recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

إعلان

الاغتراب في قصيدة وجع البحرللشاعر الدكتور طارق أبو حطب بقلم الناقد الكبير د. سعيد المنزلاوي

 



البحر معادل موضوعي للشاعر ولمعاناته.


 والمعاناة هنا تأتي من البحر. والبحر: ضد البر، وهو متسع من الأرض مغمور بالماء الملح. وفي البحر مد وجزر، يأخذان بأعطاف الشاعر فيصيبه ما يشبه داء البحر.

ومن البحر الحقيقي إلى البحر العروضي، نجد القصيدة قد أبحرت عبر موسيقا بحر الوافر، والذي غلب على تفعيلته العصْب، مما يقربه من الهزج، فلها نفس وزنها.


 والتراوح بين الحركة في الفاصلة الصغرى لمفاعلتن والسكون في مفاعيلن، والتي تنقل الفاصلة الصغرى إلى سببين خفيفين، ويتراوح ذلك التبدل على طول النص؛ لتحكي تنقل الشاعر بين اللهاث وبين السكون، بين حركة الحدث في انسيابه، وبين التوقف لالتقاط النفَس.


وتأخذنا دلالة العنوان إلى مسرح الأحداث والتي تقوم في البحر، حيث الاتساع والوحدة المكانية والزمانية، والاغتراب بمفاهيمه المتعددة، والبعد بدلالته المختلفة.


وإضافة الوجع للبحر في دال العنوان تجعل منه سببًا في ذلك الألم الذي يعانيه الشاعر.


 وعهدنا بالبحر يغسل أدران الهموم ويشرح الصدور بعد أن يزيل ما علق بها من أتراح وأحزان. فما بال الشاعر خاصمه البحر ونازعه وآلمه وأوجعه:


(أتيت البحر أشكوه

وموج البحر يلطمني)


 يشكل هذا المفتتح للقصيدة مفتاح الولوج إلى عالم النص والذي ينشطر بين اثنين: الشاعر والبحر، والذي يمثل الصراع، من خلال ثنائية تقوم على التضاد بين شاعر يشكو حاله للبحر، ولكن البحر يأخذ منه موقف المعادي، ما يزيد من حالة الشعور بالاغتراب لدى الشاعر.


إن الشاعر وهو يشكو حاله للبحر، عله يرسل إليه موجه لتجلو روحه، ولكن الموج يقسو عليه فيلطمه. 


(وموج البحر يلطمني 

ويجذبني

الى أعماق أعماقي

ويعصرني

بآلام من اللوم

ويغمرني

بأحزاني

وأناتي)


 إن القصيدة تعزف على وتر الغربة، والغربة هنا غربة زمانية ومكانية:


(أموت بغربتي وحدي

فلا أقوى

على الكلم

سمعت البحر يندبني

ويسكبني

من الشريان أطلالا

وأوهاما

وتذكارا) 


 إن الأبيات تنزف اغترابًا حشد له الشاعر إمكانات اللغة، مستغلًا طاقات الحرف في الإيحاء بالمعنى، فجاءت الحروف الانفجارية وقد غزت كل كلمة محدثة دويًّا تصدعت له جنبات النص، فلا الشاعر يقوى على الكلم إذ هو وحيد بغربته، يندبه البحر:


(ويعلن للدنا موتي)


الناعي هو البحر، واللحد هو البحر، أما الأكفان، فإنها:


(تلملم بعض أشلائي

وأعضائي

تسلم ما بقى

مني) 


  إن الغربة هنا غربة وجودية:


(دموع البحر تنزفني

تعانقني

وأبكيها

وأكره غربتي فيها

وآتيها)


لقد اتحد الشاعر بالبحر، ورأى في مائه دموع مآسيه؛ فعانقه وبكاه، وإن المآسي هي الضفاف:


(ضفاف البحر تسلبني

وترميني

وتشرب نخب أوردتي

وتقصيني

إلى حلم بلا مأوى

ولا من

ولا سلوى

فما أبقى

أنا أقوى)


إنه الاغتراب الوجودي، والذي يتخذ من الحزن مطية له ومن اللامكان مكانًا له.

 ومع شعوره بالاغتراب، نراه لا ينفك عن حزنه وعن مآسيه:


(فيا بحر

أعد لي رجع أغنيتي

وردد لجن أبياتي

لأحيا في مآسيها)


 إن وطن الشاعر والذي أفصح عنه في نهاية قصيدته هو الحزن، والذي ارتضاه سكنًا له ومأوى.

الاغتراب في قصيدة وجع البحرللشاعر الدكتور طارق أبو حطب بقلم الناقد الكبير د. سعيد المنزلاوي
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent