recent
أخبار ساخنة

تداعيات التحول إلى الاقتصاد الأخضر على معدلات التضخم الأخضر

 


تداعيات التحول إلى الاقتصاد الأخضر على معدلات التضخم الأخضر

      









 "نقص معدلات الاستثمار في الطاقة والتضخم الأخضر

 سينهيان عصر المثالية في سياسة الطاقة."

باتريك فوليس، محرر بمجلة الإيكونومست، 2021. 

 











 

 يرى بعض الباحثين أن مصادر الطاقة المتجددة لم تثبت حتى الآن قدرتها على تلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة، كما أن تركيز الحكومات على تبني استراتيجيات تتوافق مع أهداف تقليل آثار التغيرات المناخية قد يحد من الاستثمارات الموجهة نحو الوقود الأحفوري والمعادن، وبالتالي مع زيادة التوجه العالمي نحو الاقتصاد الأخضر وتراجع الاستثمارات في إنتاج الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى عدم كفاية الطاقات الإنتاجية في مجال الطاقة المتجددة، المصحوب بارتفاع أسعار الانبعاثات الكربونية، فمن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى ما يسمى بـ"التضخم الأخضر". ومع ذلك، هل يجب على الحكومات التراجع عن التحول الأخضر أم يمكن التغلب على العواقب الناتجة عن ذلك التحول؟

 

ماهية التضخم الأخضر وتداعياته:


التضخم الأخضر يقصد به ارتفاع الأسعار المصاحب لعمليات التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وقد يشتمل ذلك على ارتفاع أسعار المعادن والمواد التي يتم استخدامها في صناعة التقنيات الصديقة للبيئة التي تساعد في عملية التحول إلى اقتصاد خالٍ من الكربون، ولا ينحصر التضخم الأخضر في زيادة أسعار الصناعات الخضراء فحسب، بل يتسع ليشمل زيادة أسعار السلع التي قد تتأثر بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر، وقد تزداد معدلات التضخم الأخضر مع زيادة اتجاه الحكومات نحو الاقتصاد الأخضر؛ إذ يزداد الطلب على السلع التي يتم ابتكارها في هذا المجال، وبالتالي ترتفع أسعارها، فعلى سبيل المثال مع ازدياد الطلب العالمي على السيارات الكهربائية، ارتفع سعر معدن الليثيوم الذي يعتبر أحد المكونات الرئيسة التي يتم استخدامها في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.

 












فالتحول إلى الاقتصاد الأخضر يتطلب استخداما كثيفا لبعض المعادن، والتي يطلق عليها "المعادن الخضراء"، وذلك يظهر من خلال الشكل رقم 1، والذي يوضح ازدياد الطلب العالمي على أبرز "المعادن الخضراء"، مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت، حيث يتضح أن الطلب العالمي على تلك المعادن في ازدياد مطرد، إذ يتوقع أن يزداد حجم سوق "المعادن الخضراء" بحوالي سبعة أضعاف بحلول عام 2030، حيث يصل معدل النمو السنوي المركب للطلب العالمي على الليثيوم إلى نحو 21٪ خلال العقد الحالي، كما يتوقع أن ينمو الطلب على النيكل بسرعة أكبر؛ حيث يتم استخدامه في عدة مجالات مثل صناعة البطاريات وخلايا الوقود والتوربينات.





شكل رقم 1: مؤشر الطلب العالمي على بعض المعادن المستخدمة في صناعة البطاريات (مقياس لوغاريتمي، المؤشر: 2011 = 100)

 

المصدر: تقرير "التضخم الأخضر: التحول في الطاقة سيؤدي إلى التضخم".







وبسبب الزيادة الهائلة في الطلب العالمي على تلك المعادن، سواء الحالي أو المستقبلي، ارتفعت الأسعار بالفعل لمعظم المعادن الخضراء كما هو موضح بالشكل رقم 2، إذ شهد عنصر الليثيوم زيادة سعرية كبيرة منذ عام 2021، أما عن الرقم القياسي لأسعار عنصر النيكل فيتضح أنه يشهد ارتفاعا مستمرا منذ عام 2016، وذلك على خلاف أسعار عنصر الكوبالت، والتي شهدت طفرة خلال عام 2018، ثم تبع ذلك انخفاض في الأسعار حتى منتصف عام 2019، وبعد ذلك عاد الارتفاع في الأسعار مرة أخرى. وقد يرجع تذبذب أسعار المعادن الخضراء إلى طبيعة هذه المعادن وندرتها في الطبيعة، إذ تحتاج عملية التعدين لفترات زمنية طويلة، بالإضافة إلى رأس مال كثيف، وبالتالي تعتبر المعادن الخضراء أكثر عرضة للزيادات المفاجئة في الأسعار.

 








شكل رقم 2: الرقم القياسي لأسعار  بعض المعادن المستخدمة في الصناعات الصديقة للبيئة

 

المصدر: تقرير "التضخم الأخضر: التحول في الطاقة سيؤدي إلى التضخم".


ولعل من أبرز تداعيات التضخم الأخضر تباطؤ التحول نحو الاقتصاد الأخضر، فعلى سبيل المثال التحول نحو استخدام السيارات الكهربائية كان مدفوعًا خلال العقد الماضي بانخفاض أسعار البطاريات بشكل مستمر، إلى جانب اقتراب تكاليف تلك السيارات من نظيرتها التي تعمل بالبنزين، ولكن مع ازدياد التوقعات بارتفاع تكاليف المواد الخام المستخدمة في صناعة بعض أجزاء السيارات الكهربائية، مثل البطاريات التي يتوقع أن ترتفع أسعارها بنحو 15% خلال العام الحالي بعد انخفاض دام لأكثر من عقد، يتضح ارتفاع متوسط سعر صفقة السيارات الكهربائية الجديدة في الولايات المتحدة بزيادة قدرها 16% عن العام السابق، وفقًا لبيانات شركة "كوكس أوتوموتيف"، الأمر الذي يغير وضع السيارات الكهربائية لتصبح في فئة أسعار السيارات الفاخرة، وبالتالي يمكن أن يؤثر ذلك على انتشار السيارات الكهربائية خلال الفترة المقبلة.

 






تداعيات التحول إلى الاقتصاد الأخضر على معدلات التضخم الأخضر










ما الأسباب المحتملة لارتفاع معدلات التضخم الأخضر؟


تتعدد الأسباب الكامنة خلف زيادة معدلات التضخم الأخضر نتيجة لعمليات التحول للاقتصاد الأخضر وتقليل الانبعاثات ولكن يمكن تلخيص أبرزها كما يلي:












 تضاعف حجم الاستثمار العالمي في الطاقة خلال الفترة القادمة، حيث عانت صناعة الطاقة من نقص في الاستثمارات منذ عام 2014، فقد يعمل الطلب العالمي المطرد على زيادة الاستثمارات الموجهة للطاقة النظيفة، وبالتالي ترتفع أسعارها، حيث يقدر حجم الاستثمارات العالمية في الطاقة النظيفة المطلوبة للوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050 بحوالي 4 تريليونات دولار سنويا حتى عام 2030.




















ارتفاع قيمة "الأقساط الخضراء" Green Premiums ، والتي تمثل تقديرات تقريبية للتكلفة الإضافية التي يتم تحملها بسبب اختيار تقنية نظيفة بدلًا من التقنيات التقليدية، فارتفاع أسعار المواد المستخدمة في الصناعات الصديقة للبيئة قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف تلك الصناعات مقارنةً بالصناعات التقليدية التي تؤثر على البيئة، فعلى سبيل المثال صنع الزجاج من خلال التقنيات التي تحافظ على البيئة يزيد من تكاليف الإنتاج بنحو20٪.











على الرغم من فعالية آليات تسعير الكربون في التخفيف من حدة التغيرات المناخية، وتحفيز الانتقال من استخدام الوقود الأحفوري إلى الطاقة الخضراء، فإن فرض ضرائب الكربون وآليات التسعير الأخرى قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري؛ مما قد يؤدي بدوره إلى ارتفاع معدلات التضخم، خاصةً على المدى المتوسط؛ إذ يؤدي ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري إلى رفع أسعار السلع الاستهلاكية التي يتم تصنيعها بالاعتماد على ذلك الوقود، وقد يحدث ذلك خاصةً بسبب عدم كفاية إنتاج الطاقة النظيفة في الوقت الحالي.
























ويمكن الاستدلال على ذلك بتجربة ألمانيا في تطبيق النظام الوطني لتجارة الانبعاثات (nETS) في يناير2021، والذي يعتمد على إصدار شهادات لانبعاثات الكربون في قطاعي التدفئة والنقل. وعلى الرغم من التأثيرات المباشرة للنظام على أسعار المستهلك في مجالات الطاقة والتدفئة والوقود، فإن بعض التأثيرات غير المباشرة لتسعير ثاني أكسيد الكربون قد ظهرت على أسعار بعض السلع الاستهلاكية، وقد يرجع ذلك إلى ارتفاع تكلفة بعض مدخلات الإنتاج؛ نظرًا لتسعير الكربون بالنسبة للمنتجين، والذين يقومون بدورهم بنقل التكاليف المتزايدة إلى المستهلكين في شكل زيادات في أسعار السلع النهائية، حيث قدرت نسبة المساهمة المباشرة لتسعير الكربون في زيادة إجمالي الرقم القياسي لأسعار المستهلك في ألمانيا بنحو 0.63 نقطة مئوية، وبالأخذ في الاعتبار الأثر غير المباشر لتسعير انبعاثات الكربون، والذي يزيد من تكلفة مدخلات الإنتاج، فإن التأثير التضخمي يقدر بنحو 1,16 نقطة مئوية في عام 2021، وفقًا لدراسة أجراها مجلس الخبراء الاقتصاديين الألماني.














فيمَ يكمن الحل؟


لا يقترح الخبراء تراجع الحكومات عن مكافحة التغيرات المناخية، ولكن يجب العمل على التغلب على العواقب التضخمية غير المقصودة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر ، وذلك يمكن من خلال العمل على تخفيض الأقساط الخضراء عن طريق العمل على تخفيض أسعار التقنيات الخضراء من خلال تحفيز الابتكار واستغلال اقتصادات الحجم، ويمكن الاستعانة في ذلك بقانون رايت الذي ينص على أن مضاعفة الإنتاج قد تؤدي إلى انخفاض تكاليف الإنتاج بنحو 15٪.


















كما يمكن أن تلعب السياسات الحكومية دورًا كبيرًا في تخفيض تداعيات التضخم الأخضر من خلال مساعدة المبدعين على تمويل استثمارات البحث والتطوير في مجال الصناعات الصديقة للبيئة وتوفير التمويل اللازم لتحديث البنية التحتية، فضلا عن تقديم الإعانات إلى جانب العرض لتحفيز الإنتاج، ودعم جانب الطلب لتشجيع المستهلكين.





















ويمكننا الختام بالاستناد إلى تنبؤات وكالة الطاقة الدولية التي تنص على أن "ضمان النمو المستقبلي للسيارات الكهربائية سيتطلب جهودا أكبر لتنويع مصادر تصنيع البطاريات وإمدادات المعادن الهامة، وبالتالي خفض مخاطر نقص المعادن وارتفاع الأسعار".











google-playkhamsatmostaqltradent