recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

التضخم وظلاله عالميًا

الصفحة الرئيسية

 


التضخم وظلاله عالميًا

 

 

هل بدأت يومك ذات صباح بالبحث عن آخر مستجدات قرارات البنك الفيدرالي حول رفع أسعار الفائدة قبل شراء سلعك الغذائية اليومية البسيطة؟


لا عجب.! فلقد أصبح تتبع أخبار قرارات البنك الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، خبر يستحق المتابعة عن كثب، ليس فقط من قبل الاقتصاديين والسياسيين لاتخاذ التدابير الاقتصادية والإصلاحات السياسية اللازمة للتخفيف من حدة آثارها على اقتصادهم القومي فحسب، بل ومن قبل كل مواطن يدرك مدى تأثير رفع أسعار فائدة البنك الفيدرالي على اقتصاده القومي، ومن ثم تأثيرها على تضخم أسعار سلعه الغذائية اليومية؛  فالعالم اليوم أصبح منغمسا في أزمة تضخم حادة، دفعت دول العالم ذات الاقتصادات الصاعدة  والنامية منها على حد سواء إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمحاولة الحد منها، وكبح جنون الأسعار المتزايد، خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار السلع الغذائية، والتي ألقت بصداها على المستهلكين المحليين  خلال ممارسة حياتهم اليومية، لشراء العديد من السلع الأساسية، والتي لا يمكن الاستغناء عنها.


لذلك نحاول هنا إلقاء الضوء بشكل مبسط على:

أولا: تعريف التضخم وطرق قياسه.

ثانياً:التضخم وارتفاع أسعار السلع الغذائية في الدول ذات الاقتصادات القوية.

ثالثا: تأثير رفع أسعار فائدة البنك الفيدرالي في اقتصادات الدول الصاعدة والنامية.

أولاً: تعريف التضخم وطرق قياسه بشكل مبسط:

 

في الوقت الذي تشعر فيه بارتفاع نفقاتك اليومية بالرغم من ثبات كميات وأنواع السلع التي اعتدت على شرائها من قبل، اعلم أنك على مشارف مواجهة موجة من التضخم، فالتضخم بإيجاز هو زيادة عامة لجميع الأسعار خلال عام واحد،  حيث يتم احتساب التضخم بطريقتين، إما من خلال (انكماش الناتج المحلي الإجمالي أو من خلال أسعار المستهلك)، وتعتبر الأخيرة، من أكثر طرق قياس التضخم  شيوعا، حيث تعكس أسعار جميع السلع والخدمات التي يقوم بشرائها المستهلكون، بينما تعكس الأولى إجمالي أسعار السلع والخدمات المنتجة محليا، هذا وقد يرجع التضخم أيضا لأسباب عالمية، والتي بدورها تنعكس على اقتصادات دول العالم بشكل عام، مثلما شهدنا خلال جائحة كوفيد-19، والتي أثرت  في مستويات الديون في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، مخلفة في كثير من الدول أزمات مالية، بالإضافة  إلى تعسر بعضها الآخر عن سداد الديون، ناهيك عن  الخسائر الاقتصادية الأخرى الناجمة عن الوباء، والمتمثلة في تراجع النمو الاقتصادي للدول، وكذلك الأزمة الروسية الأوكرانية وتأثيرها الملحوظ على ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء في العالم، مما جعل التضخم أمرًا واقعيًّا تعاني منه حتى الدول ذات الاقتصادات القوية، ويَئن منه المستهلك جراء ارتفاع  تكلفة المعيشة وارتفاع سلعه الغذائية الضرورية.

 

ثانيًا: أثر التضخم وارتفاع أسعار السلع الغذائية في الدول ذات الاقتصاد القوي:

 

 قد يُلهيك ارتفاع الأسعار الجنوني لسلعك الضرورية عن تتبع التغيرات الاقتصادية الواقعة حولك في كثير من دول العالم، ظنا منك أن اقتصاد الدول يعمل بمنأى عن بعضه، أو أن الأمر مقتصر على الدول ذات الاقتصادات النامية فقط، لكن قد يصبح الأمر مثيرا للدهشة حين تسمع أن التضخم  قد طال اقتصادات دول قوية وليست النامية فقط، مما جعل مواطنيها يعانون أيضا من ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، ودفع حكومات هذه الدول نحو التحرك لإصدار حزم من القرارات، مستهدفة ضبط الأسعار ووضع سقف لها، فلقد أطلعتنا جريدة فايننشال تايمز البريطانية، هذا الأسبوع، على ملخص لتفقد أوضاع بعض دول الاتحاد الأوروبي في ظل التضخم الحالي، واصفة إياها بالأزمة التي لم تشهدها دول الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من 50 عاما لارتفاع تكلفة المعيشة، والتي دفعت بضرورة وضع  ضوابط لتضخم الأسعار ومعالجتها، حيث ذكرت الجريدة معاناة دول الاتحاد الأوروبي، جراء الارتفاع المتطرف لأسعار السلع الغذائية بنسبة 16.6%، متخطيا معدل التضخم البالغ 8.1%، حيث ارتفعت أسعار البيض بنسبة 22.7%، كما ارتفعت أسعار الحليب كامل الدسم بنسبة 25%، والسكر بنسبة 54.9%، مما حث متخذي القرار في كثير من دول الاتحاد الأوروبي، بإصدار تحركات من شأنها تخفيف حدة التضخم ومراعاة البعد الاجتماعي للفئات الأكثر تضررا، فلقد قامت اليونان بوضع حد من هامش ربح تجار التجزئة على المواد الغذائية وغيرها من الضروريات، بينما تعاملت فرنسا من خلال محلات التجزئة لتوفير مجموعة مختارة من السلع بأسعار أقل، وبنهج مماثل اتجهت إسبانيا صوب خفض ضريبة القيمة المضافة على الغذاء، بينما خفضت إيطاليا من تكلفة المواد الغذائية الأكثر إقبالا لديها، وبالرغم  من اتخاذ كل  هذه التدابير من قبل السياسيين لمحاولة كبح جنون أسعار السلع الغذائية الأساسية، فإن مخاوف الاقتصاديين تتزايد بشأن احتمالية ألا تلقى سياسة مواجهة الأسعار المتبعة، بظلالها على كبح جماح التضخم، وعرقلة ارتفاع أسعار السلع الغذائية المستمر.

 

ثالثًا: تأثير رفع أسعار فائدة البنك الفيدرالي على اقتصادات الدول:

 

حسبما جاء في دراسة أجراها البنك الدولي في فبراير الماضي، حول العلاقة بين (رفع أسعار فائدة البنك الفيدرالي وتأثيره على اقتصادات  الدول النامية والصاعدة)، فإن تأثير رفع الفائدة الأمريكية والمتوازي مع رفع قيمة الدولار من شأنه التأثير على اقتصادات الدول من خلال رفع تكلفة القروض، والذي بدوره يؤدي إلى تفاقم أعباء الديون للدول المقترضة، وبالتالي صعوبة تمويل سدادها، والذي يلقي بظلاله على ترجيح دخول اقتصادات الدول الصاعدة والنامية، في أزمات مالية؛ مما يدفع باضطراب الأسواق المالية، وأزمات العملة والديون السيادية في هذه البلدان، وهذا ما يفسر مدى ارتباط رفع أسعار فائدة الفيدرالي بالوضع الاقتصادي للدول، وأيضا مردوده على التضخم في الأسعار، وخاصة أسعار السلع الغذائية، وكما بدا واضحا هناك انخفاض حاد في قيمة العملات المحلية لدى بعض الدول مقابل الدولار بواقع 30% على الأقل، فيما أقدمت دول أخرى على طلب قروض من صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل إضافي.

 

كما يعزو البنك الدولي سبب رفع أسعار فائدة البنك الفيدرالي إلى ثلاث صدمات على النحو التالي:

الصدمات الحقيقية: وهي ما تعني أن أسعار فائدة البنك الفيدرالي سوف تتغير بشكل ملائم مع التغيرات ومستجدات النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، مما تسهم في رفع أسهم وعوائد الولايات المتحدة.

صدمات التضخم: وهي التغيرات الحادثة في أسعار الفائدة الأمريكية، بما يعكس مستويات التضخم المتغيرة، والتي تتحدد برفعها للعوائد الأمريكية، ولكن مع خفض الأسهم الأمريكية.

صدمات رد الفعل: وهي ما تنشأ من تصورات السوق والمستثمرين، لرد فعل البنك الفيدرالي وتوقعاتهم نحو أسعار الفائدة، وهي تشبه إلى حد ما تأثير صدمات التضخم في رفع أسعار العوائد وخفض الأسهم الأمريكية، إلا أنها من المفترض أن تؤدي إلى خفض توقع التضخم.


 تأثير صدمات أسعار الفائدة الأمريكية على الأسواق المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية

المصدر: البنك الدولي، 2023.

 

يوضح الشكل الصدمات الحقيقية وصدمات رد الفعل واستجابتهما لنماذج التوقع المحلي وتأثيرها الثابت وأخطاء المعيار القوي لها، حيث تعكس قيم تدفق رؤوس الأموال الإيجابية زيادة في الاستثمارات والمحافظ في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية، كما تشير الخطوط ذات اللون البرتقالي إلى هامش مؤشر سندات الأسواق الصاعدة كبديل للمخاطر السيادية في فترات ثقة بنسبة 90%.


حيث تؤدي صدمات رد الفعل، بصفة خاصة، إلى زيادة عوائد السندات بالعملة المحلية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية لمدة 10 سنوات، واتساع هوامش المخاطر السيادية بمؤشر سندات الأسواق الصاعدة وكبح تدفقات رؤوس الأموال. وعلى النقيض من ذلك فإن الصدمات الحقيقية لأسعار الفائدة الأمريكية عادة ما تعقبها تحركات أكثر إيجابية في الأسواق المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.

 

وختامًا، فإن اقتصادات العالم ليست بمعزل عن بعضها؛ فيد التضخم التي طالت الولايات المتحدة، وانعكست في رفع سعر الفائدة للبنك الفيدرالي، أثرت بدورها على رفع تكلفة القروض، وحملت اقتصادات الدولة المقترضة أعباء إضافية للدين، وهو ما ألقى بصداه بشكل مباشر على الاقتصاد القومي لتلك الدول، متمثلا في تضخم أسعار السلع في أسواقها المحلية، وارتفاع تكلفة المعيشة، وبالرغم من المحاولات والجهود المبذولة من قبل الحكومات للتصدي لكبح ارتفاع أسعار السلع الغذائية، فإن البنك الدولي ما زال يتوقع مزيدا من  تشديدات السياسة النقدية للبنك الفيدرالي، وهو ما يعني مزيدًا من استمرار زيادة أسعار الفائدة ومزيدًا من التضخم.

google-playkhamsatmostaqltradent