recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

إشكالية الحدث في "نظرة وداع"(1)

 إشكالية الحدث في "نظرة وداع"(1)

 

 


 
د. عزوز علي إسماعيل

 

 
تأتي مجموعة "نظرة وداع" للأديب حسام أبوالعلا بعد عدد من المجموعات القصصية التي كان لها أثرها في مسيرته 

الإبداعية، والحق يقال إن مجموعة "الكيس الأسود" ومجموعة "قلب مهزوم"من المجموعات القصصية المتميزة 

وتأتي هذه المجموعة بموضوعات حياتية مختلفة فهي من الأهمية بمكان، تعزف على وتر الحياة الاجتماعية وما 

ينتابها من مشاكل وخيانات، تبدأ القصص بقصة "عرض سخي" وكان حدثها مبنياً على الخيانة الزوجية وخيانة 

الصديق، وكيف أن هذا الزوج المخدوع كان همه كله رضاء زوجته. سعى هذا الزوج بكل ما يملك من أجل علاجها من 

ذلك المرض العضال، لم يكن لديه من الوقت ليكون معها فقد كان عمله شغله الشاغل، وكان دائم الشكوى من الحياة 

ومصاريف الأولاد وعلاج الزوجة وليس لديه وقت للخروجات والفسح، فعرض عليه صديق عمره أن تشارك زوجته 

وأولادها في رحلة على الشاطئ مع زوجته فهي بمفردها هناك، وافق سعيد على ذلك ووافقت زوجته على الفور، حيث 

لم يجد أي إشارة حزن من زوجته كونه لن يتمكن من مرافقتهم. وكان حظ زوجته العاثر أن تعطل جهاز الكمبيوتر 

الخاص به وأراد أن يكمل تقريراً لمكتبه، ففتح جهازها ليكمل عمله عليه وكانت الطامة الكبرى؛ حيث تفاجأ برسالة 

أخيرة من زوجته إلى صديق عمره حسين جاء فيها " وحشتني". الأمر الذي أصاب الزوج سعيد بصدمة كبرى. هنا 

نرى الكاتب يرسل عدداً من الرسائل من خلال التأزيم وإشكالياته المتعددة اتي بدأت بخيانة زوجته له وخيانة صديق 

عمره له، وكأنه أراد التنبيه إلى أن هدم البيوت أقرب ما يمكن وقد يأتي من أقرب الناس، فالبيت الذي لم تراع الزوجة 

زوجها في كل صغيرة وكبيرة سيهدم، ويعزف على وتر الألم فقد كان زوجها مشغولاً دائماً في عمله من أجلها ومن

 أجل أبنائها باحثاً عن مكافأة تساعده على ظروف الحياة الصعبة، وأيضاً من أجل إيجاد المال لعلاجها إلا أنها خانت 

العشرة مع صديقه. وهناك جملة عابرة وفارقة دلت على خيانة صديقه وهي جملة مكثفة وتحمل دلالات عديدة جاءت 

الجملة بعد أن حكى لصديقه عن تقصيره في إسعاد زوجته وأبنائه في الفسح والخروجات جاء رد صديقه سريعاً 

يقول الكاتب: "رد حسين سريعاً، هذا ما يضايقك؟ بسيطة زوجتي وأولادي في الشاليه وحدهم، عملي يشغلني عنهم، 

سيفرحون كثيراً لو انضم إليهم زوجتك وأولادك". سرغة استجابة حسين لصديقه الزوج سعيد ظاهرة من الجملة،

 وهي ما تحمل إشارات أن هناك علاقة بين زوجة سعيد وحسين صديق سعيد. فرح الزوج بهذا العرض السخي 

والذي حمل عنوان القصة "عرض سخي". عبر عن ذلك الكاتب بقوله: "حمل سعيد "العرض السخي" الوحيد 

الذي يملكه إلى أولاده وزوجته، وافقوا على الفور". يؤكد الكاتب خيانتها بأنها لم ترفض ولم تبد حزناً لأنه لن يكون 

معهم. وهذا يعتبر قمة التأزيم في الحدث الذي بدأه باستهلال معرفي بهذا الصديق وبعمله الذي يتمنى من ورائه

المكافآت من أجل سعاد أسرته وأبنائه، أي أن الحدث جاء بطريقته الطبيعية بأن القصة بدأت بداية عادية ثم صعدت 

مع التأزيم والمشكلة حتى نهايتها، وقد كانت النهاية صادمة للمتلقي بأن زوجته تخونه مع صديقه الذي بدا ظاهرياً 

أنه وقف بجواره من أجل إدخال السرور على أسرته ولكنه داخلياً كان يخونه ولولا أن الله أراد أن يكشف تلك الخيانة 

لظل الزوج على نيته السليمة، وهذا هو دور القصة القصيرة لأنه رصاصة تصيب الهدف أسع من أي رواية، فبعد أن 

قرأ كلمة "وحشني" المرسلة من زوجته إلى صديقه تيقن أن الخطب جلل  وأن هناك خيانة. 

ترتبط كذلك قصة"عرض سخي" بقصة "الشرنقة" من قريب أو بعيد أيضاً نجد الخيانة وعدم الاكتراث بحب إنسان 

لتلك المرأة وعدم البقاء على العهد، هذا شاب متزوج، لكن حياته غير مستقرة بسبب زوجته التي تسعى بطاقاتها 

لتنغيص حياته، وخلق المشاكل فضاق ذرعاً بها، ووجد في تلك المرأة المنفصلة عن زوجها ضالته وأراد الزواج منها 

إلا أنها رفضت وأرادت أن يكون لها وحدها أي أنها أرادت أن ينفصل عن زوجته الأولى، ويبقى لها وحدها. هنا نرى

 التأزيم في هذه المرأة التي كانت متزوجة وانفصلت من زوجها وحين أراد أحد الارتباط بها كزوجة ترفض، لا تقبل إلا 

أن تستأثر به، وأن يطلق زوجته تقول: "أنت تراجعت عن وعدك بأن تكون لي وحدي. لم أتراجع ومتمسك بك، هي 

ظروف قاسية مؤقتة ستزول. حسمت موقفها: ليس هذا ما رسمته لمستقبلي معك، لن أشعر بالأمان في حياة مهددة 

بالمشاكل، دعنا نحتفظ بالذكريات الجميلة ونبقى صديقين". وقد كان اللقاء في محفل ومؤتمر علمي وراقت له تلك 

المرأة التي عرضت ورقة بحثها بجرأة فافتتنا بها وظل في محاولاته كي يلفت نظرها له وبالفعل تواعدا وصارح كل 

واحد منهما الآخر، وكانت رغبة منه أن ينتصر حبهما ليعيشا معا طوال حياتهما القادمة، ولكنه يتفاجأ وبعد تلك الر

حلة من العذاب السعيد في حبه لها أنها ترفضه، وترتبط بأحد زملائه في العمل وهو قمة التأزيم في القصة، وكانت

 صدمته في ذلك أكبر من صدمة عدم زيارته حين نقل إلى المستشفى ولم تزره. ولكنه لاحظ أنه حين كان ينتظرها 

وجد أن من حوله جميعهم ينظرون إليه، وكأنهم كانوا على علم بما تفعله تلك المرأة، وهي ربما تكون إشارة من الكاتب 

إلى أن تلك المرأة مرت على هؤلاء جميعاً وصولاً إليه وتركته أيضاً لترتبط بزميله في العمل، كل هذه الأمور تصب 

في عملية التأزيم وهي ترشيحات تؤكد تلك الإشكالية التي وقع فيها هذا المسكين، وكيف أن القصة القصيرة هنا عبرت 

عن مشكلة قد يتعرض لها كثير من المتزوجين الذين يرغبون في الارتباط بأخريات لما يعانونه من مشاكل زوجية

 قد عاشها البعض. وكانت الجملة الخاتمة للقصة هي المعبرة عن القصة بأكملها وتعبيرها في التكثيف الشديد، حين قال

 المسكين لحظة رؤية وفاء التي أحبها وأراد الارتباط بها بعد تجهيز الترتات ولوازم الزفاف وجد "وفاء" تدخل علي

هم وفي يدها العريس، إنه صديقه وزميله في العمل. حاول المسكين أن يخرج نفسه من "الشرنقة" التي وضع نفسه 

فيها ولكنه فشل في المرة الأولى إلا أنه حين رآها في يد زميله أقسم أن يخرجها من قلبه وكانت الجملة الأخيرة هي

 الباقية"لحظتها وللمرة الأولى استطاع القلب أن يفلت من شرنقته للأبد"... 


وللحديث بقية 


 حسام أبو العلا، نظرة وداع، مجموعة قصصية، دار المفكر العربي، الطبعة الأولى، القاهرة/2023 ص 8


 نظرة وداع ص 14














google-playkhamsatmostaqltradent