إعلان

recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

الراعى البصير


قصة بقلم محمود محمد الإمام


من المعروف أن فى الصحراء يعيش بعض البدو فى مناطق صحراوية كثيرة فى مصر ففى فترة زمنية ليست بالبعيدة 


كان هناك أسرة بسيطة تعيش فى خيمة , وكان رب هذه الأسرة يرعى الغنم ولديه طفل اسمه عمر كان يبلغ من العمر 


عشر سنوات وكانت أمه تحبه جدًا وتخاف عليه لأنه ابنها الوحيد حيث لم يرزقها الله بأبناء غيره ولأنه وُلد كفيفاً.


ومرت السنوات وكان الوالد يرعى الغنم، ويذهب فى بعض الأحيان إلى ما يعرف بالمدينة لقضاء بعض الحوائج التى لم 


تتوافر فى الصحراء القاحلة التى يعيشون فيها وذات ليلة عندما كان يقضى بعض الطلبات الخاصة بهم كان دائما يعود 


قبل غروب الشمس وحينما غربت الشمس ولم يأت وجاءت صلاة العشاء بدأت الأم ترتجف خوفًا على زوجها ومرت 


الأيام بعد هذه الليلة وقد اختفى الأب تماما وقد أصبحت الأم فى قلق شديد ودائمة السؤال عن زوجها فى كل مكان وبكل 


الطرق ولا تجد من يجيبها وفى تلك الحالة السيئة كانت الأم هى التى ترعى الغنم بدلا من زوجها وتحاول أن تعوض 


غيابه وتنظم المعيشة دون وجوده .


بدأ عمر يقلق من جلوسه وحيدًا ويشعر بالعجز داخل نفسه لأنه لا يرى بعينيه ومن يقوم برعايته هو أبوه ومن 


المفروض أنه هو من يقوم بأعماله فى حالة غياب أبيه حتى يريح أمه، وبدأ يحدث نفسه من داخله إنه قوى فتّى ولابد 


أن يقوم بعمل والده على الرغم من عجزه البصرى.

 

فكر كثيراً فى طريقة لكى تساعده فى رعاية الغنم، رغبة منه في مساعدة أمه، وبينما هو كذلك مستغرقٌ فى فكره وجد 


هناك جدياً دائما ما يجلس بجواره حتى بعد الرعى كان يترك أصدقاءه من الغنم ويجلس بجوار عمر طوال غياب أبيه، 


حتى شعر عمر أن هذا رفيق له داخل نفسه وصلى عمر ركعتين ثم نام حتى الصباح وحينما أشرقت الشمس شعر


 بشيء ينبض فى قدميه فأحس بخوف شديد لأنه لا يرى ما هذا الشيء الذى ينبض فى قدميه "ذكر الله" وتحرك ببطء


 ليرى ما هذا الذى يحسه بقلبه وأذنه قبل عينيه، حينما كان يقترب كان داخله يقين أنه سوف يجد ذلك الجدى لكن كان 


هناك شيء بينه وبين ذلك الإحساس، وهو لا يرى بعينيه وأن ما يشعر به إحساس داخلى، وعلى الرغم من ذلك اقترب 


بيديه وجد فعلا رفيقه حي بيديه ثم "ذكر الله" وقال سبحان الله، ما أتى بك إلى هنا وأنا تركتك مع أصدقائك وما إن 


انتهى من تلك الكلمات قام الجدى ووقف بجوار عمر وكأنه يلقنه السلام مثله مثل الإنسان ويحنو عليه كأنه أخ كبير أو 


صديق له، جاء هاتف إلى عمر داخل نفسه وهو أن يخرج لرعاية الغنم، ولكن هناك سؤال اعترضه فى داخل نفسه لماذا قررت ذلك الأمر رغم أننى لا أرى بعينى وبعد أن فرغ من صلاته ولبس البشت والشال وعقاله فوق رأسه وأخذ


 بعصاة أبيه التى يرعى بها الغنم حينئذ رأته أمه وقالت له يا ولدى ماذا تصنع؟ 


قال لها يا أمى إنى ذاهب لرعاية الغنم ارتعدت الأم رعبًا إما أن تقول له كلام يوجعه أو أن تصمت فاختارت الصمت، ثم 


صار عمر فى طريقه وكان رفيقه بجواره كانت عين أم عمر عليه منذ أن خرج من الخيمة، وكان رفيقه مازال معه إذا 


عسر فى الطريق ينغزه بقرنه الصغير يمينا أو يساراً، بدأ عمر قليلا يفهم إشارات هذا الحيوان الذى سخره الله سبحانه 


وتعالى له تارة يمينا وتارة يسارًا وقدر الله له فى ذلك اليوم نجاحا باهرًا رغم أنه فى الصحراء وكان معرضًا لأذى هو 


والحيوانات التى معه إلا أن عناية الله كانت معه وإرادته القوية جعلته يجتاز تلك المرحلة ظل عمر على هذه الحال لما 


يقرب من ثلاثين يوماً وكانت أمه فى تلك الفترة تدعو الله وقد أصابها المرض ولم تعد تستطيع أن تقوم من مكانها 


وتقول يا عمر ادع الله أن يرد لك أباك قبل أن أغادر أنا الحياة و قال لها عمر لا والله يا أمى لا والله سيطيل الله فى 


عمرك ويرفع عنك البلاء الله الذى أعاننى على ما أنا فيه سيرد إلينا والدى، ويرد عنك البلاء لم ينته عمر من قوله


 لأمه حتى سمع صوتًا وكان هذا الصوت ينبثق من الظلام المخيف، لكن عمر كان يقول لنفسه أنا فى ظلام دائم ولا 


أخشى إلا الله ثبت داخل نفسه قليلا ثم شعر بالصوت يقترب أكثر فأكثر فإذ بأبيه يلقى السلام عليه ففرح عمر بقدرة الله؛ 


لأن إيمانه بالله وثقته به عائدة إلى الله سبحانه وتعالى فقد أعادت إليه أباه فعانق أباه وفرح به أشد الفرح، وظل أبوه 


يبكى بكاء شديدًا لغيابه كل تلك الفترة وأن وجدهما بخير. 


حينما رأى زوجته مريضة حزن عليها أشد الحزن وقال لها يا أم عمر إن ما أنت فيه كنت أنا فيه، فقد أصابنى مرض 


شديد حينما كنت أقضِي لكم احتياجاتكم، لقد رزقنى الله بشيخٍ كبير، ومعه أسرته قاموا برعايتى فترة زمنية وقد رفع 


عنى البلاء، واليوم قال لى الشيخ اذهب إلى عمر وأمه على الفور فإنهم فى حاجة شديدة إليك، قال له: إننى لم أقل لك


 أن لى ولد وزوجة فكيف عرفت؟! قال له الشيخ: والله لقد رأيتهما فى رؤية بعد صلاة الفجر، فإنهم يعانون دون


 وجودك فقد تعلقوا بالله بعد أن تركتهم ورعاهم الله بعنايته ورعاك معهم، تعجبت زوجته من ذلك القول وحمدت الله الذى


 رد لها زوجها وقالت له ناولنى هذا العشب واغله وضع عليه قليلاً من العسل لعل الله يجعل فيه شفائى فشربت العشب


 ونامت نومًا عميقًا وعند شروق الصّباح كان عمر وأبوه ما زالا مستيقظين ولم ينما كى يجلسا بجانبها إذا احتاجت 


شيئاً، وحينما فتحت عينيها رأت زوجها وابنها بجوارها حمدت الله على الصحة وعلى أن الله رد إليها زوجها وحفظه، 


وبالطبع كان عمر وأبوه يتحاوران فى الفترة التى غاب فيها ويحكى له عن الفترة التى عاشاها أثناء غيابه، وتعجب أبو 


عمر من رفيقه أثناء غيابه، وكأن الله سبحانه وتعالى جعل ملكًا يحرسهما وهو غائب حتى يأتى، وعلى الرغم من ذلك 


استمر عمر فى الخروج مع أبيه فى رعي الغنم وكان أبوه سعيدًا جدًا بهذا الأمر، فقد كان من قبل يخشى عليه أن يخرج 


من الخيمة.


فالإرادة القوية دائما تجعلنا نسير فى طريقنا دون رهبة أو خوف من أى شيء.

google-playkhamsatmostaqltradent