recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

وعاد إليَّ.. قصة قصيرة.. بقلم د. سعيد محمد المنزلاوي

 

وعاد إليَّ.. قصة قصيرة.. بقلم د. سعيد محمد المنزلاوي

وعاد إليَّ.. قصة قصيرة.. بقلم د. سعيد محمد المنزلاوي 


حاولتْ مرارًا وتكرارًا أن تثني ولدك الوحيد عنك، لم تأل جهدًا في تشويه صورتك لديه، لدرجة أن تم تحطيمها كلية.

في رجولة مبكرة قال الغِرُّ الصغير لأمه ملغيًا وجودك:

- أنا رجل البيت، ولن أتخلَّ عن أمي.

ربتت أمه على كتفه وانحنت تقبل رأسه قائلة:

- أنت رجلي. ثم رفعت رأسها وهي تنظر إليك شزرًا، وقد امتلأت عيناها بالشماتة منك، وعلى شفتيها ابتسامة الظفر.

تقلصت مهامك في بيتك، ضاعت حقوقك الزوجية، بل والأبوية كذلك. كل يوم يمر كان يزيد من شعورك بالاغتراب داخل بيتك والذي تحول إلى سجن يضيق عليك يومًا بعد يوم.

إلى أن جاء يومٌ، قررت فيه أن تنسحب من حياتهما معًا، فوجودك وعدم وجودك لديهما سواء.

حزمت أمتعتك وارتحلت، حاملًا معك آلامًا مبرحة وجراحًا لمَّا تندمل بعد.

مرت عليك الأيام ثقيلة كليالي الشتاء. الجرح الذي ظل ينزف ليس رجولتك التي أهدرت، وإنما أبوتك التي سلبت؛ افتقدت ولدك؛ فلم يأتِ لزيارتك، ولم يتصل بك، رغم محاولاتك واستجدائك أن يتصل بك، ولكن أوصدت بينكما الأبواب.

فطويت حزنك في قلبك، وإن لم تغب عنك ملامح ولدك؛ فكنت تراه في الصبية من حولك. وما كان أقسى أن ترى ولدًا يتأبط ذراع أبيه، يتسامران ويتضاحكان، بينما أنت محروم من رؤية ولدك.

وتدور الأيام دورتها فتفاجأ في أحد أيام فصل الصيف بابنك يطرق عليك بابك. لم يكن وحده، كان بصحبة آخر؛ كأنما ليتوسط له عندك؛ لتسمح له بالمبيت.

علمت بما جرى، نفس سيناريو خروجك منذ سبع سنوات يتكرر بحذافيره مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع الابن، وكأنما انقلب السحر على الساحر.

جاءك ولدك مطرودًا من بيته الذي خلَفته فيه. لم تطق أمُّه تحكُّمات ابنها ـ رجلها المستعار - فطردته من بيتها.

في حنان أبوي ضممت ابنك إلى صدرك، وبشوق شديد اعتصرته؛ لتروي جفاف أيامك القاحلة.

لم يكن مسكنك الحالي مؤهلًا لاستقبال ابنك، بل لم يكن مناسبًا لحياة آدمي، لكنه ما تيسر لك، فأنت تنفق نصف دخلك نفقة لزوجك وابنها، والنصف الآخر تشاطره بين حاجياتك الضرورية وبين المحامين لرد عدوان زوجك الناشز من قضايا كيدية ترفعها ضدك، أنفقت في سبيل ذلك كله أكثر ما تبقى لديك من مال ولم تستطع – حتى الآن - ادخار شيء.

ملأ ابنك الفراغ في حياتك، وبالرغم من شظف العيش وجدت أخيرًا مَن يؤنس وحدتك ويشاطرك يومك ويقاسمك طعامك وشرابك. وفي المساء تلعبان معًا الشطرنج والدومنة.

خلال الأيام القليلة التي قضاها ولدك معك، لاحظت عليه بعض السلوكيات السيئة التي لا عهد لك بها، رحت تعالجها في صبر وتؤدة حتى تحقق لك ما ابتغيت.

      أثناء تناولكما وجبة الإفطار، باغتَ ولدك بهذا السؤال:

- هل اشتقتَ إلى أمك؟

كان الابن يلوك لقمة في فيه، توقفت اللقمة في فمه لبرهة ثم ازدردها على مضض، وهو يهز رأسه في استحياء علامة النفي.

استأتَ لهذا الرد، بالرغم من توقعك له. لم ترتضِ لولدك العقوق؛ على الرغم من أنها غرست فيه العقوق لك قبل سبع سنوات مضت. ولكن ها هو ابنك معك في صفاء لا يعكره شيء، اللهم إلا سحابة من الحزن تخيم على كل منكما كلما عبر خاطركما تلك الأحداث العاصفة التي قلبت صفو حياتكما يومًا ما، واستبدلت سعادتكما بالشقاء، إلا أن الحياة لابد وأن تستمر.

مضت عدة أشهر لم تتصل الأم بابنها ولم يطلب ابنك زيارة أمه في حين تصلها نفقتها كاملة وفي موعدها وفي ذات الوقت تتحرك القضايا الكيدية ضدك وفي سيرها الطبعي.

مع الوقت تبدلت شخصية ولدك؛ عاد لسابق عهده ملتزمًا بعبادته، متفوقًا في دراسته، وهدأت نبرة صوته التي علت بسبب تلك المشادات المتكررة بينه وبين أمه. صار نسخة منك في سمتك الهادئ وصلاحك وتدينك، واكتسب منك سحر الابتسامة التي كاد أن يفتقدها في السنوات التي قضاها مع أمه بعيدًا عنك.

انتهى العام الدراسي وتفوق ابنك تفوقًا كبيرًا، وزُفَّ خبرُ نجاحه إلى أمه. وما إن سمعت بنجاحه حتى وجمت وتصلبت، كأنما فارقت روحُها جسدَها، فلما استعادت وعيها، وتيقنت من صحة الخبر، راحت تردد، وقد فغرت فاها:

- كيف؟ لماذا؟ كيف؟ لماذا؟ 

كأنما تستنكر أن يفلح ولدك ويتفوق. كانت تنتقم منك في ابنك، وسعت من قبل لتحطيمه؛ حتى لا تقر عينك به. كانت تود أن تدمر لك ولدك؛ لتشقى به وحدك. لكن خاب سعيها وباءت بالبوار.


google-playkhamsatmostaqltradent