recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

إعلان

د. سعيد محمد المنزلاوي يكتب: محاق قراءة في قصيدة "و تسألين" للشاعر طارق أبو حطب

 


قراءة في قصيدة "وتسألين" للشاعر طارق أبو حطب 

المحاق، هو ما يُرى في القمر من نقص في جرمه وضوئه بعد انتهاء ليالي اكتماله وهذا الوصف ينسحب على تلك القصيدة، والتي تحمل في أحشائها قصة سردها الشاعر على رقعة النص كلمات من لحم ودم، أو قل من لوعة وحرقة وأنين، تسري شخصيتاها ما بين اليوم والأمس، هو يحمل حطام الذكرى ويتكبد لوعتها، وهي تضرم في ذلك الحطام نارًا، ثم تبحث عنه بين الرماد. إنها قصة ولدت كما يولد القمر، ولكن قبل تفجر الأنوار غشيها الظلام.

وأول ما يصافحنا من القصيدة عنوانها، "وتسألين" وهي جملة فعلية سبقت بحرف العطف الواو، إشارة إلى تعالق القصيدة مع نصوص سابقة أو قصة سابقة تتزامن معها في نفس الأحداث. ويؤكد تلك الصلة فعلية الجملة وزمنيتها والتي بعثت الحياة في الحدث، والذي نقلته كلمات الشاعر لأبصارنا بلوعته ولظاه، وحمله لمسامعنا بصخبه ودويه، على سيمفونية بحر الكامل، والذي انسابت الكلمات معه لحنًا من شجن تعلو وتهبط كآهاته والتي يصدرها صدره المكلوم.

وقد قسم الشاعر قصيدته إلى مقاطع، تصدرت كل مقطع منها جملة فعلية هي على الترتيب (وتسألين ـ وتحاولين ـ تتعجيبن ـ تتوضئين وتسائلين)، سبقت أولاهما بحرف العطف الواو، وتجردت عنه الأخريان.

 وتتكرر بنية العنوان في استهلال القصيدة فتشكل كما العنوان بنية مستقلة تحتل السطر الأول بمفردها؛ لتهيمن على منظور الرؤية لمساحة النص المكتوب، ولابد أن يتم نقلها صوتيًّا بجرسها المستقل، كما وردتها في رقعتها المكانية كوحدة مستقلة "وتسألين" لتنشب بمخالبها التساؤلات في جسد القصيدة، والتي تفترش رقعة النص ما بين لحمته وسداه أو مبتدئه ومنتهاه.

كما أن تكرار العنوان في المطلع والختام، يجعل منها قصيدة مدورة تحكي بدائريتها حيرة الشاعر وهو يدور في حلقة مفرغة، ما إن ينتهي حتى يبدأ، وتبدو الهيمنة للسؤال، به ابتدأ النص وإليه انتهى، في رحلة للبحث عن جواب ولكن أعياه الجواب.

  وتتتابع التساؤلات محمومة تتقاذفها الأسطر التالية:

(وتسألين

عما أضاع العمر واجتث السنين

عن كل طير 

نائح

عن كل خطو 

مثقل

عن كل دمع

في حنايا القلب 

منسكب)

تلك التساؤلات تحمل استرجاعًا وندمًا، وتكيل في صدره المكلوم لوعة وأسى. إنها ذكريات مؤلمة وأحداث مرت بها الذات في تجربة قاسية ومؤلمة. وتتضح الغاية من تلك التساؤلات والتي تصدرت بها القصيدة في محاولة الآخر أن يكفر عن خطاياه:

(وتحاولين

أن تسكبي في غبرة الأوجاع

طيف أمان 

يحتويني

يخطف الأنواء 

من هذا المدى)

ولكن محاولة البرء محض هراء، تقف حيالها الذات كما حكى:

(تتعجبين

وأنا هنا

بين المواجع أحترق

وأضيئ شمع تَحَرُّقي

للسالكين) 

إن الذات في تألمها وتحرقها ما تزال:

(من نبع وجدك أستقي

حلمي الحزين)

ثم يعلن الشاعر رفضه:

(لا تحسبيني أشتهي 

إطلالة البدر المغيب مثلنا

أو طلعة الإصباح تهدي سعينا)

ثم يقرر:

(إني بأمنك محترق 

إني بصفوك مثقل 

أحدو الركائب خائبا)

ثم يأتي المقطع الأخير يحمل مفارقة تكشف حقيقة الآخر:

(تتوضئين

وتسائلين

عن كل طهر غائب 

عن لوعة الحرمان تنهش قوتنا 

عن شهقة الأحزان تنخر عظمنا)

ويكون الختام:

(ينبيك قهر دموعنا

يأتيك صوت عاتب 

في ظلمة الطرقات يسري ركبنا 

وأنت أنت

ما زلت عنا تبحثين)

إن القصيدة بمقاطعها الأربعة إنما تحمل فصولًا متلاحمة ينقلنا كل فصل للذي يليه، ولكن الستار لم ينسدل بعد، فكما بدأت كحلقة من قصة مسلسلة، فإنها لا تزال تحمل في أحشائها حلقات أُخر.

د. سعيد محمد المنزلاوي يكتب: محاق قراءة في قصيدة "و تسألين" للشاعر طارق أبو حطب
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent