوقت نفسه، تعطل الإمداد من الفلبين، أكبر مورد منفرد لخام النيكل إلى الصين؛ بسبب إغلاق المناجم بسبب تفشي COVID-19.
كان النيكل بالفعل في ارتفاع بسبب شح الإمدادات وقد زادت الأزمة الروسية الأوكرانية، المخاوف من حدوث نقص كبير في إمدادات النيكل، حيث تعتبر روسيا ثالث أكبر منتج للنيكل في العالم، وقد تضاعفت أسعار النيكل لتسجل رقمًا قياسيًا غير مسبوق في بورصة لندن، حيث وصلت إلى 100 ألف دولار للطن المتري في 8 مارس 2022، مما دفع بورصة لندن للمعادن لإيقاف التداول على النيكل وقتها.
4) الذهب
ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 6.9% في الربع الأول من عام 2020، فقد كان الارتفاع مدفوعًا بزيادة شراء الذهب باعتباره الملاذ الآمن وسط حالة عدم اليقين المتزايدة، فضلًا عن سياسات التيسير النقدي المتبعة من قبل البنوك المركزية الرئيسة، حيث انخفضت أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة تاريخيًا وبوتيرة قياسية.
كما أدى توقف إنتاج المناجم بسبب تدابير احتواء الوباء، خاصة في جنوب إفريقيا وأمريكا الجنوبية إلى زيادة الأسعار، بالإضافة إلى انخفاض قدرة التكرير العالمية بشكل كبير، حيث أوقفت مصافي التكرير السويسرية - التي تعالج ثلث إمدادات الذهب العالمية - عملياتها، بينما عملت المصافي في سنغافورة وتركيا بقدرة منخفضة.
وواصلت أسعار الذهب ارتفاعها، حيث ارتفعت بنحو 12% في الربع الثالث من عام 2020 - لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 2072 دولارًا للأوقية في 6 أغسطس 2020؛ وذلك بسبب لجوء الأفراد للذهب كملاذ آمن مع استمرار حالة عدم اليقين المرتبطة بجائحة COVID-19، فضلًا عن استمرار سياسات التيسير النقدي التي اتبعتها البنوك المركزية الكبرى.
وقد تراجعت أسعار الذهب بنسبة 1.4٪ في الربع الثالث من عام 2021، نظرًا لتراجع الطلب على الاستثمار في الذهب وسط ارتفاع عوائد أسعار الفائدة، فقد ارتفع العائد على سندات الخزانة المحمية من التضخم (TIPS) لمدة 10 سنوات بمقدار 10 نقاط أساس في سبتمبر 2021، وتعزز الدولار الأمريكي بعد أن أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى أنه سيبدأ في تقليص مشترياته من السندات قبل نهاية عام 2021، ومن ناحية أخرى، أدت زيادة الطلب على المجوهرات الأخرى في الصين والهند إلى انخفاض أسعار الذهب.
ومع تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية وزيادة حالة عدم اليقين لدى الأفراد زاد الطلب بشكل كبير على الذهب باعتباره الملاذ الآمن وارتفعت أسعاره بشكل قياسي، ففي 8 مارس 2022 سجل 2051 دولارًا للأوقية، أعلى مستوى له منذ أغسطس 2020.
5) البلاتين
انخفضت أسعار البلاتين بنسبة 0.6% في الربع الأول من عام 2020، حيث انخفضت بأكثر من 20% في مارس 2020 - أدنى مستوى لها منذ 17 عامًا - مع انهيار الطلب العالمي على السيارات، حيث يُستخدم البلاتين في المحولات الحفازة لمحركات السيارات لتقليل الانبعاثات الضارة، فضلًا عن اضطرابات الإمدادات في جنوب إفريقيا، فقد توقفت جميع المناجم لمدة 21 يومًا في جنوب إفريقيا، مما أدى إلى انخفاض شديد في الأسعار.
عاودت أسعار البلاتين الارتفاع في الربع الثالث من عام 2020، حيث ارتفعت بنسبة %15، مستفيدةً من جاذبية المعادن النفيسة كملاذ آمن، بالإضافة إلى انتعاش الطلب العالمي على المركبات، مع انقطاع الإمداد من جنوب إفريقيا، أكبر منتج للبلاتين في العالم.
فيما انخفضت أسعار البلاتين مرة أخرى بنسبة 14% في الربع الثالث من عام 2021؛ بسبب ضعف الطلب من قطاع السيارات، حيث تسبب النقص في أشباه الموصلات في حدوث ركود في إنتاج السيارات العالمي، وبالتالي انخفاض الطلب على جهاز التحفيز الذاتي في السيارة، والذي يمثل أكثر من ثلث الطلب على البلاتين.
ومن المرجح أن يؤدي انتعاش العرض جنبًا إلى جنب مع تراجع الطلب إلى ممارسة ضغط هبوطي على الأسعار، فمن المتوقع أن تنخفض أسعار البلاتين بنسبة 9% عام 2022، بعد زيادة بنسبة 25% في عام 2021.
أولًا: الأسواق المالية العالمية وجائحة كورونا
تسبب فيروس كورونا في حدوث تأثير بالغ على أسواق الأسهم العالمية، حيث حدثت انخفاضات كبيرة في أسواق الأسهم في وقت قصير، وفقدت الشركات قيمتها السوقية.
فقد شهدت أسواق الأسهم العالمية انخفاضات حادة منذ الأسبوع الأخير من فبراير 2020، وسجلت مؤشرات البورصة العالمية انخفاضًا تاريخيًا خلال الفترة (1 يناير حتى 4 أبريل) 2020، فقد انخفض مؤشر داو جونز الصناعى خلال هذه الفترة بمقدار 26% وانخفض مؤشر ستاندرز آند بورز بنسبة 24%، ومؤشر فوتسي بنسبة 29% و مؤشر DAX الألماني بنسبة 29%، ونايكي بنسبة 23% و مؤشر شنغهاي بنسبة 10%، كما انخفض سعر النفط الخام بنسبة 53٪، فقد أثر الوباء على الأسواق العالمية والاقتصادات وأسعار الأصول والشركات والموظفين.
كما تسبب تفشي الوباء في تراجع أداء الأسواق المالية في يناير 2020، لكن هذا التراجع لم يدم طويلًا وتم تعويض الخسائر بسرعة، كان الانخفاض في شهري يناير وفبراير بشكل عام في الأسواق الآسيوية، وخاصة في الصين.
زادت الانخفاضات في أسواق الأسهم بشكل أكبر خلال الفترة (1 يناير -1 أبريل) 2020، انخفض مؤشر MSCI العالمي بنسبة 25٪، ومؤشر MSCI للأسواق الناشئة بنسبة 26%، مؤشر MSCI الأوروبي بنسبة 27%، ومؤشر MSCI لمجموعة السبع بنسبة 25%، ووفقًا لصندوق النقد الدولي، كان هناك 83 مليار دولار من تدفقات رأس المال الخارجة من بورصات الأسواق الناشئة في الفترة 21 يناير 2020 إلى 21 مارس 2020.
وخلال الفترة (2 يناير – 27 مارس) 2020، شهدت عوائد السوق بشكل عام تغيرات كبيرة، حيث شهدت بعض القطاعات انخفاضات كبيرة، بينما حدثت زيادات في بعض القطاعات الأخرى، القطاع الذي حدث فيه انخفاض حاد هو شركات الطيران، وكان هناك أيضًا انخفاض في القطاعات التالية: الخدمات الاستهلاكية، والمعادن النفيسة، والتأمين، وأسواق رأس المال، والمرافق، والنقل غير الجوي، والعقارات، والنفط والغاز المتكامل، والذهب والبنوك، ومع ذلك، كانت هناك زيادات في قطاعات التكنولوجيا الحيوية، والأغذية والسلع الأساسية بالتجزئة، وخدمات الاتصالات عن بعد، ومعدات الرعاية الصحية والموردين، وفقًا لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، انخفضت أسعار السلع الأولية العالمية بشكل عام بنسبة 37.3%، فبالنظر إلى التوزيعات القطاعية، انخفضت الطاقة بنسبة 55%، والمعادن الصناعية بنسبة 18%، والزراعة بنسبة 7%، والثروة الحيوانية بنسبة 15%، بينما ارتفعت أسعار المعادن الثمينة بنسبة 5%.
وخلال هذه الفترة، شهدت بعض أسواق الأسهم انخفاضات كبيرة، فأسواق الأسهم التي شهدت انخفاضًا في القيمة هي بلجيكا وهولندا والسويد والولايات المتحدة وألمانيا والبرتغال وسويسرا على التوالي، وأسواق الأسهم التي شهدت ارتفاعًا في القيمة هي تايوان وهونغ كونغ وسنغافورة وإسرائيل والصين وكوريا الجنوبية، وحدثت زيادات كبيرة في مؤشر تقلبات الأسهم (VIX)، مما يدل على أن فيروس كورونا شكل خطرًا كبيرًا على الأسواق.
هذا وقد وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على تمرير حزمة مساعدات بقيمة 2.2 تريليون دولار لمكافحة تداعيات فيروس كورونا لتلبية احتياجات السيولة لسوق الائتمان ودعم الأسواق، وتم توزيع هذا المبلغ كالتالي: 532 مليار دولار من أجل الدعم المالي للشركات الكبيرة والحكومات المحلية، وشراء السندات، و 290 مليار دولار هي مساعدة مباشرة للأسر، و 290 مليار دولار عبارة عن خصومات ضريبية، و 377 مليار دولار دعم وقروض للشركات الصغيرة، و260 مليار دولار مدفوعات بطالة، 126 مليار دولار لدعم المستشفيات وأنظمة الرعاية الصحية.
كما أعلنت الحكومة الأسترالية عن حزمة دعم اقتصادي ومالي بقيمة 200 مليار دولار أمريكي، وفي 18 مارس 2020، أعلنت تركيا عن حزمة اقتصادية بقيمة 100 مليار ليرة تركية (15 مليار دولار) لمواجهة تداعيات فيروس كورونا.
وبينما بدأت الأسواق تتعافى من تأثير الفيروس نتيجة للحزم المالية التي اتخذتها الحكومات وظهور اللقاحات وانتشار برامج التطعيم في الدول ظهر متحور أوميكرون، وسارعت الدول إلى منع المسافرين من جنوب إفريقيا؛ حيث تم التعرف على المتغير لأول مرة، وأغلقت إسرائيل واليابان حدودهما بالكامل، وفرضت بريطانيا متطلبات الحجر الصحي الجديدة، وتلقت أسهم الشركات في الصناعات التي كانت تتعافى، مثل شركات الطيران وشركات السفر، ضربات كبيرة، حيث أعادت الحكومات فرض قيود على الحركة عبر الحدود.
ثانيًا: تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على الأسواق العالمية
تضررت سوق الأسهم الروسية بشدة يوم 24 فبراير 2022، وتراجعت بورصة MOEX في موسكو بنسبة 33% بعد أن هوت أكثر من 1000 نقطة في مرحلة واحدة مع استعداد المتداولين لعقوبات صارمة، وانهار مؤشر MSCI الروسي بنسبة 38%، ويقدر المحللون أنه كان أحد أكبر ثلاثة انهيارات في سوق الأسهم على الإطلاق، وتلقت أوكرانيا القدر نفسه من الصدمات الاقتصادية، حيث انهارت عملتها وسنداتها الحكومية بشكل كبير.
في وول ستريت، غرقت الأسهم الأمريكية بحدة مع انخفاض مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 500 نقطة، حيث سعى المستثمرون إلى الأمان النسبي للسندات الحكومية، وانخفض العائد على سندات الولايات المتحدة لأجل 10 سنوات بأكثر من 3 نقاط أساس إلى 1.939%.
ثم استقرت وانتعشت أسواق رأس المال العالمية في يوم التداول الثاني في 25 فبراير، ارتفعت مؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسة الثلاثة، مؤشر داو جونز الصناعي، ومؤشر S&P 500، ومؤشر ناسداك بشكل جماعي، بنسبة 2.51% و 2.24% و 1.64% على التوالي. كما ارتفعت الأسهم الأوروبية أيضًا، حيث ارتفع مؤشر RTS الروسي بنسبة 26.12% بعد أن هبط بأكثر من 50% خلال الجلسة السابقة،في المجمل، فإن هذا يعني أن تأثير الصراع بين روسيا وأوكرانيا على أسواق رأس المال العالمية محدود نسبيًا في الوقت الحالي.
يعتقد الباحثون في ANBOUND أن تطور أنماط الصراع الجيوسياسي الذي أحدثته الأزمة الروسية الأوكرانية سيؤثر حتما على قرارات الاستثمار العالمية وتدفقات رأس المال، ستكون هذه الآثار تدريجية وعميقة، مما يشير إلى أن الأسواق المالية العالمية ستتطور مع التغيرات الجيوسياسية.
ثالثًا: التوقعات المستقبلية لسوق الأسهم العالمية
تتوقع وكالة "فيتش" حدوث تقلبات في أسواق الأسهم خلال الأشهر المقبلة؛ نظرًا لاستمرار ارتفاع معدلات التضخم، وقيام البنوك المركزية حول العالم بتشديد سياساتها النقدية، وتباطؤ نمو الأرباح، فضلًا عن ضعف النشاط الاقتصادي، واستمرار المخاطر الجيوسياسية والسياسية المحلية.
وقد أدى تعرض أسواق الأسهم الصينية والروسية لضغوط هبوطية متزايدة خلال الأشهر الأخيرة إلى ضعف أداء الأسهم في الأسواق المتقدمة، في حين تحسن أداء بعض أسواق الأسهم في الأسواق الناشئة، بما في ذلك تركيا، حيث ارتفعت سوق الأسهم في البلاد بنسبة 17.1% منذ بداية العام.
أيضًا ارتفعت بعض أسواق الأسهم في أمريكا اللاتينية، حيث استفادت تشيلي من انخفاض المخاطر السياسية بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النحاس، مما عزز معنويات المستثمرين ومن ثم ارتفعت سوق الأسهم في البلاد بنسبة 15.2%، وارتفعت أسواق الأسهم في البرازيل والأرجنتين بنسبة 13.6%و11.4% على الترتيب، حيث عززت أسعار السلع الأسهم في البرازيل.
شهدت الأسهم الصينية أيضًا مزيدًا من الخسائر وانخفضت بنسبة 11.2% في مارس 2022، بسبب مخاوف من المزيد من إلغاء إدراج الأسهم الصينية في أسواق الأسهم في الولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن الارتفاع المتزايد في حالات الإصابة بـ "كوفيد-19".
ارتفع مؤشر (MSCI) للعملات في الأسواق الناشئة بنحو 1.7% على مدار 12شهرًا، وعلى الرغم من التقلبات التي شهدتها بعض عملات الأسواق الناشئة في أوائل مارس 2022، فإن ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ورفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة، واستقرار اليوان الصيني، ساعد على دعم سعر صرف هذه العملات.
لذلك، فقد ارتفعت عملات الدول المنتجة للسلع مثل، الكوانزا الأنغولي والريال البرازيلي، والراند الجنوب إفريقي، وفي المقابل، أظهرت عملات مستوردي الطاقة ضعفًا، بينما استمرت الليرة التركية في الانخفاض، حيث انخفضت بنسبة 10.3% منذ بداية العام، وكان الروبل الروسي من بين أسوأ العملات أداءً، حيث انخفض بنسبة 26.5% منذ بداية العام؛ ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الأزمة الروسية الأوكرانية والعقوبات المفروضة.
1- روسيا
على الرغم من أن النمو الاقتصادي في روسيا تأثر كثيرًا جراء وباء كورونا؛ حيث سجل -2.95% خلال عام 2020، فإن الاقتصاد الروسي سرعان ما عاد لمعدلات النمو الإيجابية وحقق معدل نمو بلغ 4.5% عام 2021، إلا أن العقوبات الغربية ستقوض هذا النمو؛ حيث تراجعت قيمة العملة الروسية "الروبل" مقابل الدولار الأمريكي لتصل إلى أدنى مستوياتها التاريخية، كما أن البنوك الروسية أصبحت غير قادرة على تلبية طلبات العملاء لعمليات السحب؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة معدلات الفائدة بشكل كبير من 9.5% إلى 20%.
وصرح معهد التمويل الدولي (IIF)، أكبر مجموعة مصرفية دولية، بأن العقوبات الأمريكية على روسيا سيكون لها تأثير كبير على اقتصاد روسيا ومواطنيها، وقد تتسبب في ركود، حيث تستهدف هذه العقوبات النظام المالي لروسيا، ونتيجة لذلك، من المحتمل أن يحدث نمو سلبي في الاقتصاد الروسي وسيعوق قدرتها على القيام بأعمال تجارية بالعملات الرئيسة في العالم.
كما خفضت كل من وكالة "فيتش" و"موديز" التصنيف السيادي لروسيا إلى فئة "غير مرغوب فيه" أي بمعدل قياسي يعادل ست درجات محذرة من أن عقوبات الغرب زادت من مخاطر التخلف عن السداد، إلى جانب قيام وكالة "ستاندرد أند بورز" بخفض تصنيفها الائتماني لروسيا بمقدار تسع درجات غير مسبوقة إلى فئة "غير مرغوب فيه"، كما قامت بسحب التصنيفات الخاصة بعدد من البنوك الروسية والبيلاروسية الأكثر تعرضًا للعقوبات، فيبدو أن الوضع محتدم لاقتصاد روسيا.
كما أعلن الاتحاد الأوروبي في 26 فبراير 2022، أنه سيتم حذف "البنوك الروسية المختارة" من نظام سويفت (SWIFT) "شبكة المدفوعات السريعة" بين البنوك. وفي 28 فبراير، حظر الاتحاد الأوروبي أي معاملة مع البنك المركزي الروسي أو أي ممثل له وجمد احتياطات البنك المركزي الروسي المحتفظ بها داخل الاتحاد الأوروبي.
ثم أعلنت أستراليا أنها ستطبق مجموعة من العقوبات ردًا على الإجراءات الروسية في أوكرانيا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وتضمنت هذه الإجراءات عقوبات مالية موجهة ضد ثمانية أعضاء في مجلس الأمن الروسي، أما كوريا الجنوبية، فصرحت أنها ستشارك في استبعاد البنوك الروسية من نظام SWIFT، وفي 1 مارس 2022، أشارت وزارة المالية لكوريا الجنوبية إلى أنها ستحظر المعاملات المالية مع سبعة بنوك روسية كبرى والشركات التابعة لها في إطار زمني يتطابق مع العقوبات الأمريكية، كما أوصت بوقف الاستثمار في السندات الحكومية الروسية.
2- لبنان
يعيش لبنان أزمة إنسانية معقدة منذ أواخر عام 2019، مما أدى إلى نشوء احتياجات واسعة في البلاد، فمنذ ما يقرب من عامين، تعرض لبنان لأزمات متفاقمة، أزمة اقتصادية ومالية، تلتها جائحة كورونا، وأخيرًا انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، ويأتي ذلك في ظل تفاقم الأزمة السياسية داخل البلاد في الأشهر الأخيرة، حيث احتدمت الخلافات السياسية بين الجماعات المتنافسة، مما أدى إلى تأخير تشكيل الحكومة الجديدة، وقالت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها العالمي لعام 2022، الصادر في 13 يناير 2022، إن السلطات اللبنانية "الفاسدة وغير الكفء" أغرقت البلاد في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العصر الحديث.
وتعد الأزمة الاقتصادية الأكثر تأثيرًا على البلاد، والأكثر استمرارًا، لذلك أشار البنك الدولي، إلى أن الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان تعد واحدة من العشر الأوائل، وربما أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية في جميع أنحاء العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر؛ فقد انخفض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 10.5% في عام 2021، وذلك بعد انكماش بنسبة 21.4 في عام 2020، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبنان مما يقرب من 52 مليار دولار أمريكي في عام 2019 إلى 21.8 مليار دولار أمريكي في عام 2021، أي بنحو 58.1%، مما يجعله أعلى انكماش في قائمة من 193 دولة.
وفي مارس 2020، تخلف لبنان عن سداد ديونه لأول مرة في تاريخه، حيث فقدت العملة المحلية أكثر من 85% من قيمتها وفقد عشرات الآلاف من اللبنانيين وظائفهم، بينما غادر الكثيرون البلاد؛ بحثًا عن فرص في الخارج. وما يقرب من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 5 ملايين يعيشون في فقر.
استمر التدهور الحاد في الليرة اللبنانية في عام 2021، حيث انخفض سعر الأوراق النقدية بالدولار الأمريكي ومتوسط سعر الصرف في البنك الدولي بنسبة 211% و219% (على أساس سنوي)، على التوالي، خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام، كما ارتفعت معدلات التضخم، التي قُدرت بمتوسط 145% في عام 2021، مما جعل البلاد تحتل المرتبة الثالثة عالميًا بعد فنزويلا والسودان في ارتفاع معدلات التضخم.
كما تشير التقديرات إلى أن الإيرادات الحكومية انخفضت إلى النصف تقريبًا في عام 2021 لتصل إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يمثل أدنى نسبة ثالثة على مستوى العالم بعد الصومال واليمن، وفي الوقت نفسه، كما وصل إجمالي الدين إلى 183% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021؛ مما يجعل لبنان يحتل المرتبة الرابعة في أعلى نسبة في العالم، تسبقه اليابان والسودان واليونان فقط.
كما حذرت منظمة "أنقذوا الأطفال" في يناير 2022 من أن انهيار الليرة اللبنانية إلى مستويات تاريخية منخفضة، سيدفع المزيد من الأطفال إلى الفقر والجوع هذا العام، فقد أدى الانهيار الاقتصادي في البلاد إلى دفع ما يقدر بنحو أربعة ملايين أسرة في برثان الفقر في العامين الماضيين.
بالإضافة إلى ذلك، ستؤثر الأزمة الروسية الأوكرانية على لبنان، فيستورد لبنان 66٪ من قمحه من أوكرانيا و12% من روسيا، ومن جانبه، قال "جيمس سوانستون"، اقتصادي الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس"، إنّ لبنان يكافح بسبب ارتفاع أسعار الاستيراد، وعليه، سيؤدي الوضع في أوكرانيا إلى تفاقم الأمور، فقد ارتفع سعر الخبز بنسبة 70% في ظل تخزين المتاجر الكبرى للسلع الأساسية، ثم بيعها بأسعار أعلى منذ بداية مارس.
خلال العامين الماضيين اعتمد لبنان بشكل كبير على المساعدات الدولية والمبادرات الإنسانية المحلية لحل أزماته الاقتصادية، إلا أن ذلك أيضًا معرض للخطر، فقد تتوجه المساعدات الدولية إلى أوكرانيا في الفترة القادمة، فيبدو أن عام 2022 سيكون عامًا آخر شاقًا على الشعب اللبناني، الذي لم يتعاف بعد من الأزمات السابقة، لذلك يجب على الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي العمل معًا لحماية البلاد.
3- تركيا
لقد عانى الاقتصاد التركي خلال الآونة الأخيرة، من أزمات اقتصادية كبدته خسائر كبيرة، ثم جاءت الأزمة الروسية-الأوكرانية لتشكل خطرًا على الاقتصاد التركي، وتعرضه لموجة أُخرى من التضخم، وارتفاع أسعار الطاقة، واضطراب السلاسل التجارية مع دول الجوار التركي على البحر الأسود.
فتعيش تركيا حاليًا أزمة اقتصادية، حيث تنخفض قيمة الليرة التركية ويصل التضخم إلى أعلى مستوياته منذ عام 2002، وقد أدت جائحة كورونا إلى تفاقم المشكلات، وأثرت سلبًا على الحد من الفقر، فتشير التقديرات إلى أن زيادة أسعار المستهلك بنسبة 1% في تركيا تؤدي إلى زيادة عدد الفقراء بنسبة 2%.
وأظهرت بيانات رسمية في تركيا أن معدل التضخم السنوي في البلاد تسارع بشكل أكبر في فبراير الماضي، مسجلًا أكبر قفزة منذ عام 2002، وهو ما يزيد من الضغط على الأسر التي تكافح بالفعل لشراء السلع الأساسية، وفي هذا الإطار، وفقا لبيانات معهد الإحصاء التركي ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 54.44% في فبراير الماضي، مقارنة بالعام الماضي.
وأظهرت البيانات أن تركيا سجلت أعلى زيادة سنوية في الأسعار في قطاع النقل في شهر فبراير، بنسبة 75.75%، فيما بلغت الزيادة في أسعار المواد الغذائية 64.47%، ليعاني المستهلكون الأتراك من ارتفاع الأسعار، في أعقاب سلسلة من التخفيضات في أسعار الفائدة خلال العام الماضي، والتي أدت إلى حدوث أزمة عملة.
وجدير بالذكر أن الحكومة التركية خفضت، خلال شهر فبراير 2022، ضريبة القيمة المضافة على المواد الغذائية الأساسية إلى 1% بدلًا من 8%، كما أدخلت مجموعة من الإجراءات للحد من ارتفاع فواتير الكهرباء، ومنها إعادة تعديل المستوى الذي يتم بموجبه رفع أسعار الكهرباء للأسر وبعض الشركات التي تستخدم المزيد من الطاقة.
وترجع أزمة تركيا بشكل كبير، للسياسة الاقتصادية غير التقليدية، والتي تضمنت خفض أسعار الفائدة على الرغم من معدل التضخم المتصاعدة.
ووفقا لتقديرات البنك الدولي، من المتوقع أن ينخفض النمو النمو الاقتصادى في تركيا هذا العام ليصل إلى 2%، بعد تحقيق معدل نمو مرتفع خلال عام 2021، الذي وصل إلى 10%، كما من المتوقع أن يشهد عام 2023 نموًا متواضعًا بنحو 3%.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون للأزمة الروسية الأوكرانية تأثير كبير على الاقتصاد التركي، فيرتبط الاقتصاد التركي ارتباطًا وثيقًا باقتصاد روسيا وأوكرانيا؛ إذ تُعدّ روسيا أكبر مصدر لواردات تركيا، وقد بلغ إجمالي التجارة بين البلدين قرابة 35 مليار دولار أمريكي عام 2021. ووفقًا لبيانات الحكومة التركية، فإن روسيا هي أكبر مورد للغاز الطبيعي لتركيا؛ حيث تمدها بنحو ثلث وارداتها من الغاز، وكذلك تعد مصدرًا رئيسًا للقمح، في حين بلغ حجم التجارة التركية مع أوكرانيا 7 مليارات دولار أمريكي خلال عام 2021، وقد توقفت هذه التجارة تقريبًا الآن بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.
كما ستضر الأزمة الروسية الأوكرانية، صناعة الشحن في تركيا، والتي تسهم بنحو 2.38% من إجمالي الاقتصاد التركي، ووفقًا لغرفة الشحن التركية، حوصرت اثنتان من سفن (Cenk RORO) و26 فردا من طاقميهما في ميناء (Chornomorsk) الأوكراني، وأصبحوا غير قادرين على العودة، بينما ظل السائقون الأوكرانيون عالقين في تركيا، وقد خسرت الشركة 870 ألف دولار أمريكي في أسبوع واحد.
كما تعتمد تركيا على السياح القادمين إليها من كلا البلدين، فقد كان المسؤولون يأملون في أنه مع تخفيف القيود المفروضة بسبب وباء كورونا، يمكن للسياحة أن تنتعش محققة مستويات تتجاوز عام 2019، عندما حقق نحو 52 مليون زائر - بما في ذلك نحو 7 ملايين روسي و 1.6 مليون أوكراني - إيرادات بقيمة 34 مليار دولار، وقد انخفض العدد الإجمالي للزوار إلى 15 مليونا في عام 2020 لكنه تعافى إلى نحو 29 مليونا في عام 2021.
بالتالي فإن أي تصعيد للأزمة الأوكرانية يمكن أن يفرض مزيدًا من التضخم على أسعار المواد الغذائية والكهرباء والضرورات الأخرى في تركيا، كما سيُجبر الحكومة التركية على رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم، حتى وإن لم يكن هذا الإجراء مرغوبًا فيه.
4- اليمن
يواجه اليمن أزمات اقتصادية حادة، أدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، وعلى الرغم أن الأوضاع الاقتصادية المتردية تُعد أحد انعكاسات الحرب والنزاع المستمر في البلاد بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، فقد خلفت الحرب التي اندلعت منذ نحو سبع سنوات، أسوأَ أزمة إنسانية في العالم حتى قبل تفشي وباء كورونا.
وفي السياق نفسه، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، من أنه من المتوقع أن يواجه نحو 19 مليون شخص في اليمن انعدام الأمن الغذائي الحاد بحلول النصف الثاني من هذا العام، بزيادة تبلغ نحو 20% مقارنة بالأشهر الستة الأولى من عام 2021.
هذا بالإضافة إلى أن نصف المرافق الصحية في البلاد أغلقت أو دمرت، فيما خسر الريال اليمني 57٪ من قيمته في 2021 في المناطق التي تديرها الحكومة، بينما أدى استمرار نقص الوقود إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون.
كما تم تشريد نحو 4.3 ملايين يمني من ديارهم، ونحو خُمس النازحين الجدد في عام 2021 كانوا في محافظة مأرب الغنية بالطاقة، والتي حاول الحوثيون الاستيلاء عليها منذ أكثر من عام، لذلك، تسعى الأمم المتحدة إلى تقديم الدعم إلى 17.3 مليون شخص في عام 2022 من أصل 23.4 مليون يحتاجون إلى المساعدة.
وبالإضافة إلى ذلك، ووفقًا للأمم المتحدة، قُتل نحو 233 ألف مواطن يمني في الحرب، من بينهم 131 ألفًا لأسباب أخرى مثل، نقص الغذاء وتدهور الخدمات الصحية والبنية التحتية؛ فمعظم السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب أو الصرف الصحي أو الرعاية الصحية المناسبة.
من المرجح أن يؤدي استمرار الصراع في أوكرانيا إلى عرقلة وصول المواد الغذائية إلى اليمنيين؛ حيث من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع الغذائية، وخاصة تكلفة الحبوب، فقد أدت الأزمة الروسية الأوكرانية، إلى تعطيل إنتاج المحاصيل، مما يعني أنه من المحتمل أن تزداد الاحتياجات الإنسانية في بلدان مثل، أفغانستان واليمن وسوريا والصومال مع تعطل صادرات الحبوب العالمية وزيادة أسعار الغذاء والوقود وتحويل الاهتمام الأساسي إلى أوكرانيا.
فتعتمد البلاد على أوكرانيا وروسيا في الحصول على المحاصيل الأساسية، حيث تحصل اليمن على 22% من وارداتها من القمح من أوكرانيا وحدها.
خاتمة
واجه الاقتصاد العالمي العديد من الأزمات والصدمات على مر العصور، ولكن هذه المرة يبدو أن الأمر مختلف وأكثر صعوبة؛ فالاقتصاد ما زال في طور التعافي من جائحة كورونا، التي تسببت في خسائر اقتصادية طائلة، بالإضافة إلى وجود حالة من عدم اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية، بسب عدم توافر معلومات مؤكدة عن نهاية الجائحة، خاصة مع ظهور متحور جديد من وقت لآخر، وبعد ذلك جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية كضربة قاضية للاقتصاد العالمي، وقد حذر البنك الدولي من أن الأزمة في أوكرانيا تهدد بإلحاق أضرار طويلة المدى باقتصادات البلاد ذات الدخل المنخفض والمتوسط؛ حيث تسببت في دفع ملايين الأشخاص إلى الفقر، ودفع العديد من الدول كذلك إلى أزمة دين.
فارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتراجع حجم التبادل التجاري، وارتفاع أسعار الفائدة، وتعزيز قيمة الدولار الأمريكي، كلها عوامل ستؤدي إلى تفاقم الضغوط المالية في العديد من البلاد؛ مما يجعل من الصعب على الدول التي تعتمد على الاستيراد الوفاء بخدمة سداد أعباء الديون المتزايدة، كما أن ارتفاع أسعار النفط والقمح سيكون كافيًا لعرقلة النمو "بشدة" في كثير من الدول النامية ما لم تنته الأزمة بسرعة.
ومع تشديد السياسة النقدية في جميع أنحاء العالم، استنفدت الدول النامية بالفعل الحيز المالي المتاح لها، وفي ضوء ذلك يشار إلى أن الضرر الناجم عن الوباء كان قابلًا للاحتواء من خلال السياسة المحلية، لكن هذا ليس الحال فيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية لأنها ليست في أيدي صانعي السياسات الوطنيين، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تداعيات لا يمكن السيطرة عليها.
وبالتالي يمكن القول بأن الاقتصاد العالمي يواجه تحديًا خطيرًا، من الصعب السيطرة عليه، وقد يؤثر على أركان النظام الاقتصادي ككل ويعيد تشكيلها من جديد.
الاقتصاد العالمي بين شقي رحى الوباء والأزمة الروسية الأوكرانية
.jpg)