اتفاق التهدئة بين الولايات المتحدة وجماعة أنصار الله في مايو 2025: التحولات الجيوسياسية وحدود الوساطة العمانية
بقلم: مصطفى محمود عنتر
في مايو 2025، أعلنت سلطنة عُمان عن نجاحها في التوسط لإبرام اتفاق تهدئة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن. الاتفاق، الذي ينص على وقف متبادل للهجمات العسكرية، ولا سيما في البحر الأحمر ومحيطه، يفتح بابا لتحولات استراتيجية تتجاوز الساحة اليمنية، لتمتد إلى الحسابات الأمريكية في الشرق الأوسط، وديناميات الصراع الإقليمي، لا سيما في ظل استمرار دعم الحوثيين للهجمات على إسرائيل في سياق العدوان المستمر على غزة. يتناول هذا المقال خلفيات الاتفاق، ومضامينه السياسية والعسكرية، ودلالاته الإقليمية، مع تحليل موضوعي للدور العُماني ومحدودية الاتفاق في ظل تعقيدات الواقع الجيوسياسي الراهن.
أولاً: خلفية الاتفاق وسياقه الإقليمي
يأتي هذا الاتفاق في سياق تصاعد التوترات في البحر الأحمر منذ نهاية عام 2023، حيث كثفت جماعة الحوثي من هجماتها على السفن الأمريكية والبريطانية، في إطار ما وصفته بـ"نصرة غزة". وردت الولايات المتحدة بسلسلة من الضربات الجوية المكثفة على مواقع عسكرية تابعة للجماعة. لكن مع مرور الوقت، تزايدت المخاوف الدولية من الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة في منطقة تمثل أحد أهم ممرات التجارة العالمية. وقد سعت واشنطن، في ظل إدارة ترامب الثانية، إلى خفض التكاليف العسكرية وتعزيز الانكفاء الاستراتيجي، فكان البحث عن تهدئة مرحلية أمرا ملحا.
ثانياً: أبعاد الدور العُماني في الوساطة
لعبت سلطنة عمان، بما تمتلكه من رصيد دبلوماسي نادر في التوازن بين أطراف الصراع الإقليمي، دورا محوريا في تحقيق هذا الاتفاق. يبرز الدور العماني كجزء من سياستها التقليدية في "الحياد النشط"، والذي جعل منها وسيطا مقبولا لدى كل من واشنطن وأنصار الله. وقد وفر هذا الاتفاق فرصة لعمان لتعزيز حضورها في الملفات الإقليمية، في وقت تعاني فيه الوساطات التقليدية – كالدور الأممي – من الجمود أو التسييس.
ثالثاً: بنية الاتفاق وحدوده
الاتفاق المعلن لم يتضمن نصًا مكتوبًا أو آليات تنفيذ شفافة، وهو ما يضعه في إطار "التفاهمات الضمنية" أكثر منه اتفاقًا قانونيا ملزما. كما أنه اقتصر على التهدئة بين الطرفين في ما يتعلق بالمواجهات المباشرة، دون أن يشمل أنشطة الحوثيين ضد إسرائيل. وهو ما أكده مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة، حين صرح بأن دعم غزة سيستمر، ما يعني بقاء خطوط الاشتباك مع إسرائيل مفتوحة.
هنا تكمن نقطة الضعف الرئيسية في الاتفاق، إذ إنه لا يضمن خفضا شاملا للتصعيد، بل يخلق حالة "تهدئة مجزأة" تتيح للأطراف إعادة ترتيب أوراقها دون تغيير في المواقف الجوهرية.
رابعاً: انعكاسات الاتفاق على موازين القوى
على المستوى الإقليمي، يعكس الاتفاق تقاطعًا بين الرغبة الأمريكية في تقليص انخراطها العسكري المباشر في الشرق الأوسط، ومصلحة الحوثيين في تجنب المواجهة المباشرة مع واشنطن، مع الاستمرار في بناء شرعية "مقاومة إسرائيل". كما أن الاتفاق يرسل رسائل ضمنية إلى خصوم الحوثيين المحليين والإقليميين، بأن الجماعة باتت طرفا فاعلا في معادلات الأمن الإقليمي، وليست مجرد ميليشيا محلية.
ومن جانب آخر، يعكس الاتفاق إدراكا أمريكيا بأن الضغوط العسكرية وحدها لا تكبح سلوك الجماعة، وأنه لا بد من قنوات سياسية موازية، وهو ما قد يشير إلى تحول تدريجي في سياسة واشنطن تجاه الحوثيين من "الردع الكامل" إلى "الاحتواء المحدود".
خامساً: الدلالات الاستراتيجية والاستنتاجات
محدودية التأثير على صراع غزة – إسرائيل: استمرار دعم الحوثيين لغزة يشير إلى أن الاتفاق لا يحد من التصعيد الأوسع في الإقليم، بل يعزل مسارًا محددًا بين واشنطن والجماعة.
ترسيخ الدور العُماني كوسيط استراتيجي: يبرز الاتفاق نجاح مسقط في إحياء تقاليد الوساطة الدبلوماسية بعيدًا عن الاستقطاب الخليجي.
إعادة ترتيب أولويات واشنطن في الشرق الأوسط: يعكس الاتفاق رغبة إدارة ترامب الثانية في إدارة الأزمات دون التورط العسكري المكلف.
تكريس الحوثيين كفاعل سياسي غير رسمي: وإن لم يرق الاعتراف بهم إلى المستوى الدولي، إلا أن التفاوض معهم يرسخ مكانتهم كطرف يحسب له حساب في المعادلات الإقليمية.
وأخيراً
إن اتفاق التهدئة بين الولايات المتحدة وأنصار الله في مايو 2025 يمثل لحظة دقيقة في مسار التوازنات الإقليمية، إذ إنه يعكس توافقًا ظرفيًا أكثر من كونه تحولًا استراتيجيا دائما. وعلى الرغم من نجاح الوساطة العُمانية في تجنب التصعيد المباشر، فإن استمرار الحوثيين في مهاجمة إسرائيل، واستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، يطرحان تحديًا أمام أية تسويات شاملة. وفي غياب أطر سياسية أوسع، ستظل هذه التفاهمات محكومة بالهشاشة، وغير قادرة على إنتاج استقرار طويل الأمد في الإقليم.