كيف أصبحت كوبنهاجن العاصمة الخضراء للعالم؟
السياسات البيئية في الدنمارك
منذ عام 1973 وبالتزامن مع أزمة النفط واعتماد البلاد بنسبة 100% على الوقود الأحفوري، أصبحت السياسات البيئية في الدنمارك عنصرًا رئيسًا؛ بحثًا عن فرصة اقتصادية في قطاع الطاقة. ولترجمة هذا فعليًّا، اتخذت الدولة خطوات عديدة في مختلف المجالات من بينها:
إشراك القطاع الخاص: اتجهت الدولة لإشراك القطاع الخاص في عملية بناء الدولة الخضراء، الأمر الذي عاد عليها بالعديد من الفوائد، حتى أنه منذ عام 1980، زاد الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 100%، بينما زاد استهلاك الطاقة بنسبة 6% فقط وانخفض استهلاك المياه بمقدار 40%، وهو ما يدعم النظرية القائلة إن النمو الاقتصادي ممكن عن طريق تقليل استهلاك الطاقة من خلال الأعمال الخضراء.
التنقل الأخضر: استخدمت الدولة الدراجات في التنقل، ففي عام 2016، كان هناك 675 ألف دراجة و120 ألف سيارة فقط في شوارع كوبنهاجن، ما يعني أن 62% من سكان المدينة يذهبون إلى العمل أو المدرسة بالدراجة، ويتم تنفيذ ما يقرب من ثلث جميع الرحلات عبر المدينة باستخدام وسيلة النقل هذه؛ وذلك للوصول إلى هدف 50% صافي انبعاثات بحلول عام 2050.
وللقيام بذلك، ركزت السلطات بشكل خاص على معايير معينة يتم تجاهلها في بلدان أخرى، مثل: نسبة المواطنين الذين يشعرون بالأمان باستخدام الدراجات كوسيلة للنقل، وقد تجاوز ذلك 76%، ما يشير إلى قيام الدولة بنشر وتمويل البنية التحتية لركوب الدراجات، ووفقًا للبيانات التي تم الحصول عليها من الإدارات ونشرتها المفوضية الأوروبية، تم استثمار أكثر من 2 مليار كرونة دنماركية (حوالي 270 مليون يورو) في المبادرات المتعلقة بالدراجات والبنى التحتية منذ عام 2004، وكان ربع هذا التمويل من القطاع العام.
استخدام مصادر الطاقة المتجددة: وضعت المدينة خطة مناخية تركز على أربع ركائز، هي: استهلاك الطاقة، وإنتاج الطاقة، وإمكانية التنقل، ومبادرات إدارة المدينة، وكان الهدف في هذه السنوات الأربع هو الاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية؛ حيث تتوقع محطة (HOFOR) التي تزود المدينة، زيادة قدرتها لتصل إلى 460 ميجاوات بحلول عام 2025. وفي السياق ذاته، كان هناك تعاون بين موردي المياه والطاقة، حيث مكّن مرافق المعالجة مثل (Amager Bakke) من استخدام النفايات لإنتاج طاقة نظيفة وإعطاء دفعة فريدة للكتلة الحيوية.
المراقبة والبيانات الضخمة: تسعى المدينة إلى تطبيق أحدث تقنيات تحليل البيانات على نطاق واسع، وفي السنوات الأخيرة، تعاونت إدارات التنمية الحضرية والطاقة في المدينة لإنشاء أداة مراقبة الطاقة الفعالة والمركزية في المدينة؛ لتوفير 25% من استهلاك الطاقة والمياه في جميع المباني العامة.
وبناءً على البيانات التي تم جمعها في عام 2016، أثبت المشروع إمكاناته، حيث تمكنت المبادرات التي تم الاضطلاع بها هذا العام في أنظمة التدفئة من تقليل ثاني أكسيد الكربون بمقدار 332 طنًا و379 طنًا من ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين المرتبطة باستهلاك الطاقة.
إعادة تصميم الأماكن العامة والتخطيط العمراني الذكي: تميزت كوبنهاجن في مجال التصميم الحضري، فمنذ عام 2010، تتطلب اللوائح أن تشتمل جميع المباني المشيدة حديثًا على أسطح خضراء تساعد على امتصاص تلوث الجسيمات، وهي متصلة بإمدادات المياه من خلال أنظمة تجميع مياه الأمطار التي تمتص 80% من الأمطار الغزيرة.
المساحات الخضراء: كان حوالي ربع المنطقة الحضرية في كوبنهاجن تتكون من مساحات خضراء، أي الحدائق أو البحيرات أو الساحل أو المناطق الطبيعية، وكل مواطن لديه في المتوسط 42.4 مترًا مربعًا تحت تصرفه، ويتوج هذا الاتجاه بمبادرات توضح التصميم الحضري.
ختامًا، فاليوم يأتي أكثر من 30% من احتياجات الطاقة في الدنمارك من مصادر الطاقة المتجددة، ومن المتوقع أن تصل إلى 50% بحلول عام 2030، وتحقيق استقلال الطاقة بحلول عام 2050.
المصدر: مقتطفات تنموية، السنة الثالثة، العدد (33).