التحول لمجتمعات صديقة للبيئة.. خطوة مهمة لتحقيق التنمية المستدامة
تفصلنا بضعة أشهر عن الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف COP27 والتي من المقرر أن تستضيفها جمهورية مصر العربية، فقد باتت قضية تغير المناخ والتحديات التي تترتب عليها من القضايا المصيرية في العصر الحالي. لقد أدت التنمية الاقتصادية غير العابئة بالنظام البيئي، إلى الاستخدام المتزايد يومًا بعد يوم للوقود الأحفوري الذي لعب دورًا مهمًا في زيادة الانبعاثات الكربونية وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، الأمر الذي من شأنه حدوث تقلبات مناخية شديدة، ومضاعفة احتمال تعرض مختلف بلدان العالم إلى موجات الحر والجفاف والعواصف والفيضانات. وهنا تأتي أهمية أن يعيد المجتمع الدولي تفكيره في التحول إلى مجتمعات صديقة للبيئة؛ بغرض الانتقال إلى نمط تنموي جديد يأخذ في حسبانه الاستدامة من خلال المحافظة على البيئة. فقد توقع البنك الدولي أن تغيّر المناخ سوف يدفع 216 مليون شخص للهجرة داخل بلدانهم بحلول عام 2050. وفي هذا الصدد بات لدى عدد كبير من الأفراد والشركات والمجتمعات الرغبة في بذل المزيد من الجهد للحفاظ على الموارد الطبيعية وحمايتها.
وعلى الصعيد المحلي لا تتجاوز الانبعاثات التي تصدر عن مصر 0.6% من إجمالي انبعاثات العالم، وعلى الرغم من ذلك، تعد مصر واحدة من أكثر الدول عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ، مما يضيف تحديًا آخر جديدًا إلى التحديات التي تواجهها مصر في إطار رؤيتها وسعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
ما هي المجتمعات الصديقة للبيئة؟
يمكن التحول إلى مجتمع صديق للبيئة من خلال خطوات قليلة لجعل كوكب الأرض مكانًا أفضل للمجتمعات وللأجيال القادمة؛ وذلك من خلال الحفاظ على المياه، وتقليل قيادة المركبات والاستعاضة عنها بالسير أو ركوب الدراجات، وخفض استهلاك الطاقة، خاصة المولدة من الوقود الأحفوري، والاعتماد على المنتجات المعاد تدويرها، وخفض النفايات، وزيادة الرقعة الخضراء من خلال زراعة المزيد من الأشجار.
ما هي التقنيات التي تساعد على التحول لمجتمعات صديقة للبيئة؟
توصيل خزانات مياه الأمطار مباشرة إلى أنابيب المياه المتصلة بالمباني: يعد إمداد المياه الآمنة والنظيفة للمباني مكلفًا؛ وذلك لاستخدامه قدرًا كبيرًا من الطاقة المولدة من استخدام الوقود الأحفوري خلال عمليات المعالجة والتنقية والتوزيع. ومن الجدير بالذكر أن مياه الأمطار لا تحتاج إلى القدر نفسه من المعالجة والتنقية الذي تحتاجه مياه الأنهار، وإنما تحتاج فقط إلى تركيب مرشحات على الأنابيب لترشيح المياه؛ وذلك لانخفاض نسبة البكتريا والفيروسات فيها.
تكنولوجيا إعادة تدوير المياه الرمادية: المياه الرمادية "هي المياه التي تأتي من المصارف والمغاسل وأحواض الاستحمام". تسمح تقنيات إعادة تدوير المياه الرمادية بتوفير المياه اللازمة للري.
تكثيف الاعتماد على تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح: في الآونة الأخيرة تتجه العديد من الشركات متعددة الجنسيات إلى استخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية والرياح؛ وذلك لأنهما مصادر متجددة ونظيفة للطاقة.
التحول لاستخدام مصابيح LED وCFL: تعتبر تلك المصابيح أفضل من المصابيح التقليدية من حيث درجة الإضاءة، بالإضافة إلى أنهما يعملان بطاقة أقل ويستمران لفترة أطول.
التحول للاعتماد على البلاستيك القابل للتحلل: هو نوع مطوَّر من البلاستيك يعتمد في تكوينه على مكونات نباتية وهو أكثر أمانًا للبيئة نظرًا لكونه قابلًا للتحلل بعد مرور فترة من الزمن.
الاتجاه للاعتماد على معدات التمرين غير الكهربائية أو منخفضة استخدام الطاقة: تحتاج صالات الرياضة الكبيرة الكثير من الطاقة الكهربائية لتشغيل الأجهزة والمعدات الرياضية، ويتم الحصول على هذه الطاقة بصفة أساسية من الوقود الأحفوري الضار بالبيئة، لذلك يمكن حل هذا التحدي من خلال استخدام إصدارات غير كهربائية أو منخفضة استهلاك الطاقة من معدات التمرين، وبهذا تتمكن الصالات الرياضية من توفير الأموال والحفاظ على البيئة في آن واحد.
شركات عالمية لديها مبادرات متميزة للحفاظ على البيئة
اتجهت الشركات ذات المتطلبات الكبيرة من الطاقة إلى زيادة المبادرات البيئية؛ وذلك بسبب الاستنزاف المستمر للموارد الطبيعية. هذا لأن المبادرات الخضراء توفر التكاليف، وتعيد استخدام الموارد وتساعد في التعرف على العلامة التجارية بين العملاء.
شركة فورد للسيارات " Ford "
اتجهت الشركة إلى استخدام أقمشة أكثر استدامة في مركباتها، كما أن 80٪ من مكونات سيارات Focus وEscape قابلة لإعادة التدوير. كذلك تركز الشركة على تطوير كفاءة استهلاك الوقود في مركباتها بالإضافة إلى تقديم الشركة لشاحنات تعمل بالوقود النظيف مثل، وقود الديزل الحيوي مما يساعد على خفض الانبعاثات الكربونية. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك فورد أكبر سقف أخضر في العالم، وهي الشركة الوحيدة التي فازت بجائزة EPA Energy Star مرتين على التوالي.
شركة ديزني "Disney"
تعمل شركة ديزني على خفض صافي الانبعاثات الصفري والذي يعني خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى أقرب مستوى ممكن من الصفر، كما تعمل الشركة على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري غير المباشرة من خلال تقليل استهلاك الكهرباء. كذلك لدى ديزني "سياسة صفر نفايات" مما يعني أنه لا يوجد شيء ينتهي به المطاف في مكبات النفايات. فضلًا عن ذلك تستخدم الشركة أيضًا تقنيات للحفاظ على المياه، وبذلك أصبحت ديزني شركة رائدة في المسؤولية البيئية.
شركة "Hewlett-Packard"
Hewlett-Packard هي واحدة من أولى الشركات التي أبلغت عن انبعاثاتها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وبعد ذلك بدأت بوضع خطط تهدف إلى تقليل الانبعاثات وتقليل المواد السامة المستخدمة في تصنيع منتجاتها. وتمتلك الشركة برنامجًا قويًا لإعادة التدوير يضمن ألا ينتهي الأمر بمعظم نفايات التصنيع في مدافن النفايات. علاوة على ذلك، فقد أخذت زمام المبادرة في نشر أهمية المسؤولية البيئية في إعلاناتها التي تروج للمبادرات الخضراء.
شركة " Johnson and Johnson "
تعتبر شركة Johnson and Johnson إحدى الشركات الرائدة في تصنيع منتجات العناية الشخصية التي تحافظ على البيئة، كما أن لديها مبادرات لخفض النفايات أثناء التصنيع والتوزيع، وذلك بالاعتماد على استخدام المنتجات المستدامة في طرق التعبئة والتغليف.
شركة " Nike "
تحرص شركة Nike على إبراز قيمة المبادرات الخضراء من خلال إعلاناتها. كما أن خط منتجاتها المستدامة مصنوع من مواد صديقة للبيئة مثل، البوليستر المعاد تدويره. كما تستخدم الشركة مصادر الطاقة المتجددة في التصنيع. علاوة على ذلك، ضغطت Nike على 650 من مورديها في 52 دولة لتطوير وتنفيذ سياسات بيئية مكتوبة.
متاجر " Starbucks "
تتبنى هذه الشركة مبادئ الاستدامة البيئية في جميع المجالات؛ حيث تقوم الشركة باستخدام القهوة العضوية، كما أنشأت متاجر خضراء تتضمن تعديل درجات الحرارة للأماكن المكيفة من المستوى القياسي 72 إلى 75 درجة فهرنهايت، بالإضافة إلى استخدام صمامات المياه منخفضة التدفق؛ وذلك لتقليل هدر المياه وخفض الانبعاثات الكربونية.
أهمية التحول إلى الوظائف الخضراء
على الرغم من أهمية التحول لاقتصادات صديقة للبيئة منخفضة الانبعاثات الكربونية فإن تلك المرحلة من التحول تنذر ببعض القلق من احتمال تعرض بعض الفئات العمالية لفقدان وظائفهم. وفي هذا الصدد يوجد عدد من السياسات المقترحة لتيسير عملية التحول إلى الوظائف الخضراء وتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 على النحو التالي:
زيادة ا لاستثمارات في البحوث الخاصة بالبنية التحتية الخضراء، وهذا من شأنه أن يدعم زيادة الإنتاجية في القطاعات الأقل كثافة من حيث مستوى الانبعاثات الكربونية.
زيادة الضريبة على انبعاثات الكربون تدريجيًا، وهذا سيرفع السعر النسبي للسلع الأكثر كثافة في الانبعاثات الكربونية، ويحفز النمو في القطاعات الأقل كثافة في الانبعاثات الكربونية.
عمل برنامج تدريبي لمساعدة العمال على الانتقال إلى قطاعات أكثر محافظة على البيئة لمعالجة مخاوف فقد الوظائف في القطاعات مرتفعة الانبعاثات الكربونية وتشجيع الشركات منخفضة الانبعاثات الكربونية على توظيفهم ورفع أجورهم.
وبذلك من المحتمل أن يؤدي تطبيق هذه السياسات في الاقتصادات المتقدمة إلى إعادة توزيع العمالة إلى الصناعات الأكثر اخضرارًا بنحو 1% على مدار عشر سنوات. كما يساهم في زيادة إجمالي العمالة بنسبة 0.5%. أما بالنسبة لاقتصادات الأسواق الناشئة سيكون التأثير مختلفًا، حيث يتم توظيف نسبة أعلى من العمال في قطاعات ليست صديقة للبيئة مثل، التعدين، ومن ثم سيولد تطبيق تلك السياسات في الاقتصادات الناشئة تحولًا بنسبة 2.5 % من القوة العاملة على مدار 10 سنوات.
إنه كوكب واحد نعيش عليه، ومن ثم بات من الضروري أخذ خطوات حثيثة نحو المحافظة على ما تبقى منه بعد سنوات من التلوث والانبعاثات الكربونية التي باتت تشكل خطرًا كبيرًا قد يهدد فناء الكوكب. وهنا يجب توفير حوافز للانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية من خلال تسهيل التحول إلى وظائف أكثر حفاظًا على البيئة مع وجود خطة واستراتيجية واضحة لتعزيز المهارات اللازمة للانتقال للوظائف الخضراء وزيادة حملات التوعية الخاصة بالمحافظة على البيئة بما يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة.